أطفال من ضياع الحلم إلى الاستغلال في العمليات الإرهابية مقابل وجبة و20 جنيه مديرة حقوق الطفل: عمالة الأطفال تحتاج لقرار سياسي.. وسنواجه كارثة في المستقبل
بثياب ممزقة ووجوه كالحة يشوبها غبار شقى الزمن رغم عمرهم الصغير، وحكايات وقصص مؤلمة يرويها أطفال الشوارع في مصر، بعد أن أصبحت الأرصفة، والحدائق العامة، وسقوف الكباري وأنفاق المشاة مأوى لهم، يتسترون بها بلا سلاح أو بارقة أمل سوى المزيد من التشرد والجوع.
دوائر مفرغة من مآزق وكوارث آخذة في التفجّر نتيجة عقود من التغييب لأعداد متزايدة من الصغار الذين ولدوا في ظل حضور شرفي للدولة التي تخلت عن جانب كبير من مسؤولياتها إلى الدولة الموازية، وإضافة إلى الدولة الحاضرة حضوراً رمزياً، وتلك العاملة على الهامش، تُرِك ملايين من الصغار يتدبرون أمرهم وفق ما يتراءى لهم، فتفجرت كارثة أطفال الشوارع، وتفاقمت أزمة عمالة الأطفال.. "الفجر" عاشت، في هذا التحقيق، جانبا من مآسي هؤلاء الأطفال، اقتربت منهم واستمعت لهم وتعاطفت مع أحلامهم الضائعة، وألقت الضوء على ظاهرة انتشار عمالة الأطفال التى تعكس صورة سيئة للمنظومة السياسية والاجتماعية في مصر.
"أيمن وشيماء" أطفال يعملون في "الزبالة".. ضحية حكومات مصر
أطفال، لم تتعدى أعمارهم السادس عشر، يعملون في مصانع أو ورش أو غيره بالمخالفة للقانون والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر، الذي يمنع عمل الطفل، وانتشرت في الآونة الأخيرة نوع أخر من عمالة الأطفال، وخاصة في المدن الجديدة مثل مدينة العبور، حيث يجمع جهاز المدينة- وهي جهة حكومية تعلم أن عمل الأطفال ممنوع قانونا- الكثير من الأطفال ذكور وإناث أعمارهم لا تتجاوز العشر سنوات من القرى المحيطة بالمدينه في سيارات نصف نقل للعمل في تنظيف الشوارع وجمع القمامة.
على رصيف هذه الحكايات المأساوية لهؤلاء الأطفال، يروي أيمن "9 سنوات"، حكايته: "بأخذ 250 جنيه في الشهر، وكل يوم بيجوا ياخدونا في عربيات تجيبنا لحد هنا عشان ننضف الشوارع ونلم الزبالة من الصناديق"، وعلى مقربة منه، طفلة، تبلغ من العمر 10 سنوات، يشوب وجهها الكلل والتعب، قالت ل"الفجر"، "اسمي شيماء وعندي 10 سنين، باجي في العربية هنا كل يوم حتى يوم الجمعة عشان أنضف الشارع بدل محمود أخويا اللي كان بيشتغل هنا وحصلتله حادثة على الطريق ورجله أتكسرت".
جانب آخر من مأسي الأطفال، حيث منطقة الحرفيين، أشهر مناطق ورش صيانة السيارات، والتي تمثل مثال صارخ على سوء استغلال هؤلاء الأطفال. حسن: سبت المدرسة عشان كنت بتضرب.. وهنا بتضرب برضه بس باخد فلوس
في أحدى ورش الميكانيكا، حيث نجد الطفل مغطى بالشحوم والأوساخ ويتعرض غالبا للاعتداء البدني، "حسين"، البالغ من العمر 11 عاما، يقول: "بشتغل هنا من سنتين، وأحصل على 80 جنيه في الأسبوع، وأبي وأمي موجودين، وعندي 3 أخوات، بنتين وولد أصغر مني"، وبلا مبالاة، يضيف، "كنت بروح المدرسة لحد ما وصلت لسنة ثالثة ابتدائي، ثم تركتها، وحضرت إلى هنا عشان اشتغل وأشوف رزقي.. ومكنتش بحب أروح المدرسة لأن المدرس كان يضربني، وهنا بتضرب برضه بس باخد فلوس.. مش أحسن ما أضرب ببلاش".
شداد: لازم أشتغل.. أحسن ما أروح أشحت
مأساة أخرى، حيث يسحب الطفل "شداد"، صاحب الجسد النحيل "كوريك" أثناء عمله في إحدى ورش سمكرة السيارات، تقابلنه معه، وقال لنا: "عندي 10 سنين. وأنا مش فاكر بشتغل هنا بقالي قد أيه.. بس أنا هنا من يوم ما وعيت ع الدنيا.. والأسطى بيديني 100 جنيه في الأسبوع.. بس دائما يشتمني ويضربني.. ومش عارف أعمل أيه.. بس لازم أشتغل عشان أكل أنا وأخواتي أحسن ما أروح أعمل أي حاجه غلط أو أشحت".
محمد في ورشة كهرباء: كنت برمي طوب ومولوتوف على العساكر قبل ما اشتغل هنا.. وسبتها لأنها مش دائمة
وفي ورش الكهرباء، كان الطفل محمد، البالغ من العمر 12 عاما، يعمل في أحدى الورش، ويقول عن عمله: "باخد 60 جنيه في الأسبوع.. وقبل ما أشتغل هنا كنت بروح المظاهرات.. وكنا بنرمي طوب ومولوتوف على العساكر.. وكانوا بيدوني وجبة و20 جنيه في اليوم الواحد.. بس ده مكانش بيحصل دايما عشان كده جيت هنا عشان ألاقي شغل على طول".
توفى والد محمد منذ 5 سنوات، ولديه 5 أخوات، هو الثاني من بينهم، ويعمل هو وأخيه الكبير، وبحسرة وندم، يؤكد محمد: "أنا مدخلتش مدرسة خالص.. وكان نفسي أروح وأتعلم وأطلع ضابط بس هعمل أيه لازم أشتغل عشان أصرف على أمي وأخواتي".
أحمد من تحت عجلة السيارة: العيشة بقت صعبة قوي
وتحت عجلة سيارة، ينام أحمد من كلل العمل، في أحدى ورش إصلاح عفشه السيارات، وبمناداته نهض من أسفل السيارة، وقال ل"الفجر"، "عندي 9 سنين وبشتغل هنا من سنتين.. وعمري ما رحت مدرسة.. وأنا اللى مش عايز أروح عشان أعرف أشتغل هنا.. وأساعد أبويا في مصاريف البيت.. والعيشة بقت صعبة قوى والأسطى هنا طيب ويعاملني زي أبنه.. وبيديني 120 جنيه في الأسبوع".
إسلام ومحمود: بشتغل عشان أساعد أهلي في المعيشة
"الأسبوع اللي فات وأنا بشتغل.. المنشار فتح إيدي ورحت المستشفى وخيطوها لي 4 غرز".. كلمات قالها إسلام، البالغ 13 عاما، أثناء وجوده في أحدى ورش النجارة، ويده مربوطة من أثار الجراح، ويضيف إسلام: "عندي 13 سنة وأبويا متوفي من 3 سنين وبعدها سبت المدرسة عشان أشتغل والمحل ده بتاع عمي وبشتغل معاه عشان أساعد أمي في مصاريف أخواتي".
وفي مصنع ملابس، حيث كان محمود، ابن العشر سنوات يعمل هناك، أكد: "بشتغل في مخزن المصنع وبنزل كراتين الملابس وأحملها على العربية اللي بتوزع الشغل.. وأي مشاوير أو طلبات للمصنع أنا اللي بعملها.. وأنا اللي بنضف المصنع الصبح أول ما أجي وأخر النهار قبل ما أمشي.. وباخد 600 جنيه فى الشهر بساعد بيهم أهلي في العيشة.. ده غير الديون اللي علينا"، وأثناء رفعه أحد أصبعه، مشيرا إلى العاملين معه، قال محمود: "الحمد لله الناس هنا طيبين وبيعاملوني كويس بس الشغل هو اللي متعب أوي".
وعن الجنس الأخر، يعملون أغلبهم في خدمة الأسر في المنازل، وتقول "منى"، التي تعمل في إحدى المنازل بالمهندسين: "عندي 12 سنة وبشتغل هنا من وأنا عندي 7 سنين، وفي الأول كنت بشتغل أنا وأمي، وبعدين أمي رجعت البلد عشان تعبانة.. وأنا فضلت أشتغل هنا لوحدي، وباخد 500 جنيه في الشهر بساعد بيهم أمي وأخواتي في المصاريف عشان أبويا متوفي".
مديرة ائتلاف حقوق الطفل ل"السيسي": "أحميهم قبل ما يحرم المجتمع من أمانه" الدكتورة سمر يوسف، مدير الائتلاف المصري لحقوق الطفل، قالت، ل"الفجر"، إن حل أزمة عمالة الأطفال في مصر، والتي تشكل خطرا على الطفل والمجتمع ككل، لا تحتاج سوى إرادة سياسية وتفعيل للدستور والقوانين التي تجرم عمل الأطفال من قبل الأجهزة التنفيذية للدولة، مضيفة بالقول: "الطفل في مصر للأسف غير موضوع على الإطلاق في أولويات الحكومة والتي حتى الآن وبعد ثورتين لم تدرك أهمية هؤلاء الأطفال وقيمتهم الحقيقية، وكل ما تقوم به في هذه القضية هو الظهور فقط في وسائل الإعلام والتظاهر بالمطالبة بحماية حقوق الطفل.
وتابعت يوسف، "على أرض الواقع، الحكومة بعيدة كل البعد عما يحدث في الشارع ولا تقوم بأى دور فى تطبيق القانون لحماية حقوق الطفل بل تساهم في صنع قنابل موقوتة من المنتظر أن تنفجر في أي لحظة، وأول من سيجني هذا الانفجار هي الحكومة ذاتها"، مؤكدة: "نحن أمام كارثة حقيقية لابد من حلها بأقصى سرعة".
وأشارت يوسف، إلى أنه يوجد المجلس القومي للطفولة والأمومة، الذي أنشئ كأحد آليات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، الموقعة عليها مصر عام 1990، لافتة إلى أنه في إطار محاولاتنا الخروج من هذه الأزمة أرسلنا قبل الانتخابات الرئاسية خطابا إلى كلا المرشحين الرئاسيين، عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، نشرح فيه محاور أزمة الأطفال في مصر وطرق حلها، قائلة: رد علينا مسئولي الحملتين بأنها مشكلة حقيقية وجاري الوقوف عليها ووضع برنامج لحلها".
وأضافت أنه بعد فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية، أرسلنا إليه خطاب بشكل رسمي، طالبناه بعودة استقلالية المجلس القومي للطفولة والأمومة، والرقابة عليه من قبل مؤسسة رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت لحين انتخاب البرلمان وتفعيل لجان الحماية، إضافة إلى إحياء دولة القانون بتفعيل نص المادة 80 من الدستور، حتى لا يصبح الدستور والقانون مجرد حبر على ورق، خاتمة قولها إلى الرئيس السيسي: "أرجوك أحمي الأطفال لأن المجتمع الذي يحرم الطفل من حقوقه وحمايته.. غدا سوف يحرم الطفل المجتمع من أمانه".
التعبئة والإحصاء: 2.8 مليون طفل يعمل في مصر
وحسب أخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والذي صدر في 19 نوفمبر الماضي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، جاء فيه أن أجمالي عدد الأطفال في مصر بلغ 30.6 مليون طفل بنسبة 26.4 % من أجمالي عدد السكان، وبلغ عدد الأطفال الذكور 15.8 مليون طفل بنسبة 18.9 %، فيما بلغ عدد الإناث 14.7 مليون طفلة بنسبة 17.5 % من أجمالي عدد الأطفال في مصر.
كما ذكر التقرير أن عدد الأطفال العاملين منهم بلغ 2.8 مليون طفل بنسبة 9.3 من أجمالي عدد الأطفال في مصر، وغالبا ما يعمل الأطفال الذكور في المهن الحرفية كورش صيانة السيارات أو النجارة أو السباكة وغيرها، فيما تعمل الأناث في المصانع مثل مصانع الملابس وغيرها أو العمل في خدمة الأسر بالمنازل.