(( إحنا ما بندورش على قيادة على أد ما إحنا بندور على ضمير..هو القائد يعنى إيه؟ حيجيب لنا حلول نازلة من السما يعنى!..كل ما في الموضوع إننا لو قدرنا نخلق الضمير ده فى وسط المجتمع، إحنا حنجيب حد كويس..إحنا مابندورش على قائد يحكمنا لأن كل واحد نزل ميدان التحرير بيتمتع بالقيادة..إحنا بندور على ضمير..)) تلك هى الكلمات التى إختتم بها "أحمد" بطل فيلم الميدان الوثائقي مشوار الثلاث سنوات الطويلة مع الثورة المصرية..ذلك الفيلم الذى تم تصويره خلال عامين بكاميرا الأحداث الحقيقية، ومشاهد أعادت لنا جميعا ذكرى تلك الأيام التى إمتزجت فيها رائحة الدم بلون الإرادة وطعم الحرية. يتزامن ترشيح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأحسن فيلم وثائقي مع إحتفال مصر بذكرى ثورة يناير..تلك الثورة التى أثارت جدلا وزوابع سياسية واسعة..والتى لا يعلم حقائقها حتى هذه اللحظة سوى الله.. وما بين ثورة 25 يناير والإحتفال بذكراها، تأتى ثورة 30 يونيو لتختلط المشاعر وتتبدل المواقف وتسقط الأقنعة..فتقع مصر قاب ثورتين أو أدنى.. أخذتنى أحداث الفيلم الواقعية إلى حالة من الفلاش باك الذى عزف على مشاعرى بقيثارة من النغم الحزين كل ما مر بمصر العظيمة من أحداث عاصفة.. تذكرت وميض الأمل الذى داهمنا حين قامت ثورة يناير، وقتما شعرنا لحظتها أن بإمكاننا أخيرا أن نتنفس هواء نقيا غير ملوث بالفساد والظلم والقهر.. تذكرت الخوف الذى إجتاحنا حين إشتعلت الحرائق فى المنشآت العامة، وأصبحت حرب الشوارع بين كل الفئات، فى لحظة غاب فيها الإنتماء الحقيقي للبشر.. تذكرت الألم الذى سكن نفوسنا حين سقطت جثث الشهداء فى الشوارع مثل أوراق الأشجار فى الخريف، لتصبح الشهادة مجرد ظاهرة لا نمتلك منها سوى الدموع.. تذكرت القصاص حين رأينا رموز الحزب الوطنى الفاسد يدخلون الواحد تلو الآخر إلى قفص الإتهام وسط حالة من الإرتياح لقضاء الله الذى وجب نفاذه.. تذكرت عصابة الأخوان..وتذكرت كيف إختبئوا وراء أشجار العدالة والمدنية والكرامة، حتى سنحت لهم الفرصة فانقضوا كالذئاب على الحكم وقتما جلس الثوار الحقيقيون فى ظل شجرة الإنتصار يرتاحون من وجع الثورة.. الفيلم إختار مجموعة نماذج كانت موجودة بالفعل فى الميدان..الشاب العاطل..الفتاة المتمردة..الفنان المثقف..الإخوانى المُضطهد..الأم الملكومة..والشارع الحزين.. من وجهة نظرى المتواضعة، أجد أن فكرة إختيار البطل كشاب طحنته الظروف وساقته أقداره ليعمل بالشارع، ويبيت بالشارع، ويثور بالشارع..فكرة صائبة، جعلت من الشارع صديقا يحدثه ويشكو إليه كلما ضاقت به سبل الحياة.. فما أحن خشونة الأرصفة أحيانا على البشر إذا ما قورنت بغلظة قلوب أصحاب السُلطة!.. هذا الشاب (أحمد) مثل ألاف الشباب الذين كانوا هم بكل صدق الوقود الحقيقي لثورة يناير..إنهم الفئة الحقيقية للشباب البائس الذى نزل الميدان بحثا عن كيانه..فوجد الدفئ وسط الميدان وبين أحضان كل الفئات الثورية الأخرى، حتى وإن كشفت الأيام عن أن بعض هذا الدفئ كان مصطنعا، إلا أن الدفئ الحقيقي الذى سكن الضلوع فى شتاء يناير القارس كان منبعه القلوب وليس الأجساد..فالأجساد ربما تلاحمت..ولكن القلوب تعانقت وتألفت ورقصت جميعها الفالس على نغمات الحرية وهُتافات الشباب.. الفيلم كالعادة بدأ يُهاجم من قبل الكثير من الجهات، لأنه بكل قسوة كما يدين الأخوان ويصنفهم كلصوص للثورة، فهو أيضا يشير بأصابع الإتهام إلى المجلس العسكرى الإنتقالى والمشير طنطاوى بأنهم باعوا الثورة للإخوان المسلمين!.. على الرغم من دوافع الأمريكان التى تبدو دائما بعيدة كل البعد عن سلامة النية، وعلى الرغم من أن الفيلم يتعرض لوجهة نظر من طرف واحد وهى طرف الثوار ولكن ربما كان الجيش والمخابرات العامة لهم وجهة نظر أخرى!..على الرغم من هذا وذاك، إلا أن الفيلم سيبقى لنا كشعب دائما مُدعاة للفخر..لأننا شعب فرض إرادته على العالم كله واستطاع بعناده وذكائه أن يطيح برئيس فاسد مُحصن، ثم يعود ليستعدل مسار ثورته، ويطيح بقراصنة الثورة..فيعزل الآخر.. وترشح الفيلم للأوسكار فى توقيت ذكرى الثورة يدعونا للإحتفال مرتين..مرة بصناعة الثورة ومرة بتأريخها..فلتكن الجهات المسئولة واعية وحيادية بما يكفى لعرض الفيلم على شاشات العرض، لأن الهجوم عليه لن يزيد الناس سوى إصرارا على رؤيته.. فقط لم أستطع أن أستسيغ ظهور الأخت أسماء محفوظ فى أول الفيلم وهى تدعو للنزول من أجل مصر وكأنها جيفارا العرب!..لأنها وبكل أسف حتى لو إستطاعت أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت فهى لم تستطع أن تخدع باقي الناس لكل الوقت..لقد إنكشف الغطاء عن هذه الرموز المشوهة فى لحظة فاصلة من تاريخ مصر..ودعونى أقول لكم وبكل بساطة، حتى لو لم تثبت تهمة التخابر على هؤلاء النشطاء، فلازال شعورنا بأن هناك شهداء سقطوا بلا مقابل وأن هناك فئة أخرى إعتلت جثثهم مقابل أموال وشهرة مُزيفة، شئ يدعونا للإشمئزاز والنفور.. كيف إستطعتم يا شباب مصر أن تمدوا أيديكم لقطر وأمريكا وتركيا لتأخذوا ثمن تراب وطنكم الذى فرطتم فيه؟ كيف سولت لكم ضمائركم النوم الهادئ وأنتم تشاهدون النيران وهى تلتهم كل شئ؟ كيف ستبررون يوما لأبنائكم خيانتكم لوطن حملتوا جنسيته وترعرعتم على أرضه وأنتم ملعونون فى ذاكرة تاريخه؟!.. لازلت أدعو لمحاسبة هؤلاء الشباب، فتشويههم على أرض الواقع بعرض مكالماتهم إثارة لبلبلة لا لزوم لها..ولكن حسابهم بشكل قانونى سوف يكون درسا للجميع.. لازال الجزء الذى يخص المجلس العسكرى أيضا بقيادة المشير طنطاوى غامضا بالنسبة لرجل الشارع فى مصر حتى اليوم!.. فهناك سيناريوهان لا ثالث لهما..إما أن يكون المجلس العسكرى قد سلم مصر على طبق من فضة لجماعة الأخوان فى مقابل الخروج الأمن لقادة المجلس العسكرى...وإما أن تكون تلك كانت الخُطة منذ اليوم الأول، وهى الدفع بالأخوان للنزول إلى أرض الملعب وهم يعلمون جيدا إنه لا يجيد فن مغازلة الشباك أو تسديد الأهداف، فتصبح الهزيمة فرصتهم الوحيدة ومن ثم يصبح الدور النهائي تصفيات بلا فريق إخوانى!! فى كلتا الحالتين..أعتقد أن الشعب من حقه أن يعلم الحقيقة، فالشفافية يجب أن تكون عنوان المرحلة، كما أؤكد على ضرورة مُعاقبة المخطئ..فلو كان المجلس العسكرى قد أخطأ فحان وقت حسابه لنطوى صفحته! ولأن حسابه سوف يُسقط عن الجيش تهمة التستر على مجرم أو إرتكاب جرائم أخرى مثل سقوط شهداء ماسبيرو.. أظهر الفيلم أيضا صورة للإخوانى الحُلم..ولماذا أسميه الحُلم؟ لأنه ببساطة إخوانى وجوده مثل الأساطير..تسمع صوت خطواته ولكن لا تستطيع أن تقتفيها أبدا.. "مجدى" الأخوانى، الرجل الذى آمن بالميدان ووجد فيه الصداقة الحقيقية والعدل الذى إفتقده بممارسات الداخلية ضد جماعته طويلا.. يبدو الرجل فى كل المواقف وكأنه ينتصر لثوريته، على الرغم من أن بيته مفتوح بأموال جماعة الإخوان.. ولكن فى لحظة فاصلة يُداهمه مرض السمع والطاعة، ويدخل فى حُمى القطيع الأخوانى، فيجرى إلى إعتصام رابعة ليدعم شرعية رئيس لا يؤمن به ولكنه لا يملك حق الإعتراض عليه..فيتحول مكانه فى الميدان إلى بُقعة من صقيع!.. ونحن على أعتاب الإحتفال بذكرى الثورة، أرفض ظهور بعض شباب 6 إبريل من جديد فى الصورة، وأرفض إستضافة الببلاوى لهم وأتعجب لرفضه فجأة تسريبات النشطاء الذى تمت ومن المؤكد بمعرفة الدولة! أين كنت يا سيدى منذ بداية طرح التسجيلات؟ وماهى القوى الخفية التى تدفع الوزارة للإنكسار أمام شباب باع قضية وطنه من أجل التمويل؟..هناك شباب رائع جميل محترم يختفى وسط تلال البشر ويختبئ داخل قوقعة همومه، مدوا إليهم أيديكم يا سيدى وحاوروهم وكفى تلك الوجوه المشوهة المحروقة..أقترح أن تتقدم كل مؤسسة أو شركة أو جهة حكومية بترشيح شاب أو إثنين من داخلها أصحاب فكر وخلق يتوافق عليهم مُديريهم وزملائهم..ولتتقدم رئاسة الجمهورية بفتح باب الحوار معهم من خلال إجتماعات لسماع وجهات نظرهم..فمن المؤكد أن مصر الخصبة بأبنائها قادرة على إنجاب زعيم جديد كل يوم.. ونحن على أعتاب الإحتفال بالعيد الثالث للثورة..دعونا نفرح ونحلم ونعمل لنخلق غد أفضل، دعونا نطرد الخوف والقلق والتشكك وندخل المرحلة الجديدة بقوة وعزم على تحقيق المُحال.. دعونا نختلف على الدستور ونختلف على الرئيس ونختلف على معالم الطريق..ولكن..دعونا نتفق على قيمة واحدة فقط وهى صحوة الضمير.. دعونا نبحث عن ضمائرنا وسط حُطام أحلام إنشطرت وأنقاض أمال سقطت.. كل عام وثورتا مصر بخير..ودعونا ننزل إلى الميدان لنحتفل دون خوف ولا قلق..فدفئ الميدان قادر دوما على إذابة كل جليد الإختلاف..