الإمارات دفعت للشركة 20 مليون دولار دفعة مقدمة والشركة أنقذت نيويورك من الإفلاس وتعمل فى 26 دولة لا تدخر الإمارات جهدا ولا فكراً ولا ساعة دون أن توجهه لمساعدة مصر الجديدة.. لا تكتفى الإمارات بضخ المليارات من الدولارات فى شرايين الاقتصاد المصرى المثقل بأعباء وخطايا 30 عاما من الإهمال والفساد، وأربع سنوات من توابع ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
تحلم الإمارات بإعادة الروح للاقتصاد المصرى لينهض بقواه الذاتية وثرواته الكامنة أو بالأحرى المهملة.. ومنذ شهور تولت الإمارات تنفيذ فكرة الاستعانة بواحدة من كبرى شركات الاستشارات والتمويل العالمية لإعداد دراسة عن أحوال الاقتصاد المصرى وإعادة هيكلته.
لم تسع الإمارات إلى الإعلان عن هذه الخطوة، ولم ترض أن تكلف الحكومة المصرية أعباء أو فاتورة الاستعانة بالشركة العالمية.. فى الغالب لا يقل مقدم أتعاب شركة لازارد عن 20 مليون دولار وترتفع الفاتورة إلى 100 مليون فى حالة إتمام العمل مع الحكومة لإعادة الهيكلة طبقا لتصورات الشركة.. والرقم الذى قد يبدو كبيراً للبعض هو مجرد نقطة فى بحر أرباح شركة لازارد الأمريكية والتى حققت أرباحاً فى العالم الماضى أكثر من 2 مليار دولار.. فعليا تدير الشركة استثمارات حول العالم بنحو 187 مليار دولار. وتعمل الشركة فى 42 دولة فى 26 دولة عبر العالم.. فهى تقدم خدماتها إلى حكومات وشركات ودول ومدن كبرى. من أوروبا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن روسيا لدول أمريكا اللاتينية.
وتعد شركة لازارد من أعرق الشركات العالمية فى مجال تقديم الاستشارات المالية وتوفير التمويل للمشروعات الحكومية والخاصة على حد سواء.. وانقاذ الشركات والدول من الإفلاس. وعلى الرغم من أن المقر الرئيسى للشركة يقع فى مدينة مانهاتن بنيويورك فإن مؤسسى الشركة العملاقة خمسة أشقاء فرنسيون.. قرروا الهجرة إلى أمريكا عندما كانت لا تزال أرض الأحلام. وبعد أربع سنوات من الهجرة افتتح الأخوان إسكندر وروسيو الشركة الأولى لتجارة التبغ فى عام 1848.. وخلال ثلاثة أجيال من العائلة تحولت الشركة إلى واحدة من كبرى شركات الاستشارات المالية والتمويل.. وحقق كل جيل نجاحا يذكر له، فقد تدخلت الشركة لإنقاذ شركة «ستروين» الفرنسية من الإفلاس، وذلك بجمع التمويل اللازم لإنقاذ الشركة، وكانت عملية إنقاذ شرف فرنسا كما أطلق عليها فى ذلك الوقت هى أولى المهام الصعبة التى نجحت فيها الشركة.. وفى عام 1975 حقق الجيل الثانى من العائلة النجاح الأكثر صخبا وشهرة، فقد عملت الشركة مستشاراً مالياً لمدينة نيويورك لإنقاذها من الإفلاس.
تجربة لازارد فى مصر لم تكن التجربة الأولى، ففى عهد الرئيس السادات أراد الرجل أن يخلق نهضة اقتصادية. ولم يكن السادات يثق فى الاقتصاد الذى خلفه له عبدالناصر، ولأن السادات كان يثق فى أمريكا 100%.. فقد استعان بصديق له من أمريكا رجل أعمال من كبار عائلات البيزنس المليونير روكفر.. واستضاف السادات المليونير فى مصر، وأمر الحكومة بإتاحة كل البيانات والمعلومات أمامه.. وفوجئ السادات بأن المليونير روكفر يقول له: «ياريس اقتصاد متين ومتنوع بس خرومه واسعة شوية».. ورغم ما جرى لهذا الاقتصاد من إنهاك وإفساد. ورغم ما جرى عليه من اختلالات فى عدالة التوزيع، رغم هذا وذاك لا تزال مقولة رجل الأعمال صالحة لوصف الاقتصاد المصرى. متين ومتنوع ولكن خرومه واسعة، هذه الخروم تعبر عن الفساد الذى أنهك الاقتصاد ومص نسبة كبيرة من عوائد الاقتصاد وثروات مصر. ولكن بعض هذه الخروم أيضا تعبر عن الثروات غير المستغلة فى مصر، ومن هنا تأتى أهمية أن تقوم شركة بحجم شركة لازارد بالبحث فى أصول ووضع الاقتصاد.
يختلف أسلوب عمل شركة لازارد أو الشركات المماثلة عن صندوق النقد أو البنك الدولى. ففى النهاية لازارد شركة تدفع لها أتعابها. وتحصل على التصور أو الروشتة للإصلاح. وبإمكان الشركة أو الحكومة أو الشركة أن ترفض الروشتة وتقطعها إلى مائة قطعة، ولكن أهمية الاستعانة بمثل هذه الشركات أنها تمثل عيناً خبيرة إضافية ترى أحيانا ما لا نراه نحن.. وتتعامل مع الحلول الاقتصادية برحابة صدر ودون حسابات سياسية أو شعبية.. وهذا الأمر يتيح لمثل هذه الشركات أن تخرج بإصلاحات وتصورات مختلفة وجديدة. وتوفر التمويل بطرق غير تقليدية.
خذ عندك مشكلة النقل فى مصر.. كل وزير نقل فى أى حكومة لديه عقدة توفير التمويل لزيادة كفاءة الاتوبيسات والمترو وغيرهما من وسائل النقل، ومع انخفاض الموارد يصبح الحل أكثر صعوبة. ولا نرى بعض الموارد الذاتية المهمة فى هذا القطاع، فهيئة النقل العام تمتلك جراجات عديدة على مساحات هائلة، هذه الجراجات كانت على أطراف المدن، ولكن زحف العمران جعلها فى قلب الكتلة السكنية، وارتفعت أسعار أراضى الجراجات عشرات المرات، ولذلك فإن نقل هذه الجراجات لأطراف المدن مرة أخرى، وبيع أراضيها فى الكتل السكنية يوفر مليارات من الجنيهات لرفع كفاءة مرفق الاتوبيسات.
وتمثل العاصمة نموذجاً مهماً فى إعادة استخدام أراضى الدولة لرسم خريطة عمرانية واقتصادية جديدة.. ويبدو أن رئيس الحكومة المهندس ابراهيم محلب قد استفاد من بعض أفكار الشركة فى هذا المجال.. فقد وفرت الحكومة موخرا سوقا تجاريا لصغار البائعين فى قلب القاهرة. وكانت الأرض الذى يبنى عليه السوق أرضا مهملة وغير مستغلة.
إعادة هيكلة الاقتصاد لا تعنى رفع أسعار بعض الخدمات والسلع فقط، ولكنها تتطلب أيضا إعادة توزيع الأعباء لمواجهة المشاكل، وتحميل بعض الأعباء إلى القطاع الخاص. وبهذا المفهوم فإن الحل السريع لأزمة الكهرباء يتطلب أن تسمح الحكومة للقطاع الخاص بل وتشجعه على إنتاج الطاقة الشمسية على الفور.. وتقوم الحكومة بشراء الطاقة الشمسية المولدة من مصانع القطاع الخاص. وبذلك تضاعف من سرعة الوصول إلى كمية الطاقة اللازمة للاستخدام الصناعى والمنزلى معا، فى ذلك الإطار فإن قرارا بتحول كل المنتجعات إلى الطاقة الشمسية لتخفيف العبء عن كاهل الاقتصاد وتخفيف فاتورة الكهرباء عن كاهل الحكومة.
فى بحثها عن تصور لانطلاق الاقتصاد المصرى ظلت شركة لازارد تعمل نحو سبعة أشهر فى هدوء وسرية. وأجرت مسحا على إمكانيات الاقتصاد المصرى ومشاكله ومعوقات تطوره. وكشفت رويترز النقاب عن عمل الشركة بمصر. وهو عمل ارتبط بالحكومة أكبر من ارتباطه بالرئيس السيسى أو بالأحرى المرشح السيسى فى ذلك الوقت. وجرت عشرات اللقاءات مع وزراء الاستثمار والصناعة والتجارة والنقل والكهرباء والبترول. من الواضح أن بعض أفكار الشركة فى إعادة هيكلة الاقتصاد قد وصلت للحكومة. وأن خطتها فى الاستفادة من أصول وثروات مصر غير المستغلة تتوافق مع آراء حكومية. ولعل أبرز مثال على هذا التوافق هو الحديث عن صندوق سيادى لإدارة أصول الدولة وثرواتها تقدر ب 300 مليار جنيه.
ومن الاقتصاد للسياسة فبعض الخبثاء توقفوا عند موعد إعلان رويترز عن عمل الشركة بمصر، فقد نشر التقرير الصحفى عقب فوز السيسى وقبل أدائة اليمين الدستورية. وراح البعض يتساءل هل كان المقصود إحراج النظام الجديد وربط خطة السيسى بأفكار مستوردة. ولا أستطيع أن أحكم على نوايا رويترز ولكننى أريد أن أذكر قصه من عهد الزعيم جمال عبدالناصر. فالرجل اختار الاشتراكية، ولكنه مع ذلك أمر البنك الاهلى أن يستضيف كبار أساتذة الاقتصاد الحر لإلقاء محاضرات للموظفين والباحثين وأساتذة الجامعات. لم يكن عبدالناصر منغلقا على الأفكار والأساليب الرأسمالية. ولم يرغب فى جيل من الباحثين الاشتراكيين المنغلقين على أنفسهم وأفكارهم. والاطلاع على نتائج أعمال شركة بحجم لازارد بل الاستفادة من بعض أفكارها يقوى الاقتصاد والأهم يوفر له فرص تمويل برنامج السيسى الطموح لإعادة بناء مصر أو بالأخرى خطة مارشال لإنقاذ وبناء مصر الجديدة.