«لو كانت هذه الرسالة قد تمت فى عهد مبارك ما كانت قد رأت النور ولا حتى سمح بمجرد ذكر اسمها وأطيح فيها بعميد الكلية واللجنة المشرفة عليها» . هذا ما كتبته لجنة مناقشة أول رسالة دكتوراة قانونية عن وضع الدستور فى عهد مبارك بعد أن منحتها درجة امتياز مع مرتبة الشرف، كان من المفترض أن يتم مناقشتها قبل تنحى مبارك بأيام إلا أن توقف العمل بمصر أجل المناقشة ودفع صاحب الرسالة المستشار ماجد شبيطة المستشار بمجلس الدولة ليعيد كتابتها مرة أخرى بحرية أكبر وتطبيقا على نظام حكم مبارك.. الرسالة التى حملت عنوان «طريقة اختيار رئيس الدولة وأثرها على العلاقة بين السلطات» أجريت مناقشتها الاسبوع الماضى امام فقهاء القانون المصرى بكلية حقوق جامعة القاهرة لتكشف الدراسة عن حقيقة كيف صنع القانون والدستور الحاليان من مبارك ديكتاتورا ومن الشعب متفرجا بدلا من أن يكون مصدرا للسلطات كما فى كل العالم. قالت الدراسة إن طريقة اختيار الرئيس أثرت على سلطاته المختلفة مما جعل كل شىء بيده فى النظام السياسى المصرى وهو المتحكم فى كل سلطات الدولة، فسلطاته التنفيذية تجعله يتولى تعيين أعضائها وعزلهم دون أية رقابة عليه، أما سلطاته التشريعية فحدث ولا حرج، فالأصل أنه هو وأعضاء السلطة التنفيذية يتولون بصفة أساسية اقتراح التشريعات وما على البرلمان إلا الموافقة فضلا عن تميز الاقتراحات الحكومية عن تلك الصادرة عن أعضاء البرلمان، كما أن الرئيس يملك الاعتراض على القانون الذى يتطلب للتغلب عليه أغلبية الثلثين وهذا يستحيل تحققه لأن أغلبية الثلثين تنتمى إلى الحزب الحاكم الذى يرأسه رئيس الجمهورية، وهذا يعنى أن الاعتراض على القانون يؤدى حتما إلى انتهائه إلى الأبد، كذلك كان مبارك يملك سلطات استثنائية فى حالات الضرورة ؛ فهو يملك إصدار قرار بقانون بناء على تفويض من البرلمان فى حالة الضرورة ويملك إصدار قرار بقانون فى غيبة البرلمان فى حالة الضرورة أيضا، ويملك اللجوء إلى المادة 74 التى هى أيضا حالة ضرورة، كل ذلك دون أية رقابة برلمانية مطلقا، لا نقول رقابة جدية بل نقول لا يوجد رقابة أصلا، أما الرقابة القضائية فقد كانت متأرجحة بين القوة والضعف إلا أنها منذ عام 2002 وتحديدا بعد حكم المحكمة الدستورية بعد القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 لم يعد لها وجود حقيقى، وليس هذا فحسب بل إن الرئيس يملك حل البرلمان كله دون إبداء أى أسباب فى حالة النزاع مع الحكومة، ويملك أيضا تعيين 10 أعضاء فى البرلمان وتعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، ولا يوجد أدنى مسئولية على الرئيس، فهو يملك ويحكم وغير مسئول لا أمام الشعب- الذى لم يشارك اصلا فى اختياره- ولا البرلمان ولا القضاء ولا حتى أمام نفسه، أما سلطته القضائية فهو رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية وهو الذى يتولى تعيين رؤساء هيئاتها من بين أقدم الأعضاء غير مقيد فى ذلك بقيد الأقدمية، وهو الذى يتولى تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا وقد جرت العادة منذ عدة أعوام أن يتم تعيين رئيسها من خارجها رغم وجود أقدم الأعضاء، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الرئيس يؤثر بشكل مباشر فى السلطة القضائية. ومع استعراض كل هذه السلطات للرئيس يبقى لاعب أخير فى الحياة السياسية وهو الشعب الذى قيل عنه يوما إنه مصدر السلطات؛ فهذا الشعب يقف موقف المتفرج لا حول له ولا قوة. وتنتهى الدراسة إلى أنه على الدستور المصرى أن يحدد أى النظم يتبع: برلمانى أو رئاسى أو مختلط. مساوئ نظام الحكم البرلمانى فى مصر ترصد الدراسة أهم مساوئ نظام الحكم البرلمانى لمصر وهو أنه قد يؤدى فى دول عالم الجنوب إلى ظاهرة عدم الاستقرار للحكومة، فهو نظام غير فعال فى الدول ذات التجربة السياسية الحديثة فهو يحتاج إلى وعى وإدراك سياسيين عاليين، إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية، وفى ظل الاتجاهات الحزبية المعارضة والمتضاربة من الصعوبة بمكان الحصول على تأييد قوى لعمل الحكومة، كما أن رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة كشخص، مما قد لا يفضى عليه من الهيبة والرمزية العالية كرمز للأمة، كما أن الحكومة ستكون خاضعة لتأثير جماعات مصالح مهمة وستكون الولاءات الضيقة حزبياً طافية على السطح، ويؤخذ بهذا النظام فى الدول الجمهورية أو الملكية لأن رئيس الدولة فى النظام البرلمانى لا يمارس اختصاصاته بنفسه بل بواسطة وزرائه. مساوئ نظام الحكم الرئاسى لمصر إنه يلغى مبدأ المسئولية السياسية مما يعنى إمكانية التهرب من المسئولية وصعوبة معرفة المسئول الحقيقى عن الخطأ، وأنه يؤدى إلى الاستبداد فى دول عالم الجنوب أى استبداد السلطة التنفيذية وهيمنة الرئيس سياسياً ودستورياً فى الحياة الوطنية وإعادة انتخابه لأكثر من مرة، كما أنه قد يؤدى إلى تجزئة السيادة فى الدولة، كما أن الأنظمة العربية وبشكل عام هى نظم محافظة وهى على النقيض من النصوص الدستورية والقانونية لا تسمح بتغيير قمة النظام السياسى والهياكل الأساسية بنحو سلمى وكاستجابة لمطالب الرأى العام، بل إن الأدهى من ذلك أنه ليس هناك تغير لأى نظام سياسى عربى قد تم بصورة سلمية ومن خلال عملية ديمقراطية سلمية، وإنما يكون التغيير إما عن طريق العنف المسلح أو الوفاة الطبيعية وما حدث فى تونس ومصر خير دليل على هذا، ولذلك فالنظام الرئاسى يزيد من الغطاء الدستورى والقانونى للاستبداد بالسلطة والديكتاتورية. النظام شبه الرئاسى هو الحل وهو خليط بين تقنيات النظام البرلمانى وتقنيات النظام الرئاسى وتتجلى مظاهر الخلط فى أن رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من طرف الشعب، ويتولى رئيس الجمهورية رئاسة مجلس الوزراء مما يجعله عضوا أساسيا فى ممارسة السلطة التنفيذية، بل له ميادين خاصة به منها السياسة الخارجية وشئون الأمن والجيش، ويعين الوزير الأول وله حرية كبيرة فى ذلك، ويعين الوزراء ويقيلهم بناء على اقتراح رئيس الحكومة، يعين كبار الموظفين، ويتمتع بالسلطة التنظيمية وخاصة إصدار القرارات المستقلة بحكم أن المجال التشريعى محدد. ومن أهم مزاياه أنه يحقق أكبر قدر من التوازن بين السلطات، فلا توجد سلطة تسيطر على مجريات الامور فى الدولة وإنما المبدأ هو التعاون والرقابه المتبادلة، كما أنه من حق الحكومة إصدار قرارات لها قوة القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك. والحق فى اقتراح القضايا التى يجب مناقشتها فى مجلس الشعب ويمكن أن تشترط على مجلس الشعب الكيفية التى يجب أن يتم بها مناقشة هذه القضايا، كأن تشترط أن يتم مناقشتها بدون تعديل ولا إضافة أو أن يتم التصويت عليها بنعم أو لا، بالاضافة إلى أن هذا النظام يعطى لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب والمطالبة بانتخابات جديدة للمجلس بشرط ألا يسيء استخدام هذا الحق، بمعنى لا يجب على رئيس الجمهورية المطالبة بانتخابات جديدة للمجلس أكثر من مرة واحدة فى كل سنة، ومن جهة أخرى يمكن للبرلمان فصل رئيس الوزراء أو أى وزير آخر عن طريق سحب الثقة منهم، كما أن لرئيس الجمهورية الحق فى فرض قانون الطوارئ، وكذلك يعطى رئيس الجمهورية الحق فى استفتاء الشعب فى قضايا يراها مهمة ونتائج هذا الاستفتاء لها قوة القانون فى الدولة. إلا أن أهم عيوبه الأساسية التى تواجه هذا النظام هى عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذى يمثل مصالح البرلمان. وهذه المشكلة عرفت فى السياسة الفرنسية «بمشكلة التعايش المزدوج» وهى الحالة التى يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية من اتجاه فكرى مناقض للاتجاه الذى يمثله رئيس الوزراء. كما حدت للرئيس الفرنسى السابق ميتران «الاشتراكى» عندما فرضت عليه الجمعية العمومية أن يختار السيد شيراك «اليمينى الرأسمالى» ليكون رئيسا للوزراء عام 1986، وعليه فمن الواجب على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أن يتعاونا وأن يتحدا لكى تنجح الحكومة وتحقق أهدافها. السنة الخامسة - العدد 348 - الخميس - 29/ 03 /2012