الصحة والتنمية المحلية تبحثان الحوكمة والهجرة والمناخ ضمن فعاليات مؤتمر السكان 2025    بلومبرج: ترامب سيوافق غالبا على بيع مقاتلات F35 للسعودية    تصفيات كأس العالم، بولندا تتقدم على هولندا بهدف في الشوط الأول    للتسهيل على الركاب.. هيئة السكك الحديدية تعلن طرق حجز تذاكر القطارات ووسائل الدفع المتاحة    انضمام محافظة الجيزة لشبكة المدن الإبداعية لليونسكو 2025    مركز بصيرة يشارك في المؤتمر العالمي للصحة والسكان    الطفل آدم مهنى: عندى 11 سنة ومبسوط إني جزء من أوبريت يالا بينا    مصطفى حسني للمتسابق محمد سامي: شعرت في قراءتك بالفخامة    مصرع 3 أشخاص وإصابة 8 آخرين في انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    رئيس الطب الوقائى: نوفر جميع التطعيمات حتى للاجئين فى منافذ الدخول لمصر    جمارك مطار القاهرة تتصدى لهجمات مهربي المخدرات بضبط 20 كيلو مجددًا    إنجاز جديد.. اعتماد دولى ل اليوم السابع فى تقنيات الذكاء الاصطناعى الإعلامى    قناة الزمالك تنعي وفاة محمد صبري    نقيب الفلاحين: اللحوم في أرخص أيامها الفترة دي    الباز: العزوف تحت شعار "القايمة واحدة" عوار يتحمله الجميع    الحكومة تعتزم إنشاء مركز تعليم الحرف اليدوية بمدرب اللبانة.. صور    من بينها الأهلي والزمالك.. تعديل مواعيد 3 مباريات في الدوري    انتخابات إلكترونية لنادي هليوبوليس في حضور وزير الرياضة    لاعب وادى دجلة يوسف ابراهيم يتأهل إلى الدور نصف النهائي لبطولة الصين المفتوحة 2025    تربية عين شمس تحتفي بالطلاب الوافدين    «الصحة» تنظم جلسة حول تمكين الشباب في صحة المجتمع    تعديل تاريخى فى مواعيد انطلاق الدوري الأمريكي 2027    انطلاق برنامج دولة التلاوة عبر الفضائيات بالتعاون بين الأوقاف والمتحدة في تمام التاسعة    سعر اللحوم مساء الجمعة 14 نوفمبر 2025    الأمطار الغزيرة تفاقم معاناة سكان في قطاع غزة    السنيورة: حزب الله فرض سلطته على لبنان وحوّل مرجعيته إلى طهران    إجراء جراحة دقيقة ومعقدة لإصلاح تمدد ضخم بالشريان الأورطي البطني بكفر الشيخ    الأهلي يعلن مواصلة تريزيجيه والشحات برنامج العلاج الطبيعي    الأمم المتحدة: عشرات الآلاف من نازحى الفاشر فى عداد المفقودين    الكنيسة الأرثوذكسية تعلن تأسيس الأمانة العامة للمؤسسات التعليمية    أزهري: سيدنا محمد تعرض للسحر.. وجبريل نزل من السماء لرقيته    الخريطة الكاملة لمناطق الإيجار السكنى المتميزة والمتوسطة والاقتصادية فى الجيزة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره في تركمانستان العلاقات الثنائية بين البلدين    المسلماني: مجلس «الوطنية للإعلام» يرفض مقترح تغيير اسم «نايل تي في»    سيطرة آسيوية وأوروبية على منصات صدارة بطولة العالم للرماية    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون مقترحًا لتدريب 3 آلاف ضابط شرطة من غزة    وزارة الشؤون النيابية تصدر إنفوجراف جديدا بشأن المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    الطيران المدني توضح حقيقية إنشاء شركة طيران منخفض التكاليف    الزراعة": توزيع 75 سطارة مطورة لرفع كفاءة زراعة القمح على مصاطب ودعم الممارسات الحديثة المرشدة للمياه في المحافظات    محافظ المنيا يبحث مع وفد الإصلاح الزراعي خطة تطوير المشروعات الإنتاجية    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    ضبط 140809 مخالفات مرورية خلال 24 ساعة    الأهلي يصل صالة خليفة بن زايد لمواجهة سموحة فى نهائي سوبر اليد.. صور    وزير الخارجية: صلابة الدولة ورؤية القيادة ووعى الشعب أسهم فى استقرار الوطن    إعلام إسرائيلي: الأجهزة الأمنية تفاجأت بموافقة نتنياهو على إعمار مدن بغزة    رئيس كوريا الجنوبية يعلن زيارته لمصر والإمارات الأسبوع المقبل    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    انطلاق قافلة دعوية للأزهر والأوقاف والإفتاء إلى مساجد شمال سيناء    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    جبران: تعزيز العمل اللائق أولوية وطنية لتحقيق التنمية الشاملة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    غلق مخزن أغذية فى أسوان يحوي حشرات وزيوت منتهية الصلاحية    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رشا سمير تكتب : قزم فى بلاد الأقزام!
نشر في الفجر يوم 22 - 02 - 2014

كان يا مكان يا سعد يا إكرام ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام..

يُحكى أنه فى بلاد الأقزام.. رزق الله أبناء تلك المملكة الكرام.. بحاكم قالوا عنه أنه هُمام.. يزعُم أنه فى كل الأمور يمتلك الزمام.. رجل جاء ليحقق كل الأحلام.. وشعاره فى الحياة لا تراجع ولا استسلام.. رجل لا يقول إلا معسول الكلام.. والسيف يكتب كلمته من بين كل الأقلام.. وقيل لهم وقتها أنه هدية الرحمن إليهم لإنقاذ كل الاقزام..

لكن وبخلاف كل التوقعات، فوجئ كل المنتظرين بالمكان المتشوقين لوصول الهُمام، بشخص قصير القامة قليل الحجم تافه الجوهر أسود الوجه قادما إليهم مُترجلا على قدميه.. لا يمتلك سيفا ولا رمحا ولا حتى مضرب دبان!

فتعجب واحد منهم وقال:

«ده قزم زينا وكمان جاى ماشى مش راكب حصان.. يعنى إزاى قزم وجاى يقهر الفرسان ويرجع حقوقنا اللى ضاعت من زمان؟».

وهتف آخر:

«يعنى منين قزم ومنين جاى ينقذ كل الأقزام؟».

شعر القزم المُحتال بضآلة حجمه وسوء موقفه، فقرر أن يرسم دور الشرير القادر على إيذاء كل من يعارضه الرأى والقول.. ولكى يغير من مظهره الضعيف ويُدارى قصر قامته، أطلق شاربا كثا حتى يرسم لنفسه هيبة مُزيفة وحكمة غائبة..

فكر طويلا.. كيف يضع كل المُحيطين به من مُعارضين ومُؤيدين فى قبضة يده؟.. وأخيرا توصل إلى الحل الأكيد.. وهو أن يبحث لحلفائه عن نقاط الضعف ويستثمرها.. ثم يبحث لأعدائه عن نقاط القوة ويدمرها..

بحث القزم الواهم عن حاشية تقف فى ضهره لتسانده فى إشاعة الفساد..

فاستعان بقزم كان قد نام طويلا فى كهفه المهجور فى خنوع واستسلام بلا دور فعال، وعرض عليه أن يُخرجه إلى النور ويوكل إليه أعمالا تبدو وكأنها فى ظاهرها مهام جسام، وهى فى الحقيقة هُراء رخو بلا قوام.. والمُصيبة أنه حتى لا يمتلك فيها حق اتخاذ القرار لأن وجوده فى الصورة مثل فارس لا يمتلك الجواد.. والرجولة صفة لا يمتلكها الأغوات!.. فبات القزم الضعيف مُهددا بالعودة إلى قباء الظلام لو قرر يوما الحياد عن طريق الفساد.

وعاد القزم الواهم يبحث من جديد.. عن قزم آخر تكون لديه نقطة ضعف علها تصبح أداة للضغط عليه وقت اللزوم.. فوجد قزما غارقا فى الملذات، عبدا للمسكنات مما جعله ذليلا للقرش فلم تعد المبادئ بالنسبة له شيئاً يستحق الحرب، لأنه قرر وبدون تردد أن يبيع لمن يدفع أكثر! فأصبح مثل الراقصة التى تُعرى جسدها كلما زادت صيحات الرجال، التى لا تُبالى بنظرات الذين يشتهونها حين تنحنى لتلم النُقطة من على الأرض.

وفى رحلة بحثه الطويلة.. وجد القزم المكير قزماً آخر مُختلف الهيئة، فقرر أن يضمه لأعوانه، إنه قزم بصديري! ووافق القرد (عفوا أقصد القزم)! أن يتعلم الدرس ويصبح مُطيعا، فالمعلم يجب أن نقف له تبجيلا.. والقزم أبوصديرى ارتضى أن يجرى ليلتقط الفُتات إذا رماها لها سيده.. فالرضا درس تعلمه والسير بجوار الحائط طريق اختاره، وأذنه التى وظفها لنقل الكلام أصبحت سلاحه الوحيد فى معركة فرسانها أقزام لا يحملون رماحا ولا يركبون خيولا.. ولكنهم يرتدون فوق رءوسهم طراطير مزركشة!..

وهذا قزم آخر اختار أن يمسك الصاجات ويقرع الطبول ويرقص للترفيه عن سيده كلما شعر بالملل أو كلما بحث سيده عن ترفيه لم يجده فى مجالس الأنس التى احترف البحث عنها فى أحضان العاهرات! فالرقاص دائما يحتاج إلى طبال، ومن إذن غير هذا اللص الظريف قادر على ضبط إيقاع رقص السُفهاء؟

وبقيت وظيفة أخيرة شاغرة تقدم لها ألف قزم وقزم.. وهى وظيفة القائم على تستيف الأوراق المسمومة.. إلا أن القزم الأكثر جحودا ووصولا وتدليسا وتخليا عن مبادئه كان هو من فاز بالوظيفة! فما كان منه الا أنه باع الجميع وساوم الجميع وحاور الجميع.. وفى النهاية خسر الجميع.. وقبل الجميع وبعد الجميع خسر نفسه!..

فى الركن البعيد وقف باقى أقزام المملكة ينظرون إلى القزم الفاسد ولا ينطقون، صاروا مثل تماثيل الحجارة فى بلد تعبد الاصنام.. يمصمصون الشفاه ويتحسرون عن بُعد لكنهم لا يتحركون، لأنهم فى النهاية صُم عُمى لا يسمعون ولا يرون.. والأدهى من هذا وذاك.. أنهم بُكم لا يتكلمون!

استطاع قزم الأقزام أن يخلق من حوله حاشية تُشعره بالقوة وهو ضعيف، وتهتف باسمه وهو فاشل، وتروج لأفكاره العطنة حتى ابتلعها الجميع متصورين أنها فاكهة الجنة وهى فى الواقع سُم محموم..

وكان على القزم أيضا أن يضمن بقاءه على قمة السفح الذى تصور واهما أنه جبل النجاح، فكانت درجاته هى تلك الجُثث المتهالكة من الطامعين والمشتاقين.. فأطعم الجعان منهم بالحرام، وداوى المريض منهم بالباطل، وكسى العارى منهم بلباس الزور.. فكسر نفوسهم وأزل كبرياءهم وسجنهم فى سجون الانكسار.. وحين لفظوا أنفاسهم الأخيرة اعتلاهم سُلما للصعود إلى الأسفل!

وفى خضم فساد الحاشية نسى قزم الأقزام مظالم الفقراء ودعوات المحتاجين، وأغلق ديوان المظالم فى وجه المتضررين، وداس بجشع على كل مصالح رعيته ونسى فى خضم جبروته الزائف أن دعوة المظلوم تصل دون حجاب إلى عنان السماء، ونسى أن دولة الظلم لو انتصرت ساعة فدولة الحق لسوف تنتصر كل ساعة.

واكتشف القزم صدفة وسط أعوانه الأقزام، أن هناك مجموعة من العمالقة يعيشون فى قصر منيف على أطراف المدينة.. حاول الأقزام قهرهم مرارا ففشلوا.. وحاولوا توريطهم كثيرا فيئسوا.. وحاول اغتيالهم فرد الله كيدهم فى نحورهم فسقطوا.

وقف القزم الصغير أمام أحد العمالقة ممسكا بسيف من ورق، وسأله وهو يرتجف على الرغم من شاربه الكث وتاج المملكة الذى يضعه فوق رأسه ولا يراه سواه:

«كيف أصبحتم أنتم عمالقة فى بلاد كل من فيها أقزام؟»

رد العملاق باسما راضيا مُستهينا به:

«لقد طالت قامتنا وارتفعت رءوسنا بما نمتلك من قوة منبعها الصدق وثبات أصله العدل»

«ومن أين لكم بهذا القصر المنيف الذى تحتمون به؟»

«إن حوائط القصر ترتفع كل يوم بكلمة حق تشبثنا بها وكلمة باطل تصدينا لها، وحروب من أجل الحرية خضناها دون خوف ولم نتراجع عنها برغم كل الضغوط».

ألقى القزم سيفه بعيدا ونكس رأسه وانصرف.. وعلى الرغم من أنه لم يفهم المعنى الحقيقى لكلمات العمالقة، إلا أنه فى تلك اللحظة فقط أدرك الحقيقة التى خفيت عنه طويلا.. وهى أنه.. مُجرد قزم ولو شب على أطراف أصابعه.. قزم ضئيل بلا كيان.. ويبقى عزاؤه الوحيد أنه قزم فى بلاد الأقزام.

وتوتة توتة فرغت الحدوتة.

هذه القصة ليست من وحى خيال كاتب محترف.. ولا أسطورة تاريخية قرأتها فى كُتب الأساطير الإغريقية.. لكنها قصة وطن.. وقصة أفراد كانوا ومازالوا جزءاً من حكاية هذا الوطن..

فالأقزام حولنا مازالوا يعيشون ويرتعون.. يبحثون عن مأوى فى دولة الحُلم الزائف..

أنا هنا أتحدث عن طبيب فاشل وسط أطباء محترمين.. أو رئيس دولة فاشل فى دولة تستحق الحياة.. أو مدير مؤسسة فاشل وسط رعية وشللية تحتضن فساده.

والحقيقة المُرة.. أن كلهم أقزام.. فالأقزام يا سادة مازالوا يعيشون بيننا بسيوفهم المعقوفة ودروعهم الورقية وأضغاث أحلامهم فى أن يصبحوا عمالقة فى بلاد الأقزام.

ولكن هيهات.. فالقزم وسط الأقزام عملاق.. ولكنه بين العمالقة مُجرد صرصار!.

ستبقى المعركة بيننا دائرة.. ولن تخمد أبدا.. طالما كان هناك ليل يعقبه نهار.. وباطل يقهره حقٌ.. وظلم يكسره عدل.. وحرب يهزمها سلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.