إذا كانت قضية اقتحام السجون خلال الثورة جريمة فإن العدل والمنطق أن يتم استجواب من اقتحموا السجن ومن هربوا منه
ليس كل الصمت من ذهب، الصمت يصبح أحيانا جريمة سياسية، خاصة حين يتعلق الأمر برأس الدولة المصرية. لم تعد سياسة الخرس والتطنيش الذى تصيب الرئاسة فى بعض القضايا الشائكة مفهومة ولا مقبوله. فعلى الرغم من عشرات بل مئات التصريحات والتفسيرات والتويترات التى تخرج من مؤسسة، فلا تسمع لهم لاحرف ولا نفس فى القضايا الخطيرة.
فقد تابع الجميع قضية اقتحام السجون التى يجرى تداولها فى محكمة استئناف الإسماعيلية. على رأس هذه السجون سجن وادى النطرون. لا ترجع أهمية سجن وادى النطرون أنه كان يضم بين المعتقلين به الدكتور مرسى والدكتور سعد الكتاتنى وبعض قيادات الإخوان، ولكن أهمية هذا السجن أو بالأحرى اقتحامه. أن الاقتحام لم يكن عملا عفويا يمكن وضعه فى إطار غضب ثورى ضد السجن وهو أحد رموز تقييد الحرية، أو اقتحام أسوار السجن على غرار اقتحام سجن الباستيل فى الثورة الفرنسية. ولكن اقتحام سجن وادى النطرون بحسب الشهادات كان عملا منظما. فقد تم هدم بعض أسوار السجن باللودرات، وقام بالعمل ملثمون يتحدثون لهجة أعرابية. وبعد الاقتحام مباشرة وخروج الدكتور مرسى ضمن الخارجين تحدث مرسى إلى قناة الجزيرة، وذلك على الرغم من انقطاع اتصالات المحمول فى ذلك اليوم. فى شهادته للمحكمة قال مأمور السجن إن المتهم بقيادة عملية الاقتراح ليس هو المتهم الحقيقى، وأضاف الرجل أن المتهم الحقيقى صدر له عفو (رئاسى) برقم 218 لسنة 2012والصادر فى 4 أكتوبر من العام الماضى، وكان متهمًا بالاتجار فى المخدرات.
قبلها بأيام نشرت إحدى الصحف حوارا لأحد المواطنين حكى فيه قصة مساعدته للدكتور مرسى فى الخروج من السجن، وتابع الرجل (لو الرئيس شافنى ليعرفنى). وبحسب الرواية فإن الملثمين هدموا جزءًا من أسوار السجن. ولكنه تولى فتح الزنزانة التى كان بها مرسى ورفاقه، وهى زنزانة كانوا يطلقون عليها (زنزانة المشايخ). وسبب التسمية واضح فقد كانت تضم المعتقلين من الإخوان.
فى أى دولة تحمل الحد الأدنى من المؤسسات، وتعانى من كل أزمات الأرض. فإن مثل هذه القصص، والشهادات فى المحاكم كان يجب أن تلتقطها أذن الرئاسة. فالقصة من المحكمة لقصة الرجل ترسم سيناريو يخص رئيس الجمهورية، ويتقاطع وهذا هو الأخطر مع استخدامه لصلاحياته الدستورية، وعلى رأسها صلاحية العفو الرئاسى عن مساجين ثبت بأحكام قضائية تورطهم فى جرائم يعاقب عليها القانون.
لقد أثير الكثير من الجدل أو بالأحرى الغضب حول استخدام مرسى لصلاحية العفو الرئاسى، وأن بعضا مما شملهم العفو تورطوا فى عملية قتل جنودنا على الحدود فى رمضان وأثناء انشغالهم فى تناول الإفطار. وأثير أيضا أن بعضهم متورط فى العمليات الإرهابية التى تجرى فى سيناء. وكان من سهام النقض أن العفو تلون بلون الرئيس السياسى، ولكن أكثر الانتقادات حدة تركزت فى أن يشمل العفو الرئاسى تجار مخدرات. خاصة أنه أول عفو يصدره الرئيس المنتخب بعد ثورة شعبية، ولذلك فإن قواعد العفو كان يجب أن تعكس روح وأهداف ثورة 25 يناير.
ولذلك فقد كان على مؤسسة الرئاسة وعلى الدكتور مرسى أن يوضح أو يؤكد أو ينفى أو يكشف أو يشرح. أن يختار أيًا من التعبيرات أو بالأحرى الطرق السابقة ليرد على الأسئلة الشائكة التى طرحتها قضية اقتحام السجون. أسئلة من نوع هل أصدر مرسى عفوا رئاسيا عن تاجر مخدرات لأنه ساعد أو ساهم فى إخراجه من سجن طرة مع معتقلى الإخوان؟ هل كان العفو مكافأة عن هذا الدور؟ ولماذا لم تقدم النيابة المتهم الحقيقى بحسب شهادة مأمور السجن؟
من الأسئلة المهمة التى يجب أن يجيب عليها مرسى ورئاسته هل كان من قبيل المصادفة تواجد قناة فضائية أثناء اقتحام السجن؟ فى الحقيقة أنا لا أتهم هنا أحدا، ولكننى ببساطة أعيد السؤال الذى وجهه الإخوان فى كارثة قطار أسيوط. فقد تساءلوا هل هى من قبيل المصادفة وجود قناة فضائية خلال وقوع الحادث؟ فلماذا يكيل الإخوان بمكيالين. لماذا يكون وجود قناة الجزيرة خلال اقتحام سجن وادى النطرون طبيعى وعمل مهنى، ولا يكون وجود قناة أون تى فى مريب بعد 15 دقيقة من كارثة قطار أسيوط؟ وهل شمل العفو الرئاسى شخصيات أخرى لعبوا دورا فى عملية اقتحام السجن؟ وهل كان الدكتور مرسى وإخوانه من المعتقلين هدف الاقتحام لتحريرهم؟ أم كان تهريبهم هدفًا ثانويا؟ وهل هناك علاقة لمنظمات أو جماعات غير مصرية من حماس أو غيرها لاقتحام السجن؟ هل هذه الأسئلة ستظل معلقة فى رقبة الدكتور مرسى إلا أن يتخذ الرئيس قرارا سياسيا شجاعا بفتح هذا الملف. سواء بالتقدم طواعية إلى المحكمة للإداء بشهادته، أو بإنكار أو تأكيد أو شرح سبب ضمه لتاجر مخدرات فى عفو رئاسى بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، وبعد ثورة يناير. الآن يجب أن يفتح مرسى ملف العفو الرئاسى المريب والمثير للجدل والشكوك. وليس هناك مجال لقطع هذه الشكوك وغلق الباب أمام الأسئلة المشروعة إلا بأن يتكلم الدكتور مرسى بوضوح شديد. ربما من الأفضل أن يوثق قصته كشاهد فى المحكمة. فبهذه الطريقة ينفى عنه نفسه شبهات الاتهام السياسى بسوء استغلال صلاحيته الدستورية ممثلة فى العفو الرئاسى.