كيف استطاع جراح القلب صاحب العيون المخيفة أن يخرج كل هذا الغضب من قلوب الإسلاميين الغليظة؟.. كيف أخرجهم عن وقارهم وجعلهم يتتبعون طريقه كأنهم يطاردون عدوا أتى على أخضرهم ويابسهم؟.. كيف أصبح رجل المعارضة الأول لجماعة الإخوان وحلفائها وأراجوزاتها بعد حلقات قليلة من برنامجه "البرنامج" الذى يقدمه كل جمعة فى احتفالية لا تتكرر إلا مع مباريات كرة القدم الكبيرة، حيث البيوت تستعد، والمقاهى تفرش مقاعدها على الأرصفة وفى الشوارع، وكل من لديه مصلحة أو مشوار يحرص على أن ينهى ما عنده قبل موعد باسم.. فباسم يوسف أصبح هو الموعد. يمكن أن يتنطع أحدهم ويقول إن باسم يوسف لجأ إلى الوسيلة الأسهل والأكثر إثارة واستفزازًا فى المعارضة، وهى استخدام الجنس تلميحا وتصريحا فى حديثه عن الجميع، لا يسلم أحد من لسانه بداية من رئيس الجمهورية محمد مرسى إلى أقل من يناوشهم من أمثال عبد الله بدر وخالد عبد الله والشيخ أبو إسلام عبد الله، الذى حاول أن يهين باسم فتحدث عن حلاوته وملاحته كأنه يراوده عن نفسه.
قد يكون الكلام صحيحا، فسوف يحسب لباسم يوسف أنه أول من أدخل «الكلوتات» إلى البرامج التليفزيونية، هذا غير إفراطه فى ألفاظ من قبيل دخل وخرج ولبس.. ثم معزوفته عن «العرس» و«المعرس» التى استعارها من اللهجة التونسية وأصر على أنها بالسين وليست بالصاد، قاصدا بها كثيرين هنا فى مصر، وحتى لو لم يعلن أسماءهم فيكفيه أنهم يعرفون أنفسهم جيدا.
باسم يوسف أنضج وألمع فى ال"سى بى سى".. بدأ عبر اليوتيوب ثم انتقل إلى أون تى فى.. ورغم أنه فعل هناك كل ما أراده، إلا أن وجوده إلى جوار عدد ممن شاركوا فى الثورة – بعضهم قام بدور حقيقى وبعضهم ركبها كما فعل الإخوان تماما ويكفى أن تقارن بين ريم ماجد ويوسف الحسينى ويسرى فودة – جعل بريقه يبهت إلى جوار بريق هؤلاء.
نال باسم البريق كله عندما انتقل إلى ال"سى بى سى".. ليس لأنه الأكفأ أو الأكثر احترافا من الآخرين، ولكن لأنه الأكثر جرأة وقدرة على الاقتحام، بدا بينهم وكأنه فرح بلدى صاخب إلى جانب حفل فى الأوبرا لا يدخله جمهوره إلا بالملابس الرسمية.
وقف باسم وهو فى أون تى فى بين توفيق عكاشة وإبراهيم عيسى، فهو ليس بركاكة وابتذال عكاشة، كما أنه ليس بثقافة ووعى ومغامرة إبراهيم عيسى الذى كان يقدم برنامجه " السادة المرشحون" على أون تى فى، ثم انتقل بنفس الروح والنكهة والأسلوب إلى " هنا القاهرة" على قناة القاهرة والناس.
فى السى بى سى تجاوز باسم الجميع.. أصبح نجم الشباك الأول فى الفضائيات، فى حلقته الأولى من موسمه الثانى داعب يسرى فودة بأنه يمتلك الآن مسرحا كاملا، بعد أن كان يداعبه بأن الاستوديو الذى يقدم منه "آخر كلام" أوسع من الاستوديو الذى يقدم منه "البرنامج".. ثم كان أن تجاوز يسرى تماما وربما يكون نسيه وأسقطه من حساباته.. لأنه قولا وفعلا بلا منافس.
قد يغضب باسم يوسف إذا قلت إن كل العوامل التى يعتمد عليها من عمل مجهد يشاركه فيه فريق إعداده – كثيرون من بينهم يعتبرون عملهم إلى جوار باسم سخرة كاملة – وتدقيق فى كل تفصيلة وجرأة متناهية، يمكن أن تجعله مذيعا مشهورا مؤثرا.. لكنها لا يمكن أن تصنع منه ظاهرة.
اختراق باسم للخط الأحمر الذى يأتى بالمصريين من أقفيتهم هو من صنع منه ظاهرة كاملة، تحديدا أتحدث عن تحطيمه للتابو الجنسى.. وهو تحطيم مغروس فى السياسة، وفى مواجهة رأس الدولة.. ويهين به شيوخ أحاطوا أنفسهم لسنوات طويلة بسياج من القداسة والمهابة التى أسقطها عنهم هذا الطبيب الذى تحول بمشرطه من الأجساد إلى الأرواح التى وجدها – ربما دون أن يكون فى الأمر مصادفة – خربة.
ظلت السخرية الجنسية حبيسة الجلسات المغلقة.. وحتى عندما سمحت لها شبكات التواصل الاجتماعى بأن تطل برأسها، ظلت فى رهانها، إلى أن جاء باسم المعجون بملامح وميزات الشبكات الإجتماعية، فأطلق هذه السخرية من صفحات الفيس بوك وتويتر.. وتراه يستخدم جسده، يديه وأعصابه، وملامح وجهه فى إيحاءات ذات معنى، لا يملك نفسه هو من الضحك والابتسام.. فهو يدرك مقاصد كلماته وحركاته.
فى موسم البرنامج الأول كان باسم رومانسيا بأكثر مما يجب، لكنه عندما بدأ موسمه الثانى وجد أن سوءات المجتمع كلها بدت مرة واحدة، رصد عن قرب أن من أطلقتهم جماعة الإخوان المسلمين للرد على الرئيس لا يتورعون عن الخوض فى الأعراض، تأتى على ألسنتهم ألفاظ يعف رواد المواخير عن ترديدها.. وبذلك أحلوا دمهم لمن يعتبر السخرية مهمته الأولى.
قد يكون هذا سببا هامشيا لا يمكن التوقف أمامه.. فاستخدام باسم للجنس بكثافة يأتى بعد أن فقدت المعارضة المصرية كل وأى أمل فى أن تستجيب السلطة لها، الرئيس يدعو أقطاب المعارضة للحوار، وهو يعد لإعلان دستورى يجعل منه إلها كاملا.. الإخوان المسلمون يتورطون فى حشد الأنصار إلى الاتحادية وعندما يسقط قتلى ويتم اقتحام مقر الجماعة فى المقطم، تصبح مشكلة مرشد الإخوان الوحيدة هى النباتات التى سأل متأثرا عن ذنبها؟
تركت جماعة الإخوان الجميع يسيرون فى طريق وسارت هى فى طريق.. وهنا كان لابد أن تتغير لهجة المعارضة، تخرج من الهدوء والأدب والمنطق إلى قلة الأدب المتناهية التى لا يمكن لأحد أن يقف أمامها.. فبعد أن تقول كل ما عندك، وعندما تجد أن من أمامك لا يهتم على الإطلاق.. لا تجد بدا من أن تهينه وتسخر منه وتجرحه، ولا مانع فى هذه اللحظة أن تلعن جدوده.
خصوم باسم يوسف يمكن أن يبحثوا فى تاريخه وسيرته الذاتية عن عقده النفسية التى تتحكم فيه، وتجعله يستطيب الألفاظ والتلميحات الجنسية، دون أن يدركوا حقيقة مقاصده، وفلسفته فى مواجهة من يرى أنهم بالفعل خطر كامل على مصر.. فهو لا يحترمهم ولا يوقرهم لأنهم لا يستحقون احتراما ولا توقيرا.
فى كتاب " تراث العبيد" الذى وضعه مؤلف مجهول لم نتعرف عليه حتى الآن، رغم مرور سنوات على صدوره، تأكيد على أن فلسفة الشتيمة بعورة الأم، بدأت فى عصر المماليك، فقد كان المملوك لا يعرف الناس له أبا.. لا يتأكدون من نسبه لرجل بعينه، لكنهم يتأكدون أن له أمًا.. ولذلك يوجهون لها السباب بعورتها.
يأتى باسم يوسف بعد كل هذا التاريخ ليعيد فلسفة إهانة المماليك من جديد، صحيح أننا نعرف المماليك اليوم أبا وأما.. لكن هذا لا يمنع أن يعبث باسم بعوراتهم وسوءاتهم التى لم يجتهدوا فى إخفائها وتطاولوا بها علينا.
كل ما فعله خصوم باسم يوسف أنهم ذهبوا إلى المحاكم يتهمونه بإهانة الرئيس.. أطلقوا عليه ميليشياتهم الإلكترونية، شوهوا صورته، ولن يكون هناك أكثر من ذلك، فهم لا يستطيعون أن يصرحوا بوجعهم الكبير منه، عندما وضع يديه على عوراتهم ثم منعهم من الصراخ أو الاستغاثة.
لقد خلع لهم ملابسه ووقف أمامهم عاريا.. ومثله لا يجرؤ أحد على التعامل معه أو مجاراته فيما يفعله.