«أنا كنت بدخل مع الناس فى المظاهرة عشان عايز اللحمة ترخص». مصطفى، 15 سنة، جاء من بولاق الدكرور إلى ميدان التحرير ليبيع الأعلام. كان رأسماله فى البداية 400 جنيه. «كنت بجيب العلم بتلاتة جنيه، وأبيعه بخمسة». لا يعرف مصطفى ما يدور فى ميدان التحرير: «كل اللى أعرفه أن الشباب عملوا ثورة عشان الحاجة غليت وعشان الريس يمشى». الآن، وبعد انتهاء المظاهرات، وبعد أن باع كل ما كان معه من أعلام، اضطر مصطفى إلى تغيير نشاطه. اشترى «باليتة» من محل فى شارع معروف، وأصبح يجلس على مقعد رخامى أمام مجمع التحرير، يغمس فرشاته فى علبة الألوان المائية ويرسم للأطفال على وجوههم علم مصر. «باخد على الرسمة الواحدة جنيه واحد، والوش كله بتلاتة». يبتسم المارة لمصطفى. يرد الصبى عليهم بابتسامة مشابهة. «أنا أبويا طلعنى من المدرسة وأنا فى تانية ابتدائى عشان أساعده فى الشغل ومصاريف البيت»، يفرك عينيه ويكمل: «يا ريت بعد الثورة التعليم يرخص عشان ارجع تانى المدرسة». لمصطفى سبعة إخوة. «أكبر واحد فينا عنده 25 سنة، وعندى أخت بيبى، اتنين بس مننا راحوا مدرسة، يومية أبويا بناكل بيها بس مدرسة مش هينفع». يظل مصطفى طول النهار فى الميدان، يرسم «الوشوش»، وفى الليل ينام فى ركن آخر من الميدان، «من يوم المظاهرات ما روحتش البيت، بس بتصل بماما من كشك هنا فى طلعت حرب، وخايف أروح». تنزل دموع الطفل بعفوية ولا يكمل. جمع مصطفى علبة الألوان والفرشاة ليتجه نحو شوارع أخرى حول ميدان التحرير. «إن شاء لله بعد ما نجحت المظاهرات أبويا يمكن يوافق يرجعنى المدرسة تانى». اختفى مصطفى بين زحام المارة وهو ينادى على صاحبه. «ياللا يا حسين الواد أحمد بينده علينا».