هل يمكن بعد عشرات السنين من التوتر أن تتحسن العلاقات بين مصر وإيران خاصة فى ضوء ما يتكشف عن دور حزب الله المدعوم إيرانيا فى الضلوع بعمليات ارهابية داخل مصر؟ . هذا سؤال بالغ الصعوبة ولكن وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية الذي زار إيران مؤخرا استطاع أن يكسر حاجز الجليد والتوتر الذى دام لسنوات عضال بين البلدين ويقفز إلى ما هو ابعد من ذلك ليرسم ملامح مستقبلية جديدة بين البلدين متجاوزا الكثير من التحديات.
الفجر فى لقاء خاص مع الدكتور جمال زهران عضو الوفد والبرلمانى السابق وأستاذ العلاقات الدولية للوقوف معه على أسباب الزيارة وما الذي تمثله إيران فى الفضاء الإسلامى وتداعيات ذلك على المحيط العربى وعلى أكثر القضايا العربية خطورة وهى الأزمة السورية وما هى السياسات الخارجية الجديدة التى يجب أن توسم الخارجية المصرية تعبيرا عن متغيرات الواقع الدولى من جانب وبلورة لأهداف ومبادئ ثورة 30 يونيو من جانب ثانى وتجاوبا مع الحاجة الملحة لتحسين العلاقات مع إيران من جانب ثالث وإلى نص الحوار ..
ما أسباب تلك الزيارة ؟
بعد الثورة الشعبية فى 30 يونيو العظيمة التي خلصت مصر من نظام ارهابى عميل مثل الإخوان الإرهابيين التابع للولايات المتحدة كان لابد من إعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية بما يتوافق مع استقلالية القرار الوطنى الذى هو مطلب رئيسى فى ثورة 30 يونيو وبما يتوافق أيضا مع متغيرات القواعد الدولية التى أطاحت بالهيمنة الأمريكية على العالم وأتاحت الفرصة لدول أخرى لتأخذ مواقع رئيسية على الخريطة الدولية كأقطاب فاعلة فى النظام الدولى الذى لم يعد أحادى القطب كما كان فى مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وإنما اصبح متعدد الاقطاب تصاغ فيه العلاقات الدولية وفق مصالح عدد من الدول على رأسها روسيا والصين، وأضف إلى ذلك سبب متعلق بإيران ذاتها فهى دولة قوية على المستوى العسكرى والاقتصادى والعلمى فى الفضاء الإسلامى بصرف النظر عن الخلافات بينها وبين الخليج من جانب وبينها وبين مصر من جانب آخر وقد جاء الوقت للتوصل إلى تسويات شاملة من اجل اكتساب إيران كقوة مضافة فى الفضاء الإسلامى لها تداعيت خطيرة على الفضاء العربى.
ما هى الشخصيات الإيرانية التى قابلتموها وما هى الملفات التى ناقشتموها معهم ؟
قابلنا أهم الشخصيات فى صناعة المطبخ السياسى الإيرانى وعلى رأسهم على لاريجانى نائب المرشد الاعلى للثورة الإسلامية ولمسنا بوضوح مدى اهتمام إيران بتطبيع العلاقات مع مصر ورغبتها المؤكدة فى تسوية الملفات الشائكة بيننا.
وابرز الملفات التى نوقشت كانت فى إطار اعتراف إيران بالثورة الشعبية التى حدثت بمصر والتى أطاحت بالإخوان الإرهابيين ،والحكومة المصرية الانتقالية وقد وجدنا تفهما عميقا ومرضيا من الجانب الإيرانى للإرهاب الإخوانى الذى تتعرض إليه مصر وحق مصر المشروع فى التصدى لهذه الجماعات المسلحة والمدعومة امريكيا.
وكانت القضيتان ثورة 30 يونيو والارهاب هما مسار اتفاق كامل بين وجهات النظر المصرية والإيرانية وهذا مسألة غاية فى الايجابية أضف إليها القضية المتعلقة بالأزمة السورية وكانت محلا للاتفاق أيضا حيث اتفق الجانبان المصرى والإيرانى على ضرورة حماية الدولة السورية ومكوناتها وحدودها واتفقا أيضا على ما يحاك لسوريا وهو مؤامرة أمريكية لتفتيت الدولة السورية وأن الجيش الحر هو جيش مرتزقة مدعوم لوجستيا من امريكا.
وفى اطار الدور الذى تلعبه إيران فى المحيط العربى الإسلامى أود أن أؤكد على القوة العسكرية والعلمية الهائلة خاصة فى المجال النووي التى تتمتع بها إيران أضف إلى ذلك ما تمثله الأماكن المقدسة فى مصر لآل البيت من جاذبية سياحية كبيرة لإيران مما يمكن أن يتمخض عنه المليارات لصالح الخزانة المصرية
ما هى التحديات التى يمكن أن تواجه البلدين فى اطار التقارب بينهما ؟
كما أن الأزمة السورية محل للاتفاق فهى محل للخلاف فى مستوى آخر حيث تتباين الآراء الخليجية والإيرانية فى كثير من الملفات وهى المتعلقة بنظام الرئيس بشار الأسد و المعارضة والدعم الأمريكى لبعض فئات المعارضة .
ومحل الخلاف أنه من الصعوبة بمكان أن تحافظ مصر على علاقاتها الاستراتيجية مع الخليج وفى نفس الوقت تحسن علاقتها بإيران فى إطار التناقض الكبير بين الموقف الخليجى والإيرانى ازاء الأزمة السورية ومن جهة أخرى العلاقات الخليجية الإيرانية بصفة عامة بها القدر الكبير من التوتر ولكن هناك نقاط ايجابية تستطيع مصر استثمارها فأولا الاستثمارات الإيرانية الاماراتية تقدر بعشرين مليار دولار مما يعنى أن التفاهم والتوصل إلى تسويات ليس امرا مستحيلا ولكن الأهم من ذلك المناخ السياسى العام ، فهناك التوتر الأمريكى المشترك بين الخليج وإيران وهناك القوة التى اكتسبها الموقف الإيرانى بعد توقيع الاتفاق حول برنامجه النووى فى جنيف مؤخرا مما كان له دلالة -إضافة إلى تغيرات قواعد النظام الدولى - على الضعف الأمريكى على غير الهوا الخليجى الأمر الذى دفع بوزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف إلى زيارة خليجية مؤخرا كل ذلك يمثل معطيات ايجابية يمكن أن ينبنى عليها مبادئ جديدة حاكمة للعلاقة بين إيران والخليج على الرغم من الخلافات الحادة التى تشوب تلك العلاقة ولكن ما هو أكثر ازعاجا ويمثل التحدى الذى أراه اكثر خطورة هو غياب رؤية محددة وجديدة للسياسة الخارجية المصرية حيث مازالت السياسة الخارجية المصرية تفتقد إلى الرؤية أولا والرغبة فى اعادة الهيكلة ثانيا وبالتالى لا يوجد رغبة حقيقية لدى الحكومة المصرية بالتحرك نحو إيران على الأقل بالقدر الذى يناسب رغبة إيران بالتحرك تجاه مصر .
ويزعجنى بشدة أن الاحظ نفس الآفات التى وسمت السياسة الخارجية المصرية لسنوات من استرضاء الولاياتالمتحدة والتخوف من الضلوع بدور اقليمى بعيدا عن مصالح دول بعنها مما يقزم مصر وارى أن ذلك لا يتناسب مطلقا مع اهداف ومبادئ الثورة الشعبية فى 30 يونية التى طالبت بوضوح باستقلالية القرار الوطنى المصرى وعودة مصر إلى دورها الاقليمى التاريخى الذى غابت مصر عنه قصرا لسنوات على الرغم من مؤهلاتها التاريخية والجغرافية لهذا الدور
ما هو الموقع الذى يمكن أن تشغله جماعة الإخوان الإرهابية فى إطار تنامى العلاقات المصرية الإيرانية فى ضوء الدعم الإيرانى للإخوان إبان ثورة يناير ؟
كانت الأزمة السورية نقطة فاصلة فى العلاقة الإخوانية الإيرانية وتحول نوعى ودرامتيكى بينهما لتباين المواقف إزاء الأزمة السورية حيث تبنت جماعة الإخوان الإرهابيين الموقف الأمريكى فى دعم ما يسمى بالجيش الحر الذى هو عبارة عن مجموعات مرتزقة ممولة أمريكيا فى تناقض كبير مع الموقف الإيرانى ومصالحه المتعلقة بالرئيس بشار الأسد .
الأمر الذى دفع بالتوتر بين إيران والإخوان حيث من الصعوبة بمكان تصور تضحية إيران بنظام الأسد مما ساعد بشكل رئيسي إلى اعتراف إيران سريعا بالثورة الشعبية فى 30 يونية والحكومة الانتقالية وساعد أيضا فى اعتراف إيران بما تتعرض إليه مصر من إرهاب.
وعلى الرغم أن الإخوان كانت تمثل حجر عثرة قوى على سبيل تنامى العلاقات المصرية الإيرانية الا أن الاطاحة بالإخوان وعدم استمرار الدعم الإيرانى لهم اصبح نقطة دافعة لتحسين العلاقات المصرية الإيرانية.
كيف يمكن تحسين العلاقات المصرية الإيرانية فى ضوء ما ينكشف من معلومات تفيد بتورط حزب الله المدعوم إيرانيا بعمليات إجرامية إبان ثورة يناير ؟
هذا فى حد ذاته اكبر تحدى لتنامى العلاقات بين البلدين ومسألة احالة المعزول محمد مرسى وعدد آخر من قيادات الجماعة الإرهابية إلى الجنايات بتهمة التخابر بما تتضمنه من هروبهم من سجن وادى النطرون واقتحامه وقتل ضباط شرطة واتهام محكمة مستأنف الإسماعيلية عناصر من حزب الله، بالمشاركة فى هذه العمليات الاجرامية ستكشف لا محالة عن الكثير من المعلومات الخطيرة التى سوف تدين الجانب الإيرانى.
وعلى الرغم أننا لم نناقش هذه المسائل مع الجانب الإيرانى حيث صدر قرار الإحالة عقب الانتهاء من الزيارة ولا يمكن القبول بتورط أي طرف فى عمليات اجرامية فى مصر الا أن السياسة الدولية لا تكال بمثل هذه المعايير فالعلاقات الدولية يحكمها المصالح المتبادلة وعملية التفاوض يحكمها مبدأ الرغبة فى التوصل إلى تسويات مرضية لجميع الأطراف المتنازعة.
وعلى الرغم من اتهام إيران بالضلوع بعمليات إجرامية فى مصر إلا أن عالم التفاوض والعلاقات الدولية لا يعرف المستحيل والمصالح المتبادلة هى الإطار الأكبر لأى علاقة بين بلدين.
كيف تقيم السياسة الخارجية الإيرانية عقب توقيع اتفاق على برنامجها النووى مع مجموعة 5+1 فى جنيف مؤخرا ؟
خطوة ممتازة تعبر عن قوة الموقف الإيرانى من جانب والضعف الأمريكى من جانب آخر فقد استطاعت إيران فرض قرارها الوطنى على الأسرة الدولية وسوف يكون لهذا الاتفاق تداعيات خطيرة على مستوى قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها الأزمة السورية حيث من المؤكد أن إيران أصبحت الآن أكثر قدرة على المناورة والضغط من اجل تحريك دفة الأحداث وفق مصالحها وهذا فى حد ذاته سبب ادعى لتستجيب مصر إلى الجهود الإيرانية فى التقارب مع مصر
كيف يلقى النفوذ الإيرانى بظلاله على مؤتمر جنيف 2 الخاص بالأزمة السورية ؟
بالتأكيد إيران أصبحت الآن أكثر قدرة على فرض قرارها على الأسرة الدولية بعد توقيع الاتفاق الخاص بنشاطها النووى وهذا سينعكس على موقف الرئيس بشار الأسد الذي أصبح موقفه أكثر قوة وصلابة فى مواجهة الائتلاف السورى المعارض الموالى للأمريكان وستستطيع الحكومة السورية حضور المؤتمر على الرغم من معارضة الائتلاف إضافة إلى ذلك أصبحت المعارضة السورية غير المنخرطة فى الائتلاف السورى المعارض اكثر قوة فى مواجهة الإئتلاف الذى يمانع حضورها للمؤتمر.
أما القضية الخلافية الأخرى التى تهدد المؤتمر هى ما يتعلق بالسلطة السورية حيث يؤكد الائتلاف السورى " الأمريكى " على تمسكه بمبدأ انتقال السلطة كمبدأ اساسى للجلوس على مائدة المفاوضات وتتبنى الحكومة الموقف المناقض حيث تؤكد أن انتقال السلطة ليست محلا للتفاوض أصلا.
ولكن اعتقد أن قوة الموقف الإيرانى ستكسب الرئيس بشار الأسد وحكومته الكثير من النقاط الايجابية إضافة إلى الدعم الروسى مما يساعد كثيرا فى تعديل كفة موازين القوى لصالح الرئيس بشار الأسد.
وإزاء هذه التطورات الكبيرة ليس فقط على صعيد الأزمة السورية وإنما على صعيد خريطة الشرق الأوسط والدور الإيرانى البارز يتجلى الشعور بضرورة تطبيع العلاقات بين مصر وإيران حيث أصبح ضرورة قصوى.