عمومية «أخبار اليوم» تعتمد القوائم المالية وتوافق على زيادة رأس المال    جدول امتحانات الصف الثاني الإعدادي الترم الثاني 2025 بالدقهلية    وزير الإسكان يتابع مشروعات التطوير بمارينا وكومبوند مزارين والمدينة التراثية بالعلمين الجديدة    الإيجار القديم.. أحمد موسى: المحكمة الدستورية لم تنص على طرد المستأجر    ارتفاع جماعي لقطاعات البورصة بقيادة "مواد البناء".. وتراجع محدود للمؤشر الرئيسي    رئيس الوزراء الباكستاني: انتصرنا على الهند وجيشنا رد بكل قوة على العدوان    الكويت ترحب باتفاق وقف النار بين الهند وباكستان    منتخب مصر للشباب يبدأ استعداداته لمواجهة غانا في ربع نهائي أمم أفريقيا    ريال مدريد يواجه فرصة أخيرة لإنقاذ موسمه أمام برشلونة    رفضت الارتباط به.. تأييد حكم الإعدام للمتهم بقتل فتاة الزقازيق سلمي بهجت    حريق يلتهم محصول قمح قبل حصاده في بني سويف.. والنيابة تبدأ التحقيق    إحالة أوراق قاتل ابنه في سوهاج للمفتي.. وأم الضحية: نام وارتاح يا عز حقك رجع    «حاولت تعمله عمل».. غادة إبراهيم تتحدث عن علاقة بوسي شلبي ومحمود عبد العزيز    «سمعت إن سيكو وصل ل159 مليون».. تركي آل الشيخ يكشف عن الأفلام الأعلى إيرادًا في مصر    منها الإسهال والحمى، أعراض النزلة المعوية وطرق علاجها في المنزل    وزير الصحة خلال حفل يوم الطبيب: الدولة المصرية تضع الملف الصحي على رأس أولوياتها    بالزغاريد والرقص مع رامي صبري.. أصالة تشيع البهجة في زفاف نجل شقيقتها | صور    الحكومة السودانية: استشهاد 20 وإصابة 50 مدنيًا بسجن الأبيض    المؤبد وغرامة 500 ألف جنيه لتاجر عقارات بتهمة الإتجار في المخدرات بالعبور    "زراعة الفيوم" تواصل ضبط منظومة الإنتاج الحيواني بالمحافظة    صاحب الفضيلة الشيخ سعد الفقى يكتب عن : رسالة مفتوحة لمعالي وزير الأوقاف؟!    متحدث "فتح" : توزيع المساعدات يجب أن يكون من خلال الأونروا وليس الإدارة الأمريكية    أمام مانشستر سيتي.. ساوثامبتون يتجنب لقب أسوأ فريق في تاريخ الدوري الإنجليزي    نيابة الخليفة تقرر إحالة عاطل إلى محكمة الجنح بتهمة سرقة مساكن المواطنين    عطلوا أحكام الدستور.. تأجيل محاكمة 19 متهمًا ب«خلية المرج الثالثة»    تأجيل محاكمة طبيب تسبب في وفاة طبيبة أسنان بسبب خطأ طبي في التجمع    تشكيل بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ    طوابير خانقة وأسعار مضاعفة وسط غياب الحلول..أزمة وقود خانقة تضرب مناطق الحوثيين في اليمن    بنك قناة السويس يعزز ريادته فى سوق أدوات الدين ويقود إصدارين ناجحين لصكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بقيمة 5.8 مليار جنيه    التيسيرات الضريبية... قبلة الحياة للاقتصاد الحر والشركات الناشئة في مصر    مستقبل وطن المنيا يكرم 100 عامل مؤقت    الكلاسيكو| أنشيلوتي يكشف موقف رودريجو ويؤكد: واثقون من الفوز    نائب رئيس الوزراء: مصر تضع الملف الصحي بجميع ركائزه على رأس أولوياتها    نصائح لوقاية العيون من تأثير ارتفاع درجات الحرارة    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    عالم أزهري: خواطر النفس أثناء الصلاة لا تبطلها.. والنبي تذكّر أمرًا دنيويًا وهو يصلي    مرسوم عليه أعداء مصر ال9.. «كرسي الاحتفالات» لتوت عنخ آمون يستقر بالمتحف الكبير    "صورة الطفل في الدراما المصرية" ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    محافظ أسيوط يتفقد تطوير مدخل قرية بنى قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق سيولة مرورية    قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر اتهام أو إحالة    هل منع الزمالك عواد من التدريبات؟.. مصدر مقرب من اللاعب يؤكد والأبيض ينفي    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    دعوة شركات عالمية لمشروع تأهيل حدائق تلال الفسطاط    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    انطلاق الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    جنايات المنصورة...تأجيل قضية مذبحة المعصرة لجلسة 14 مايو    وكيل وزارة الصحة بالمنوفية يتفقد مستشفى بركة السبع ..صور    أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبد العزيز.. فيفي عبده: الواحد لازم يصرف فلوسه كلها وميسيبش مليم لمخلوق    بينهم سيدة.. الجيش الإسرائيلي يعتقل 8 فلسطينيين بالضفة الغربية    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    7 شهداء بينهم عائلة كاملة بقصف إسرائيلي على مدينة غزة الفلسطينية    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    مسيرات باكستانية تحلق في سماء نيودلهي وسط تصاعد التوترات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : كيف تلعن الإخوان دون أن تدافع عن مبارك؟
نشر في الفجر يوم 14 - 05 - 2013

قرأت كل ما كتبه مصطفى بكرى عن الثورة.. استمعت إلى كل ما قاله عن كواليس ما جرى، هناك من يشكك فى كثير مما يقوله، لكننى أصدقه، فهو ليس مجرد صحفى يبحث عن الحقيقة من مصادرها، حتى لو كانت مصادر من الدرجة الأولى، ولكن لأنه هو نفسه أحد صناع الأحداث فى مصر شاء ذلك من شاء وأبى من أبى.

ربما لذلك تأتى أهمية كتابه الأخير «الجيش والإخوان» – صادر عن الدار المصرية اللبنانية - الذى يرصد فيه علاقة الجماعة بالقوات المسلحة منذ اللحظة الأولى لنزول الجيش إلى التحرير يوم 28 يناير 2011 وحتى الآن.

الكتاب فى أغلبه تفريغ دقيق لمحاضر جلسات ولقاءات حضرها مصطفى بنفسه، شهادات من مصادر استمع إليهم بنفسه، وكان أمينا للغاية عندما نقل عنهم، لكن مشكلة الكتاب الأساسية فى توظيف المعلومات، الذى جاء بعضه بما يتناقض مع ما يعلنه بكرى نفسه.

أعرف أن مصطفى بكرى واحد من الذين يعارضون حكم الإخوان بشدة، لأنه يعرفهم عن تجربة تامة، لكنه دون أن يدرى أو يريد أو يقصد تورط فى الدفاع عن مبارك، للدرجة التى جعلته يكتب ما يفهم منه أنه تبرئة كاملة لمبارك من قتل المتظاهرين، وهذه آفة كثيرين ممن يعملون بالعمل السياسى الآن، ففى غمرة هجومهم على الإخوان يسقطون فى هوة الدفاع عن مبارك.

يقول بكرى : «كان مبارك يرفض بإصرار مغادرة البلاد، بل عندما طالبه عمر سليمان عقب موقعة الجمل بالسماح لزوجته وزوجتى نجليه والحفيدين ومعهم نجله علاء بالمغادرة إلى خارج البلاد خوفا من تطورات الأوضاع، رفض بكل شدة، وقال: لن أغادر أنا أو أى من أفراد أسرتى أرض البلاد، ليس لدينا شىء نهرب منه».

وعندما قال له عمر سليمان فى الثامن من فبراير: إن هناك مخاوف عليك وعلى الأسرة جراء الزحف الجماهيرى المتوقع إلى القصر الجمهورى فى المليونية المعلن عنها يوم الجمعة المقبل، رد مبارك بالقول: سنبقى فى القصر الرئاسى حتى لو دخل المتظاهرون وذبحونا جميعا لن نهرب.

وعندما قال له عمر سليمان: لكن الأمر يمكن أن يتحول إلى مجزرة، رد عليه مبارك بالقول: لن أسمح بأى مجازر مهما فعلوا فينا، وهنا تأتى الهوة التى سقط فيها بكرى دون أن يدرى، يقول: عندما سمعت هذا الكلام من اللواء عمر سليمان أبديت دهشتى وحيرتى من الأمر، وبعد مضى أكثر من عام على نجاح الثورة كنت أجلس فى أحد الفنادق الكبرى مع مجموعة من الأصدقاء وبينهم رجل أعمال شهير «أ»، وعندما تطرقنا فى الحديث معا إلى الساعات الأخيرة لحكم مبارك فى القصر الجمهورى فوجئت بأحد الحاضرين يقول لى إن كل ما قلته صحيح.

أبدى بكرى دهشته عندما قال له رجل الأعمال الشهير إنه يعرف ما هو أخطر، صمت ثم قال أمام الحاضرين: أنا نجل أحد كبار قادة الحرس الجمهورى، لقد قال لى والدى: إن مبارك التقى عددا من كبار قادة الحرس يوم الخميس 10 فبراير، حيث كانت الدعوات قد انطلقت للزحف إلى القصر الجمهورى، وعندما سألوه: ما العمل؟ قال لهم حرفيا: إذا دخل المتظاهرون إلى القصر وأخذونى أنا وأولادى وفعلوا فى أى شىء اتركوهم ولا تطلقوا رصاصة واحدة.

استدرك بكرى قائلا: أبدى الحاضرون دهشتهم وتساءلت: ألم يعلم الرئيس بالشهداء الذين سقطوا منذ بداية الثورة، وكذلك آلاف الجرحى؟ تساءلت: إذن كيف قتل هؤلاء؟

لا يجيب بكرى عن السؤال، بل يضيف ما هو أخطر، يقول: غير أن الشهادة التى أدلى بها اللواء عمر سليمان والمشير حسين طنطاوى أمام محكمة جنايات القاهرة التى كانت تحاكم الرئيس السابق جاءت لصالح الرئيس وليست ضده.

هل هذا كل ما قاله مصطفى بكرى، لا بالطبع، بل هناك ما هو أكثر، فعندما علق على البيان الذى أصدره المجلس العسكرى فى الساعة الثامنة والنصف من مساء الجمعة 11 فبراير 2011 أى بعد ساعات قليلة من تخلى مبارك عن سلطته، أشار إلى أن البيان الذى ألقاه اللواء محسن الفنجرى أوضح أن المجلس الأعلى يتقدم بالتحية والتقدير للرئيس محمد حسنى مبارك على ما قدمه فى مسيرة العمل الوطنى حربا وسلما وعلى موقفه الوطنى فى تفضيل المصلحة العليا للوطن.

لم يلتفت أحد لإشادة المجلس العسكرى بمبارك، ويعلق بكرى على البيان بقوله مضيفا: كان المجلس الأعلى يريد أن يقول فى هذا البيان إن مبارك سلم السلطة بسلاسة ورفض إدخال البلاد إلى ساحة العنف ورضخ لإرادة الجماهير ومطالبها المشروعة، غير أنه بعد أيام قليلة من تنحى مبارك كان هناك اجتماع لثلاثة من أعضاء المجلس العسكرى مع عدد من رؤساء التحرير والإعلاميين، وقال اللواء مختار الملا: لقد فوجئنا بحجم الفساد الذى ارتكبه النظام السابق.

هنا تحديدا الفخ الذى يمكن أن يقع فيه مصطفى بكرى، فهو يعترف بفساد نظام مبارك، بل هو أكثر من تقدم ببلاغات إلى النائب العام يكشف فيه فساد عائلة مبارك، لكن ما يقوله هنا يمكن أن يفهم منه أن مبارك برىء من دم الثوار، فالرجل الذى تكلم بكل هذه الفدائية والاستعداد للموت والسحل فى القصر الجمهورى ولا تطلق رصاصة واحدة على مواطن من المستحيل أن يأمر بنفسه بقتل المتظاهرين، أو على الأقل يعلم بقتلهم دون أن يعترض.. والاحتمال الأرجح أنه لم يعرف ما الذى جرى.

لا يخفى مصطفى بكرى إعجابه الشديد بالمشير طنطاوى، ولا يملك ذرة شك واحدة فى نبل مقاصد هذا الرجل، رغم أن كثيرا مما كتبه يعكس حالة الغيظ الشديدة من الرجل الذى سلم مصر لحكم الإخوان، وربما كان هذا الغيظ تحديدا وراء إفصاح بكرى عن موقفين تم فيهما إذلال المشير طنطاوى، وهو ما عبر عنه الرجل بكلمات وحالة أعتقد أنه لا يمكن أن يحسده عليها أحد.

كان مصطفى بكرى يتحدث عن حفل تسليم السلطة من المجلس العسكرى إلى الرئيس مرسى فى الهايكستب، وهو الحفل الذى قبل أن يختتم مرسى خطابه الذى ألقاه خلاله.. طلب من رجال القوات المسلحة أن يبقوا فى أماكنهم بالداخل وألا يعودوا إلى ثكناتهم فى الوقت الراهن، لأن الوطن فى حاجة إليهم لحين ترتيب منظومة الأمن.

كان هذا الكلام مناقضا لخطاب الرئيس فى جامعة القاهرة الذى طالب فيه الجيش بالعودة إلى ثكناته بعد أن أدى دوره بإخلاص،تناول الموجودون فى الحفل الغداء، وبعد انتهاء العرض العسكرى وقبيل أن يركب الرئيس سيارته ليغادر المعسكر، كان المشير طنطاوى والفريق سامى عنان يؤديان له التحية، كانت تلك هى المرة الأولى رغم أن الرئيس لم يكن قائدا أعلى للقوات المسلحة بمقتضى الإعلان الدستورى المكمل الصادر فى 17 من يونيو 2012.

يقول بكرى: مضى ركب الرئيس إلى خارج المعسكر، كان المشير يودع ضيوفه، تقدمت نحوه، شعرت بالانكسار داخله، قال لى: فكها كل حاجة حتمشى تمام إن شاء الله، لم أعلق على كلماته ومضيت بعيدا وغادرت المعسكر.

لم تكن هذه هى اللحظة الوحيدة التى شعر بكرى فيها بانكسار المشير – يطلق على ما رآه انكسارًا تأدبا. فالرجل كان فى حالة إذلال كاملة – وربما يكون هذا تكرر فى مشهد خروج المشير ومعه سامى عنان من المشهد السياسى، لم يستسلم بكرى لحديث المؤامرات، بل صور الأمر بسلاسة شديدة، كانت هناك خدعة كاملة من الرئيس للمشير ورفيقه، وإذا أردت أن تعرف كيف أهان محمد مرسى رجلاً بقامة طنطاوى فليس عليك إلا أن تقرأ تفاصيل ما قاله بكرى، الذى ربما غيظا من طنطاوى قال كل شىء، وهو أمر لن يسعد به من يعارض الإخوان أو يتمنى زوالهم.

■ ■ ■

لا أنكر أهمية شهادة مصطفى بكرى على العلاقة الملتبسة والملغزة بين جماعة الإخوان المسلمين والقوات المسلحة، والتى يبدو أن هناك الكثير الذى لم يعلن عنها رغم الوضوح الذى تحدث به بكرى، ولكن هذه الشهادة التى أعتبرها أمينة جدا، ستصب فى النهاية فى مصلحة مبارك من ناحية ومصلحة الإخوان من ناحية ثانية.

صحيح أن محمد مرسى يبدو فى سطور المذكرات مثله مثل كل الإخوان مراوغ وغير صريح ويلجأ إلى الحيلة كثيرا، لكنه فى النهاية رجل قوى استطاع أن يطيح بالمشير طنطاوى ومعه سامى عنان بخبطة واحدة دون عناء ودون مقاومة تذكر، كما أن الجماعة التى يريد مصطفى أن يهدمها يقدمها للقارئ على أنها جماعة قادرة وقوية ومؤثرة وتستطيع أن تفعل كل ما تريده.. وهو ما يترسخ فى ذهن من يقرأ ويتفاعل.

لقد حاول بكرى أن يدافع عن المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، أظهرهما فى ثياب ملائكة، لكنها فى النهاية ملائكة ضعيفة لا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها، كان يعيب عليهما هوانهما فى التعامل مع الإخوان، لكن أحدا لم يستمع إليه، حتى وجد طنطاوى نفسه وجها لوجه أمام غدر الإخوان.

كان يمكن لمصطفى بكرى أن يكتفى بسرد ما جرى.. لكن الرجل - مرة أخرى دون أن يقصد – تورط فى الدفاع عن كثيرين ممن جنوا على الشعب المصرى وأوصلوه إلى درجة الهوان والضعف والتشتت والحيرة التى هو عليها الآن.. وأعتقد أن التاريخ سيحاسب بكرى على ما فعله هذه المرة حسابا عسيرا.. فهل يلتزم الصمت أم ننتظر منه كلمة يرد بها علينا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.