البراءة التى حصل عليها محمد على بشر وغيره بعد الثورة لا تعنى أنهم لم يقترفوا ما يخالف القانون.. ولكن يعنى أن الثورة أعطتهم شرعية جديدة
كل من تعامل مع هذا الرجل أكد دماثة أخلاقه ورقى تعامله وعبقرية شخصيته.. وهى أمور لا يمكن أن تختلف عليها مع إخوانى أو غير إخوانى...فمحمد على بشر الذى أصبح وزيرا للتنمية المحلية رجل هادئ يعمل فى صمت تام، رغم أنه يحقق للجماعة أضعاف ما يحققه هؤلاء الذين يثيرون حولهم الصخب.
حقيبة وزارة التنمية المحلية كان من المفروض أن تذهب إلى المهندس سعد الحسينى محافظ كفر الشيخ، ففى اجتماع مغلق بين هشام قنديل وعدد من قيادات الحرية والعدالة قبل التشكيل الوزارى، اقترحت الجماعة اسم سعد الحسينى، ربما ثقة فى قدراته على إخضاع المواطنين لما يريده، وهو ما أبدته تجربته فى كفر الشيخ، لكن الرئاسة انحازت إلى محمد على بشر، فالرجل نجح فى المنوفية دون أن يورط الجماعة فى فضائح مثل التى جاءت على يد الحسينى، وتكفى واقعة الكلاب التى أطلقها على المتظاهرين لمجرد أنهم احتجوا عليه.
بشر بالنسبة لمحمد مرسى ليس مجرد قيادى إخوانى، هو صديق شخصى للرئيس، ومن بين ما يعرف عنهما أن بشر حصل على الدكتوراه من جامعة ولاية «كلورادو» الأمريكية عام 1984، وهى نفس الفترة التى كان الدكتور محمد مرسى يعمل فيها أستاذا جامعيا فى أمريكا، وهناك تعارفا واجتمعا وتقاربا وتواعدا.. وكان طبيعيا أن ينحاز مرسى لصديقه عندما بدت فى الأفق فرصة للاستعانة به كوزير.
ترى القوى السياسية أن محمد على بشر فشل فشلا ذريعا فى مهمته كمحافظ للمنوفية – تولى هذا المنصب فى سبتمبر 2012 – ويقررون ذلك على أساس أن الرجل عجز تماما عن إقامة مشروعات تنموية، وفشل فى توفير فرص عمل للشباب مما تسبب فى زيادة الغضب الجماهيرى ضده.
لكن هل ذهب محمد على بشر إلى محافظة المنوفية كى يفتتح مشروعات تنموية، أو يوفر فرص عمل للشباب...المهمة كانت أكبر من هذا بكثير، فالرجل منوفى المولد والمنشأ، ولد فى 14 فبراير 1951 بقرية كفر المنشى بمركز قويسنا، كما أنه كان يعمل أستاذا بقسم الهندسة الكهربائية بجامعة المنوفية قبل أن يتم تعيينه كمحافظ.
كانت المنوفية لجماعة الإخوان المسلمين مثل الشوكة فى الحلق، هى محافظة الرئيس السابق، كما أنها محافظة عدد كبير من رموز نظامه أهمهم أحمد عز وكمال الشاذلى، ولم تكن مفاجأة بالنسبة للجماعة أن يفوز فيها أحمد شفيق على محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية وباكتساح، حيث حصل شفيق على 568 ألف و345 صوتا، بينما حصل مرسى على 203 آلاف و503 أصوات.
كان لابد أن تبعث الجماعة إلى المنوفية برجلها الذى يستطيع أن يدخلها بيت الطاعة الإخوانى.. وقد بدا أن الرجل نجح إلى حد كبير فى تقليل الفجوة لصالح جماعته، ففى الاستفتاء على الدستور كانت لا ب382 ألفًا و491 صوتا، فى مقابل 363 ألفًا و894 صوتا قالوا نعم...صحيح أن المنوفية قالت لا للدستور، لكن الفارق ضئيل، وهو نجاح لابد أن ننسبه باطمئنان إلى محمد على بشر.
الرجل ليس صداميا بالمرة، ناعم ربما أكثر من الحرير، يستخدم كل حيل الإخوان فى السيطرة والحشد والتجييش وتحقيق الأهداف دون أن يثير أحدًا ضده، فرغم أنه تورط فى قضايا عديدة دخل على أثرها السجن عدة سنوات، إلا أن أحدا لا يتعامل معه على أنه أحد صقور الجماعة الذين يخططون بدأب لتمكينها.
يمكن أن نتجاوز بالطبع عن اتهام وجه إلى محمد على بشر بأنه كان ضمن مجموعة تحيى تنظيم محظور قانونا، لكن لا يمكن أن نتجاوز عن اتهامه فى قضية غسيل الأموال الشهيرة التى تفجرت فى وجه الجماعة فى العام 2007 بعد استعراض القوى الذى قام به طلاب الجماعة فى جامعة الأزهر.
لقد رصدت التحقيقات فى قضية غسيل الأموال التى حكم فيها بالسجن لثلاث سنوات على محمد على بشر سفره لأكثر من ثلاثين دولة، وأكدت التحريات التى أجرتها أجهزة الفحص ونيابة الأموال العامة، أن دور بشر فى القضية كان الحصول على أموال من الخارج لتمويل نشاط الجماعة من مصادر غير مشروعة.
الغريب أن الدكتور بشر وفى سيرته الذاتية الرسمية على مواقع الجماعة يثبت أنه بالفعل سافر إلى أكثر من ثلاثين دولة منها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وتركيا وباكستان وبنجلاديش وماليزيا وتايلاند والجزائر وليبيا والسودان والأردن وسوريا ولبنان والبحرين والإمارات والسعودية، لكنه قال فى حق هذا السفر أنه كان لمهام علمية ونقابية...وهو كلام يمكن أن نصدقه لولا أن هناك قضية واجهته باتهامات تعلقت بسفره الكثير والمتكرر.
ستستمع إلى من يقول لك أن محمد على بشر هو ومن حوكموا على ذمة قضية غسيل الأموال الشهيرة وعددهم 39 قيادى إخوانى، تم تلفيق القضية لهم، لأن نظام مبارك كان يكيد لهم، ويلفق لهم القضايا، وأنهم كانوا أبرياء افترى عليهم نظام كاره وحاقد على الإسلام.
وهو كلام حتى لو كان منطقيا، فإنه لا يمكن أن يكون حقيقيا، فصحيح أن نظام مبارك كان يضطهد الإخوان المسلمين، وصحيح أنه شردهم وسجنهم وصادر أموالهم واقتحم بيوتهم، لكن ذلك كله كان فى إطار المواجهة والصراع على السلطة، فلو أن الإخوان كانوا يعملون فى الدعوة فقط، دون أن تكون لهم تطلعات إلى السلطة لما اعترض نظام مبارك طريقهم.
ثم إن نظام مبارك لم يكن يصطاد الإخوان المسلمين إلا بما اقترفته أيديهم بالفعل، فهم الذين نظموا العرض العسكرى فى ساحة جامعة الأزهر، وهم الذين مولوه، وهم الذين ارتكبوا ما يخالف القانون، ولذلك كان من السهل الإيقاع بهم.
البراءة التى حصل عليها محمد على بشر وغيره بعد الثورة لا تعنى أنهم لم يقترفوا ما يخالف القانون، ولكن يعنى أن الثورة أعطتهم شرعية جديدة، حذفت من تاريخهم لأنهم أصبحوا من يشكلون التاريخ كله كل ما يمكن أن يشينهم أو يسىء إليهم.
هذا لا ينفى بالطبع أننا أمام مجموعة من الخارجين على القانون، أو الذين احترفوا الخروج عليه حتى يصلوا إلى أهدافهم كاملة غير منقوصة...وهو ما يجعلنا ننظر إلى محمد على بشر ليس من زاوية الصورة الجميلة البراقة التى يحاول مناصروه وأبناء جماعته أن يرسموها له، ولكن من واقع أعماله وقدرته على العمل التنظيمى.
هناك تخوفات مشروعة من أن يدخل محمد على بشر المحافظات جميعها بيت الطاعة الإخوانى، الرجل حاول أن يخفف من وطأة القلق من مقدمه إلى الوزارة، وقال كلاما معادا ومكررا احترف الإخوان ترديده، من أنه ليس وزيرا للإخوان ولكنه وزير لكل المصريين، لكن الخوف منه يظل مشروعا وممكنا ومتاحا لأكثر من سبب.
الأول: أن الإخوان دائما يخالفون ما يقولونه، يعلنون شيئا ويخفون شيئا آخر تماما، والمثل والقدوة فى ذلك هو الرئيس محمد مرسى نفسه، ففى الوقت الذى يتحدث عن الحب والأحضان يسمح لميليشيات الجماعة بضرب متظاهرى الاتحادية، وفى الوقت الذى يدعو إلى رموز التيارات المدنية للحوار، يخرج بإعلان دستورى يضع نفسه فوق الجميع.
الثانى: أن محمد على بشر قام بتجربة ناجحة فى المنوفية التى ذهب إليها قائلا إنه سيكون محافظا لكل المواطنين وليس للإخوان...ولم تخرج تجربته هناك عن كونه كان محافظا للإخوان وحدهم دون غيرهم والأحداث تؤكد ذلك وتدعمه.
الثالث: أن الجماعة تعرف جيدا أنها ستواجه معارضة شديدة فى الانتخابات البرلمانية، وتريد أن تكون مسيطرة على المحافظات من خلال رجل يحقق ما يريده دون صدام، ومحمد على بشر وحده من يستطيع أن يحقق ذلك.
هناك كثيرون فى الجماعة يتحدثون يثيرون الزوابع... بشر ليس منهم، إنهم مسجل خطر إخوان...من بين هؤلاء الذين يمكن أن يقتلوا ويمثلوا بجثث خصومهم دون أن يتركوا وراءهم أدنى أثر...وإن لم تصدق فإن غدا لناظره قريب.