سوزان طلبت من شخصيات خليجية التوسط للإفراج الصحى عن مبارك.. وقوبل طلبها بالرفض
فجأة تذكر مبارك أن يصدر مذكراته فى ذكرى حرب أكتوبر، فليس هناك أسهل من الانتصارات لغسل السمعة، فلسنوات طويلة بالغ مبارك فى دوره فى حرب أكتوبر، وأقصى وهمش أدوار الأبطال الحقيقيين للحرب، ولذلك بدا مريبا للبعض أن يتصدر كتاب مذكراته حفل إطلاق ثلاثة كتب، كان معظم أركان نظام مبارك حاضرين، حتى ظن بعض الحضور أن مبارك سيدخل عليهم الحفل، كان هناك معظم رؤساء تحرير عصر الرئيس المعزول مبارك، وحفنة من وزراء حكوماته المتعاقبة، وعلى ال«فيسبوك» ظهرت دعوات لشراء أكبر عدد من النسخ من الكتاب، وذلك ليحقق أعلى المبيعات ويضرب الرقم القياسى «لأن ده أقل واجب نقدمه للرئيس فى عيد النصر».
لم يكن الحفل سوى مشهد واحد دال وموح، مشهد من مسلسل عملية فاشلة لإنقاذ مبارك وغسل سمعته السياسية، فقد تصور البعض أن فشل الإخوان وخطايا مرسى تغفر لمبارك خطايا 30 عاما من الحكم الاستبدادى الفاشل، تجمعت أطراف متباعدة، ولكن كلها تغزل لوحة تبرئة مبارك وعصره، بعض الأطراف تعمل فى الظلام، وأطراف أخرى تخصصت للإعلام والتوك شو، ولكن الخيوط تتجمع لاستغلال مابدا أنه لحظة مناسبة، لحظة مقارنة بين أخطاء مبارك وخطايا الإخوان، على طريقة المثل الشعبى «من شاف بلاوى مرسى هانت عليه بلاوى مبارك»، وكأن قدر مصر أن تعيش فى خيارات بين السيئ والأسوأ، بين من أضاع مكانة مصر، وبين من تآمر لبيع أرض مصر، بين من أراد أن تحكم جماعته 500 عام، وبين من أراد أن تحكم أسرته ما تيسر من الأعوام، الأسابيع الماضية كانت مستفزة بمشاهد متداخلة من فيلم فاشل وهابط، فيلم تبرئة مبارك وعصره.
من بين أسوأ حالات الخزعبلات، محاولة البعض تبرئة مبارك من جريمة التوريث، كل يوم تسمع كلامًا يحرق الدم، كلامًا من نوع «جمال ما كانش هيحكم ولا حاجة»، عادت نغمة جمال كان بيساعد والده فى الحكم، ومرة تانية التوريث دى إشاعة أمريكية، جمال دخل السياسة عشان يظل فى مصر بجانب والده ولا يسافر للعمل بالخارج، ومبارك عمره ما سمح لأسرته بالتدخل فى السياسة، داخل الأسرة كان الهدف الأهم هو إخراج مبارك من السجن من خلال الإفراج الصحى، وقد حاول بعض أفراد الأسرة إقناع شخصيات خليجية نافذة بالتوسط لدى النظام، وساطة للإفراج الصحى، هناك روايتان الأولى تقول إن سوزان مبارك قد طلبت بنفسها، والرواية الأخرى أن شخصية أخرى مقربة جدًا من الأسرة قامت بطلب الوساطة، ولكن الروايتين تتفقان فى النتيجة، فالمهمة فشلت، فقد اعتذرت الشخصيات الخليجية عن قبول الوساطة، وأكدت للأسرة أنها لم ولن تتدخل فى شئون مصر الداخلية، فدول الخليج التى ساندت مصر بعد ثورة 30 يونيو لا ترغب فى أى إشارة سلبية بربط الدعم لمصر بأى تدخلات أو طلبات، الحديث أو الأوهام عن الإفراج عن مبارك قابلته ردود أفعال رسمية لا تخلو من ذكاء ووعى بالمخططات والأحلام والرغبات التى أصبحت أكثر جرأة أو استفزازًا فى أن ينال مبارك حرية الحركة، ويرجع كمان يعيش فى شرم الشيخ.
أول ردود الأفعال كان تعديلاً تشريعيًا يلغى الحد الأقصى للحبس الاحتياطى فى حالات الحكم بالإعدام أو المؤبد، وكان مبارك قد استفاد من مادة فى القانون تضع حدًا أقصى للحبس الاحتياطى، وبموجب هذه المادة.. فإن المحكمة كانت ملزمة بحكم القانون بالإفراج عن مبارك، ومن جانبها ردت الحكومة على لسان رئيس الحكومة الدكتور حازم الببلاوى إن مبارك سيظل قيد الإقامة الجبرية، وحتى لا يتم نسج أى شائعات من نوع زيارات سرية لمبارك، وتتورط الشائعات إلى حديث الصفقات.. فقد امتنع بعض قيادات الجيش وأعضاء من المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن الذهاب لمستشفى المعادى العسكرى، حيث مقر الإقامة الجبرية لمبارك، واختارت مستشفيات عسكرية أخرى، فلا أحد يرغب فى أن يتم استخدامه فى قصة مزورة، فعلى فيس بوك أخذ أولاد مبارك صورة قديمة للرئيس المعزول وهو يلوح بيديه، وادّعوا أن الصورة التقطت له يوم 6 أكتوبر، وهو يلوح لأنصاره، فمصنع الشائعات يعمل الآن بكامل طاقته، وأخطر هذه الشائعات شائعة أن الفريق السيسى زار مبارك فى المستشفى للتهنئة بذكرى أكتوبر، فأولاد مبارك لا يريدون أن تنتهى احتفالات ذكرى الأربعين لانتصار أكتوبر دون أن تحقيق أقصى استفادة لصالح الرئيس المعزول.
القيادى السابق بالحزب الوطنى الدكتور حسام بدراوى اختار العمل الأهلى بهدوء وبعيدا عن الأضواء، فى صمت يعمل على مشروع من مشروعات المجتمع المدنى لإصلاح المدارس فى الأحياء الفقيرة، فقد استجاب بدراوى لنصيحة بعض الأصدقاء بالابتعاد عن السياسة لفترة، ولكن بعض كبار رجال الأعمال ممن استفادوا من نظام مبارك كان لهم رأى آخر، فبدراوى من الشخصيات التى لم تتلوث سمعتها، وقد ساندوا من قبل الفريق شفيق فى الانتخابات الرئاسية، ولكنهم الآن يحلمون بعودة نظام مبارك، دون عودة مبارك نفسه، ولذلك تقدموا بعرض لإنشاء حزب سياسى جديد يرأسه حسام بدراوى، حزب يخوض الانتخابات البرلمانية، وقد يدفع بمرشح رئاسى غير شفيق، لأن الفريق شفيق من وجهة نظرهم خان مبارك وباعه خلال حملة الانتخابات الرئاسية الماضية، وقد علقت على هذه القصة بأن شفيق لم يوجه إهانة لمبارك.. فرد محدثى باستنكار «لم يدافع شفيق عن مبارك ولم يمنحه حقه».
إذن فقد زاد سقف التطلعات الآن فى كل ما يتعلق بمبارك، مطلوب تبرئة كاملة عن كل ما حدث فى عهد مبارك و«الشماعات» كثيرة.
بالنسبة ل«لوبى» رجال الأعمال، فإن الهدف النهائى ليس عودة مبارك أو ولده للحكم، فأهل البيزنس أناس عمليون، ولذلك فالهدف هو الإبقاء على النظام الاقتصادى لمبارك، استمرار أن تعمل الدولة بكامل هيئاتها لدى حفنة من رجال الأعمال، أن يظل الفارق بين الطبقات مثل الفارق بين السماء والأرض.
لا أحد ينكر براعة ولا ذكاء المحامى الكبير فريد الديب، وبالمثل لا أحد ينكر عليه حقه فى الدفاع كما يشاء عن موكليه فى ساحات المحاكم، وفى هذا المجال لم يقصر الديب فى الدفاع عن موكله المتهم حسنى مبارك.. سواء فى قضيتى الكسب غير المشروع أو قضية قتل المتظاهرين السلميين فى ثورة 25 يناير، ولكن فى غمرة الاحتفالات بنصر أكتوبر تحول الأستاذ فريد الديب من محام فى ساحات المحاكم إلى محام سياسى عن عصر مبارك، مرة أخرى هناك خلط متعمد بين دور مبارك فى حرب أكتوبر، وهو دور لم نتمكن حتى الآن من تحديده، وبين دور مبارك كرئيس جمهورية لمدة 30 عاما، فى الحقيقة لم يدخر المحامى فريد الديب أى وسع فى الفضائيات فى الدفاع السياسى عن سياسات مبارك، وعهد مبارك، واضح أن المحامى الكبير يظن أننا شعب مصاب بالزهايمر، وأننا بعد ضربة الإخوان وندالتهم مستعدون لنسيان خطايا مبارك السياسية، ودخل فى معركة الفضائيات أو الحرب المقدسة الفضائية كتاب وصحفيون من عهد مبارك، الكل يتنافس على تحقيق المهمة المقدسة، مهمة تبرئة عصر مبارك.
فهناك أنواع وأشكال من المحامين، وأكثر المحامين استفزازا محامى «البحث عن صبى يشيل القضية»، مرة وزير الداخلية حبيب العادلى هو سبب المصايب، ومرة الإعلام الذى غرر بالناس، ومرة ثالثة الحديث عن مؤامرة أمريكية للإطاحة بمبارك، وذلك بالطبع على اعتبار أن مبارك لم يخضع مصر فى بيت الطاعة الأمريكى طوال سنوات حكمه، وأن المشكلة بين مبارك والأمريكان كانت معركة مستمرة، ولم يكن مبارك يعتبر لسنوات رحلة الحج لواشنطن علامة على متانة حكمه، ونجاح سياساته، وأن مبارك كان معارضا شرسا أو حتى معارض نص نص لأمريكا.
ولكن كثرة المشاركين فى غزل ونسج فيلم تبرئة مبارك وعهد مبارك وتنوعهم، لا يمنع أن هناك بعض الحكماء الذين تنبهوا لخطورة ما يحدث ويحاك، لأن بعض السياسيين من أيام حكم مبارك يدركون أن التاريخ لا يعيد نفسه بنفس الصورة مرتين، وأن الظروف السياسية التى تمر بها مصر تجعل عودة نظام مبارك أمرًا خطيرًا، وأن ماسورة الدفاع عن مبارك قد تنفجر فى وجه مبارك نفسه، فالاستفزاز المستمر قد يزيد من شحنات الغضب خاصة لدى ثوار 25 يناير، الذين يتعرضون الآن إلى حملات حادة ومرفوضة من التشويه الأخلاقى والمعنوى والمادى، من ناحية أخرى يخشى هذه الفئة من الرافضين لحملة تبرئة عصر مبارك من أن تؤدى إلى إحراج رجال النظام الجديد، وهو نظام يواجه حربا من الإخوان وعمليات إرهابية، وضغوطًا دولية.. باختصار نظام لا يحتاج لمزيد من الضغوط والمشاكل، ولذلك كانت نصيحة قيادى سابق بالحزب الوطنى محددة «اردموا على الماضى، ولا تزيدوا الضغوط، وهذا لصالح مبارك نفسه».. وأضاف القيادى الحكيم «بكفاية ما تعرض له الرجل من بهدلة سيبوه فى حاله».