كتبت صحيفة بريطانية منذ أكثر من 10 سنوات تقول: "ان أسوء شيء يحدث في مصر.. أنه لا شيء يحدث". والآن وبعد 10 سنوات مضت، كل شيء يحدث – بعدم ترتيب أو تنظيم – وفي جميع المجالات والقطاعات، ما يهدد بطول الفترات الانتقالية التي دخلنا فيها بعد ثورة 25 يناير 2011 .
ورغم أن التحركات الأخيرة التي تصدرها الشعب المصري وطالب بها، ونفذتها في 30 يونيو القوات المسلحة، توضح اننا على بداية الطريق الصحيح، إلا ان الطريق مازال طويلا ويجب البدء فورا في كافة الإجراءات التي تجعل من الخطى أسرع وبشكل منظم.
ودائما ما تمتلك الوسائل الإعلامية، البداية في كل فترة انتقالية، لتساهم في تشكيل الرأي العام وتوجهه، وتنظم أولوياته بعد المطالبة بتوفير احتياجاته. ولا يخفى عليك سيدي أحمد المسلماني، وأنت المسئول الإعلامي لرئيس الجمهورية المؤقت، أن الصحافة الأجنبية استحوذت على نسبة كبيرة جدا من مناقشات وموضوعات الإعلام المصري خلال الفترة الأخيرة، في محاولة لتوضيح خطأ ما يعتقدون – أي الإعلام الغربي - عن ثورة 30 يونيو، في حين أن توجيه الرسالة الإعلامية المحلية باللغة العربية ولمشاهدين مصريين لن يفيد الإعلام الغربي المستهدف في الأساس.
وتفرغت بعض الوسائل الإعلامية – الناطقة بالعربية – في شرح وتوضيح ماحدث في 30 يونيو، بداية من عرض صور وفيديوهات حتى الاستعانة بضيوف يؤكدون انها ثورة وليست انقلابا. ورغم الدور الوطني التي تريد أن تلعبه تلك الوسائل الإعلامية، إلا ان النتيجة ربما تتلاشى أمام وسيلة إعلامية واحدة – عربية كانت أو أجنبية - لديها كافة الإمكانيات والمؤهلات لتوصيل رسائل عربية للخارج بلغتهم.
وأثناء ذلك بلغت المشاكل الداخلية ذروتها، بعد ارتفاع ضحايا العنف الطائفي بصعيد مصر، وحرق الكنائس، وتوقف الحركة المرورية في بعض المحافظات والقاهرة، وانتهاك القانون بشكل يومي في وسائل إعلامية تحرض على العنف، وتدهور اقتصادي متوقع، بينما ينشغل الرئيس والحكومة في كيفية توصيل الرسالة الإعلامية الصحيحة لوسائل الإعلام الأجنبية. وبين هذا وذاك، نتخلى عن قضايانا الداخلية فورا ومشاكلنا المزمنة، ما ان تنشر صحيفة الواشنطن بوست تقريرا عن مصر، أو تعليقا في ال نيويورك تايمز، أو تصريحا من البيت الأبيض، او رأيا من اعضاء في الكونجرس الأمريكي عن مصر، لينصرف الإعلام المصري عن قضايانا ومشاكلنا الاساسية، لمناقشة هذه التصريحات والآراء ومحاولة اقناع الرأي العام الداخلي بعدم صحتها، لتكون النتيجة ارتفاع الازمات الطائفية والاقتصادية والاجتماعية بشكل – حتى الآن في الحدود الآمنة – ولكنه قد ينذر بخطر خلال الأيام المقبلة.
ما أعلمه عنك سيدي المسلماني، أنك لن تكون مجرد موظف حكومي تفعل ما عليك فقط، ولكن تطلعاتك المستقبلية التي رأيناها في كتاباتك وبرامجك، تجعلنا على يقين أنك ستعمل للإعلام المصري ككل وليس لإعلام الرئيس فقط. أقترح عليك وأنت في الرئاسة، أنت تضع خطة إعلامية استراتيجية للدولة، تُعتمد من الرئيس، يتولى تنفيذها الجهاز الإعلامي المسئول – أي كان وزارة الإعلام أو هيئة مصرية إعلامية مستقلة – تهدف لمخاطبة الرأي العام الغربي ومنافسة الآلة الإعلامية التي توجه ضد مصر. "فالجميع يعلم أن قناة الجزيرة صارت متحفا ومنبرا وأثرا وعلما لدولة قطر، وان عدد مشاهديها أكثر من زائرين قطر نفسها".
خطة إعلامية منظمة طويلة المدى، تشمل بث قنوات تليفزيونية بثلاث لغات أجنبية على الأقل، أولها الانجليزية، تنقل صورة مصر الحقيقية والتاريخية والسياحية والواقعية ايضا، مع توفير كافة الامكانيات والماديات لها، على أن يشرف عليها فريق إعلامي متخصص. وإذا كانت امكانيات الدولة المادية لا تستطيع تحمل تكلفة قناة إعلامية عالمية، فلا مانع من مشاركة القطاع الخاص الذي يريد لعب دورا وطنيا في الحياة السياسية فعليا وليس بالأحاديث فقط. ولماذا لا يتم التسهيل لأي رجل اعمال يريد ان يبث قناة تليفزيونية بلغات أجنبية من مصر بدون مصاريف تراخيص في البداية، مع توفير كافة التسهيلات الإدارية والإنشائية لبث القناة. ولماذا لا يتم الغاء بعض القنوات المصرية الحكومية التي تكلف الدولة الكثير بدون وجود مردود إعلامي على المجتمع المصري، ليحل محلها تلك القناة التليفزيونية المأمولة في القريب العاجل.
وهنا لن أذكر الهيئة العامة للاستعلامات بالسوء، لآن الجميع يعلم أن الصحفي الأجنبي المراسل لصحيفته في مصر، سيسعى وسيظل يسعى لعرض الرأي والرأي الأخر من الواقع المصري، مع التحيز لوسيلته الإعلامية وسياسة الدولة التي ينتمي لها. فالجميع يعلم بنشاط السفارة الأمريكية في جمع المعلومات من مصادرها الرئيسية، ومن كافة الأطراف، لتوصيلها إلى صانع القرار الأمريكي مباشرة، فإذا ما توافرت كل المعلومات بشفافية – وفقا للسياسات المصرية العليا – من خلال القناة الموجهة، فان النتائج قد تكون ايجابية. فدور القناة المصرية المأمولة لن يخرج عن إطار الإفصاح عن خطة الدولة المصرية الإستراتيجية، والدول التي تساعدها على النهوض بتلك الخطة، والدول التي تعوق تنفيذ هذه الخطة، مع عرض النتائج المترتبة عليها. ولن يكون دورها كشف أو التسليط على مشاكل الآخرين لإلهائهم عن مشاكلنا. وهنا سيبدأ الإعلام الوطني في الالتفاف حول خطة الدولة الاستراتيجية والعمل على تنفيذ برامجها، والتي من المؤكد انها ستأتي بثمارها في التنمية على السياحة والإسكان والأمن والتنمية بشكل عام. ليكون بذلك قد وضع الإعلام خطة نهوض الدولة في كافة القطاعات، مع تغيير الصورة الذهنية الأجنبية عن مصر .
وبذلك ستذكر الصحف بعد 10 سنوات: "أن أفضل شيء حدث في مصر، منذ 10 سنوات، أن كل شىء كان منظما.. وأن الإعلام من قام بذلك.. وقت وجود أحمد المسلماني في الرئاسة مستشارا إعلاميا للرئيس".