لم ينقطع حبل التواصل بين تشاك هيغل وعبد الفتاح السيسي، وتحاول أميركا إحلال توازن ما في علاقتها بالقيادة المصرية الجديدة، ولو كانت موقتة، بما لا يضرّ بمصالحها ونفوذها، لكن هذا التوازن يصعب يومًا بعد يوم. على امتداد اربعة اسابيع من الدبلوماسية الهادئة لكن المكثفة، مارست إدارة اوباما لعبة توازن مع مصر، بحثّ قادة الجيش المصري على تفادي العنف والعودة الى الديمقراطية من جهة، والحرص على إبقاء أي نفوذ قد تمارسه الولاياتالمتحدة لاحقًا على الجيش والحفاظ على التدابير الأمنية ومعاهدة السلام مع اسرائيل التي كانت في صلب العلاقة بين البلدين طيلة الأعوام الثلاثين الماضية، من الجهة الأخرى.
وأجرى وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل اتصالات هاتفية عدة بقائد الجيش المصري الفريق عبد الفتاح السيسي، يناشده فيها إبعاد الجيش عن المعمعة، فيما عكف محامو الادارة على ايجاد مسوغ قانوني يحول دون قطع المساعدات العسكرية التي تقدمها الولاياتالمتحدة سنويا الى مصر بقيمة 1.5 مليار دولار. واعلن البيت الأبيض انه يتوقع من الحكومة الموقتة المصرية ان تنفذ التزاماتها الاخلاقية والقانونية، مؤكدًا في الوقت نفسه من جديد انه لا يعتزم قطع المساعدات أو الذهاب أبعد من تأخير عملية تسليم 4 طائرات مقاتلة من طراز أف 16 الى الجيش المصري. توازن صعب بالنسبة إلى إدارة اوباما، لا تكمن المشكلة في علاقتها بالجيش المصري فحسب، بل بإسرائيل ايضًا، التي لا تغيب مصالحها الأمنية عن تفكير الادارة، في وقت تحاول فيه إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين برعايتها. ويرى محللون أن اسرائيل تراهن على القوات المصرية لاستئصال المتطرفين الاسلاميين في سيناء، وان المسؤولين الاسرائيليين حثوا الولاياتالمتحدة علنًا وفي المجالس الخاصة على ألا تقطع مساعداتها التي تُقدم في اطار معاهدة السلام الموقعة بين مصر واسرائيل الموقعة في العام 1979. لكن اشتباكات السبت الماضي بين القوات المصرية والاخوان المسلمين، ومقتل 70 شخصًا وسط دلائل تشير إلى أن قيادة الجيش المصري لا تعير اهتمامًا بما يقوله المسؤولون الاميركيون، يجعل من الصعب على اوباما أن يحافظ على هذا التوازن الدقيق بين الأمن والديمقراطية، بحسب هؤلاء المحللين.
وقالت تمارا كوفمان ويتيس، مديرة مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنز: "إذا كان كل ما تفعله الادارة يدور حول الحفاظ على العلاقة، فإن ذلك يقوض ما تحاول أن تحققه، واعتقد أنه من الواضح اننا لا نستطيع ان نفوز بالاثنين معًا". هيغل - السيسي
يعترف مسؤولون في الادارة بأنهم ليسوا متأكدين من جدوى الاتصالات التي يجريها هيغل ووزير الخارجية جون كيري والسفيرة الاميركية آن باترسون، نظرًا للمصالح الكبيرة والمرارة العميقة في المعركة الكبرى التي تشهدها مصر. ونقلت نيويورك تايمز عن مسؤول رفيع في الادارة الاميركية قوله: "إن المصريين يعرفون ما فيه الكفاية عن نظامنا وكيف يعمل بحيث يدركون أنه لا يمكن ان يكون كل شيء مباحا، ولكن الوضع قد يكون بعيدا عنا وعن نظامنا حتى ان ما نقوله قد لا يدخل في حساباتهم". واستنادًا الى الاتصالات بين هيغل والسيسي، فإن ادارة اوباما ما زالت تعتقد انها تستطيع التأثير في موقف الجيش. وقال المسؤول الرفيع إن السيسي طلب مرارًا من هيغل ان تقدم الولاياتالمتحدة مزيدًا من الدعم الخطابي. لكن الأحاديث كانت تتخذ منحى دائريًا يحث فيه هيغل على الافراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي، ويرد السيسي بأن حياة مرسي ستكون في خطر إن هو اطلق سراحه، أو يطلب منه هيغل ان يتواصل مع الاخوان المسلمين، فيرد الفريق بأن الاخوان رفضوا مثل هذه المبادرات. معضلة سيناء كان الجيش المصري كثف دورياته في سيناء خلال الأشهر الماضية، ردًا على تصاعد نشاط الجماعات الاسلامية المتطرفة. واشار المسؤول الاميركي الرفيع إلى ذلك كمثال على مساهمة التحرك العسكري المصري في الأمن الاقليمي. وقال المسؤول لصحيفة نيويورك تايمز إن الجزء الأساسي من رسالة هيغل تقول: "انكم تعرضون ذلك للخطر". ولا يُعرف كيف سيرد الجيش المصري على قطع المساعدات. وقال محللون إنه سيواصل جهوده لضبط شبه جزيرة سيناء لأنه يعتمد على الشرطة المصرية حليفته التي كثيرًا ما يستهدف المسلحون المتطرفون أفرادها بهجماتهم، وتريد أن يكون للجيش وجود قوي في المنطقة. لكن محللين آخرين يرون أن الجيش المصري يستطيع أن يقول إنه من دون مساعدات اميركية لم تعد لديه الموارد اللازمة لمثل هذه العمليات. وذهب محللون إلى أنه إذا حدث ذلك فان رئيس الوزراء الاسرائليلي بنيامين نتنياهو سيواجه ضغوطًا داخلية شديدة كي لا يقدم تنازلات للفلسطينيين، خصوصًا في القضايا الأمنية. ولعله لن يتمكن حتى من مواصلة المفاوضات. وقال دانيل كورتزر السفير الاميركي السابق في مصر واسرائيل ان نتنياهو لن يتمتع بالدعم السياسي الذي يحتاجه للاستمرار في المحادثات إذا تردى الوضع في سيناء وبدأ يؤثر في أمن اسرائيل. وتابع كورتزر: "إن توترًا لم ينشأ حتى الآن بين اسرائيل والولاياتالمتحدة بسبب مصر لأنهما لا تريدان ان تتوقف المساعدات الاميركية، لكن إذا قُتل المزيد من المصريين في الأيام المقبلة سيكون صعبًا غض الطرف". تخبط أميركا لكن كورتزر وآخرين حذروا من ان قطع البيت الأبيض المساعدات سيؤكد شكوك المصريين بأن الادارة تدعم الاخوان المسلمين. وقال دينس روس، مستشار اوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط: "سيكون هناك رد فعل حتمي ضدنا وبطريقة تبقينا بلا نفوذ، يجب ألا نضع أنفسنا في موقف نكون معه خارج المعادلة أو بلا نفوذ نظرًا لما لدينا من مصالح".
ودعا روس الولاياتالمتحدة الى الاستعانة بالسعودية ودول خليجية أخرى تساعد مصر ماليًا حتى أكثر مما تساعدها الولاياتالمتحدة، للتوسط لدى قادة الجيش المصري. ونقلت نيويورك تايمز عن روس قوله: "إن دول الخليج ينبغي ان تستخدم نفوذها مع الجيش المصري لجعل مهمتنا اسهل".
وقال محللون إن النقاش الدائر حول المساعدات الاميركية لمصر يؤكد أن إدارة أوباما ليست لديها استراتيجية جديدة للتعامل مع مصر، والبيت البيض لم يراجع استراتيجيته مع مصر منذ اسقاط حسني مبارك في العام 2011، وبالتالي فإن ردها على اعمال العنف في القاهرة كان متخبطًا اعتمد على خطوات متواضعة مثل عدم تسليم طائرات اف 16، قد لا تكون مجدية في معالجة وضع معقد كالغليان الذي تعيشه مصر.
وقال براين كاتوليس، الباحث المختص بالشؤون المصرية في مركز التقدم الاميركي: "يبدو أننا ما زلنا عالقين في هذا الموقف التكتيكي الدفاعي الذي يتسم بردود الأفعال، ولم نقم بمراجعة طريقتنا في التواصل مع مصر".