يبدأ فيلم «الحفلة» بمقدمة مقتبسة من أحد الأفلام الأمريكية الشهيرة، وهو «اختفاء» للمخرج جورج سلويتزر من إنتاج عام 1993، والمقتبس بدوره عن الفيلم الهولندى «بدون أثر» الذى قام بصنعه نفس المخرج عام 1988. الفيلمان عرضا فى مصر، الثانى فى إطار مهرجان القاهرة السينمائى والأول تجاريا، وإن كنت أرجح أن وائل عبدالله مؤلف فيلم «الحفلة» قد شاهد النسخة الأمريكية التى تختلف بعض الشىء عن الأصل الهولندى.
الحق يقال إن وائل عبدالله لم يأخذ من «اختفاء» سوى بدايته: رجل ينتظر زوجته أمام سوبر ماركت، فى الأصل أمام محطة بنزين، ولا تأتى، يبدأ بالبحث عنها فى كل مكان ولكنها تختفى بدون أثر.
الباقى خليط من أفكار أخرى: الخاطف يطلب عشرة ملايين جنيه فدية، والشبهات تتوجه، على طريقة روايات أجاثا كريستى، إلى كل شخصيات الفيلم تقريبا، قبل أن يتبين فى النهاية أن خاطف المرأة، الذى يقتلها أيضا، هو آخر شخص يمكن أن تدور حوله الشبهات.
«الحفلة» من تمثيل أحمد عز فى ثانى عمل له مع المخرج الشاب أحمد علاء الديب بعد فيلم « بدل فاقد»، وهو مخرج متميز فى نوعية «الأكشن»، يجيد صنع إيقاع تشويقى سريع، كما يجيد التعامل مع الموضوعات والشخصيات المركبة ذات الأوجه المتعددة، التى يهواها أحمد عز أيضا.
يلعب عز دور الزوج الذى تخطف زوجته، روبى فى «نيولوك» جذاب بالرغم من قصر دورها، وتلعب جومانا مراد دور الجارة اللعوب بإجادة لافتة، وأن كان التمثيل من أفضل عناصر الفيلم عموما.
وعلى طريقة الأفلام الأمريكية هناك محقق شرطة، يلعب دوره محمد رجب، يتولى القضية ويتفرغ تماما لها، يذهب لزيارة الشخصيات فى منازلهم وأماكن عملهم، ويتعقب تحركاتهم وهواتفهم، ويدخل فى علاقات معهم، وهو شخصية لا علاقة لها بطبيعة الشرطة المصرية ولا أسلوب عملها، ومع ذلك تتكرر فى السينما المصرية بصورة نمطية لا علاقة لها بالواقع!
ويوجد بالفيلم حفلة يحضرها معظم الشخصيات المشتبه فيهم من جيران وأقارب المخطوفة قبل الحادث بأيام، وكل منهم يروى للمحقق ما حدث فى الحفلة بطريقة مختلفة، وما جرى فى هذه الحفلة يشغل مساحة هائلة من الفيلم، لكن يتبين فى النهاية أن كل هذا لا علاقة له بالخط الرئيسى للفيلم، أى هوية الخاطف القاتل وأسبابه.
وهذا هو أول وأكبر خطأ فى سيناريو الفيلم، لأنه لا يصح أن تخدع المشاهد بهذا الشكل حتى لو كان فيلمك ينتمى لنوعية الغموض البوليسى الذى يعتمد على إخفاء الحقائق عن المشاهد حتى آخر لحظة...ولا أبالغ حين أقول أن نوع الفيلم البوليسى هو الأكثر دقة ومنطقية فى كتابة الحبكة والسيناريو، ويجب إن يكون لكل مشهد ولقطة فيه وظيفة ومنطق حين تتضح الحقيقة فى النهاية. وأزيد وأقول إن الرواية البوليسية ظهرت فى أوروبا مع عصر العلم واستخدام التفكير العلمى والوسائل العلمية مثل الطب الشرعى والبصمات وغيرهما فى الكشف عن الجرائم.
ومن ثم فإن الأفلام البوليسية عادة ما تتميز بالحبكة المحكمة التى تخلو من الثرثرة أو المشاهد الزائدة عن الحاجة، ويمكنك الرجوع إلى أفلام هيتشكوك أو مسلسل المفتش كولومبو أو روايات شرلوك هولمز وأجاثا كريستى ودان براون لتعرف كيف تكتب هذه النوعية.. وبالتأكيد لا يمكن أن تجد فيها مثل هذه الخدعة التى يحتويها فيلم «الحفلة».
الخطأ الجسيم الثانى فى الفيلم هو مشاهد الزوجة التى تطارد زوجها طوال الفيلم...إنه يتذكرها دائما فى صور الحبيبة الجميلة الملائكية التى تنتظر مولودها الأول، ثم يتبين فى النهاية أن هذه الصور لا يمكن أن تكون قد خطرت ببال الزوج لأنه فى الحقيقة غاضب ويكره زوجته إلى أقصى حدود الكراهية...وكان يفترض أن الصور التى تطارده أكثر تعقيدا ودموية من ذلك.
أسباب هذه الأخطاء فى اعتقادى هو غياب الأسلوب العلمى فى كتابة السيناريو، وقد أشرت فى مقال سابق إلى مشكلة مماثلة يعانى منها فيلم «على جثتي» لأحمد حلمى بسبب عدم إخضاع العمل المكتوب لقواعد علوم النفس والاجتماع والمنطق.
«على جثتي» يحتوى أيضا على صور تباغت البطل يتم استخدامها بطريقة خاطئة منطقيا، وهو نفس ما يحدث هنا بشكل أسوأ، ولكن يبدو أن السينمائيين المصريين لديهم هوس هذه الأيام باستخدام هذه اللقطات «البينية» أو الدخيلة حتى ولو كانت فى غير موضعها. هذه اللقطات السريعة المتداخلة قد تعطى إحساسا بالحركة والنشاط، وهى حيلة مأخوذة عن أغانى الفيديو كليب، غير أن الإسراف فى استخدامها سينمائيا يسبغ العمل بالسطحية، خاصة حين يكون خاطئا.
الشىء نفسه ينطبق على الموسيقى التصويرية للفيلم التى وضعها عمرو إسماعيل، الذى يستعينون به كثيرا فى أفلام الأكشن مع أن موسيقاه الممتلئة بالشجن والعواطف تتناقض تماما مع هذه النوعية من الأفلام!
أخيرا ينتهى فيلم «الحفلة» بمشهد مأخوذ من نوعية أفلام الرعب، حيث يبدو أن القصة ستتكرر، وأن القاتل سيرتكب جريمة أخرى مماثلة.
وبغض النظر عن أن الجانى يفلت من العقاب، فإن المفاجأة التى يعرفها فى المشهد الأخير يفترض أن تثير فيه الرعب والندم على جريمته الأولى، وليس الرغبة فى ارتكاب جرم جديد.. وللأسف حرصى على عدم «حرق» أحداث الفيلم تمنعنى من الشرح أكثر من ذلك.