"جهل – مرض – فقر – مصالح خاصة", مشاكل ليست جديدة تحاصر المناطق العشوائية التي تتأثر بها كل يوم ..يحاولون التغلب عليها، لكن دائماً ما يقعون فى فخ المصالح الخاصة عن طريق أصحاب السلطة والنفوذ الذين يسعون لهدم أحلام الفقير على حساب مصالحهم الشخصية ..أشخاص مهدورة حقوقهم, حالهم كحال جميع المصريين..وعلي صعيد أخر تجد صراعات السلطة والكرسي و"يفرم" الفقر المواطن البسيط . "الحوتية" من المناطق المستهدفة من قديم الأزل بسبب موقعها المتميز فهي تقع بين منطقتي المهندسين والعجوزة، ومساحتها أربع أفدنة تقريبا, وهى عبارة عن محيط دائرى بشارع جامعة الدول العربية يبدأ من (شارع أبو المحاسن وداير الناحية إلى أن ينتهى بشارع المحروقي، وشارع الحصرى), أو كما يُطلق عليه شارع "الفلوجة".
تجد "منطقة "الحوتية" عبارة عن عدد من المنازل القديمة متهالكة مبنية من الطوب الجيرى كبير الحجم, فالمنازل مكونة من دور واحد، وأقصاها إرتفاعا لا يتعدى الثلاثة أدوار، بيوت تلتصق ببعضها كأنها تعاون بعضها لكي لا تنهار من آثار التصدعات والشروخ الموجودة بالجدران, والواقعة بشارع لا يتجاوز عرضه الثلاثة أمتار، وترحب بك "مقالب" الزبالة فى بداية كل "حارة"، وخلف هذه المباني من الناحية الأخرى محلات الماركات العالمية .
فكل من حارتى "مندور" و"ثابت" أكثر شوارع المنطقة فقراً وتلوثاً, فلكى تحاول الدخول لأحد هذه الحارات تعبر شارع ضيق لا يتعدى عرضه النصف متر "مناشر الغسيل"، لتصل إلى أول بيت يقابلك في حارة مندور وهو بيت الحاجة "سنية", فبيتها كباقى بيوت الحارة التى لا تختلف عن بعضها كثيراً, فبيتها مكون من دور واحد، ومساحته 35 متر تقريبا، أمامه بركة من "المجاري" ومنشر للغسيل وبعض الأوز .
"عشت حياة "سودة", هذا ما قالته "سنية حسين عبد السميع", 60 عاماً لديها ثلاثة بنات, فملامحها السمراء يبدو عليها التعب والإرهاق والألم والحزن الذى تسببت فيهم الحياة .
روت "سنية" قصتها قائلة: إنها جاءت للسكن فى المنطقة منذ أربعين عاما, وبعد وصولهم للعيش فى المنطقة بأسبوع توفي والدها وهو ما جعلها تخرج للعمل فى أحد المحلات لتساعد والدتها على تربية أخواتها ال 8 , فخرجت من كل هذه المشقة والعناء ليصبح مرض السكر والقلب هما الميراث الوحيد التي حصلت عليه لتجد ثلاثة من أخواتها يموتون فى العشرينيات من عمرهم .
وتكمل "سنية" قصتها: تزوجت "محمد", أرزقي, وتوفي منذ شهر تقريبا, والذى ساعدها على تربية أخواتها, وبدأت بالعمل على ماكينة خياطة لتُفصِّل لأهل المنطقة بأسعار رمزية إلى أن وجدت نفسها مريضة بداء العائلة "السكر والقلب" وبعدها يعاني زوجها من مرض فى القلب والرئتين والضغط والكليتين التي تسببت فى وفاته.
أما الحاج "عبد الخالق علي", 55 عاماً, صاحب محل للأدوات الصحية, ذكر: أن "الحوتية" منطقة مستهدفة، مدللا ذلك بقوله: أنه فى عام 2009 أعلن "سيد عبد العزيز", محافظ الجيزة الأسبق أنه سيتم إزالة منطقة الحوتية بأكملها, وهذا أمر طبيعى بالنسبة للمناطق العشوائية ذات الكثافة السكانية العالية والمبانى المتهالكة المحاطة بالأخطار دائما .
وأشار "عبد الخالق على" إلى أنه لم يكن من الطبيعى أن يكون سبب إزالة هذه المنطقة هو رغبة "جمال مبارك" فى أن تقوم جمعية المستقبل بإزالة المنطقة, وذلك بعد زيارته لمركز شباب "الحوتية" الذى تأسس خصيصاً لإستقباله فيه، وهى الزيارة التى استغرقت أقل من ساعة .
وأكد "عبد الخالق" على: أن هذا الأمر الذى لم يستقبله أهالى المنطقة بالترحاب وخاصة أن "الحوتية" معظم العقارات الموجودة بها "تمليك" وليست بوضع اليد كحال معظم المناطق فى العجوزة, مشيرا إلى أنهم رفضوا وبشدة تنفيذ قرارالمحافظ ونجل الرئيس المخلوع بهدم المنطقة .
أما "سيد علي", 50 عاماً, حيث كان جالسا على بعض الحجارة, قال: أن "الحوتية" مطمع لكبار رجال الدولة ورجال الأعمال وأنهم سعوا كثيراً لإزالتها بالكامل لبناء أبراج ومشروعات عملاقة بها، ولكن كانت يواجههم السكان, المستأجرين والمُلاك الذين ترعرعوا على أرضها .
فالحل بسيط, وهو إطلاق لقب "عشوائية" على المنطقة ويجب تطويرها لأنها تُشكل خطورة على حياتهم، أما السكان فمن السهل تعويضهم بوحدات سكنية بديلة ويتم بعد ذلك الإستيلاء على أرضهم بسهولة, قائلاً "عمرهم ما هيعرفوا يطلعونا منها" .
وبحكم أن "الحوتية" فى قلب منطقة جامعة الدول العربية, كان من الطبيعي أن تجد الشباب الموجودين فى المنطقة عندما يخرجون منهما يكونوا متأنقين برائحة طيبة .
وذكرت "زينب", 14 عاماً: أنه بحكم المدن الراقية حولها يجب أن يبدو مظهرها بما يليق مع هذه المناطق, وقاطعتنا "حبيبة", 11 عاماً قائلة: "أيوة لازم..أنا فى مرة كانت أمى مش معاها فلوس تجيبلي "هدوم" فى العيد, وفى واحدة صاحبتى قالتلى أنا مش بكلمك يا بنت يا بيئة انتى", مضيفة وسط ابتسامة جميلة, والتى عللتها بأن والدتها قد حصلت على أموال لتشترى لها بطقم جديد لتحضر به إمتحاناتها .
حديث "حبيبة" كان يوضح أنها فتاة "لبقة" فى طريقة كلامها, لافتة إلى أن بيتها علي وشك الإنهيار وأنه عندما يحدث أى هزة أرضية ولو بسيطة سيؤثر على المنزل بسبب الشروخ الموجودة به وأنها متخوفة جداً لأن البيت المجاور لبيتها سوف ينهار قريباً, ومشيرة إلى أن بيتها مكون من دورين, كل دور مكون من غرفة بحمام لا تتعدي ال 35 متر, وأنها تعانى من حساسية على الصدر .
أما عن حارة "ثابت", فبها ما لا يقل عن خمسين منزل كل بيت لا يتعدى ال40 متراً, ولكن كان بالمنطقة منزل أكبر حجما ومساحة من المبانى الأخرى, وهو منزل "رضا" وأخواتها, والتى تتراوح أعمارهم ما بين الأربعين والخمسين عاما, وجميعهم يعانون من خلل عقلي .
بينما قالت "وجنات", 47 عاماً: إنها تعيش بالمنطقة منذ زاوجها أى من 33 عاماً والزوج "أرزقي", وبالرغم من ذلك ساعدت جميع أولادها للتعلم, والغريب أنها ذكرت أن أكثر المشاكل التي تواجهها هي "السلع التموينية", مؤكدة: "بيدونا زبالة".
وفى نفس السياق, أشار الكثير من أهالي المنطقة إلى: أن السلع التموينية التى يحصلون عليها لا ترضيهم, وأن أكثر أهالى المنطقة يبيعون المواد التموينية التى يحصلوا عليها كالزيت إلى محلات "الفلافل" ويشتروا أنواع زيت أفضل وذلك لأن رائحة وطعم السلع التموينية لا ترضيهم .
"مخنوق فى شقتى وإبني مش لاقى ليه مكان فيها", قال هذه الكلمات بنبرة حزن ألم, "محمدط الذى تمني أن يرحل من المنطقة فى أقرب وقت وخاصة أن شقته مكونة غرفة واحدة .. "بس نعمل إيه..العين بصيرة والإيد قصيرة" جملة رددها الكثير من الأهالى .
"بلدنا مش شايفانا", كلمات وصفت حال أهالى منطقة "الحوتية", قالها "سيد على", أحد أهالى المنطقة .