العقدة طلب إعفاءه مرتين لأسباب صحية والمرشحون خائفون من تدخلات رجال الشاطر
لعنة عبدالمجيد محمود تحرم المركزى من العقدة
لجنة قانونية بالرئاسة لبحث وسائل لاستمرار العقدة بقانون أو قرار جمهورى
يوم الأحد الماضى عاشت البنوك المصرية أسوأ يوم فى حياتها. هجوم كاسح لسحب الودائع بالجنيه المصرى أو بالودائع بالدولار. الرعب اجتاح السوق عقب الإعلان عن استقالة محافظ البنك المركزى الدكتور فاروق العقدة واستقبال الدكتور مرسى لبعض المرشحين لخلافته. لم ينجح نفى الحكومة والعقدة لخبر الاستقالة. وربط السوق بين الاستقالة وكوارث مالية قادمة بسرعة البرق على مصر. اضطرت بعض البنوك من تلقاء نفسها لوضع حد أقصى لسحب الودائع بالدولار (10 آلاف دولار) وهو ما زاد من هياج السوق والقلق. وحتى الودائع بالجنيه المصرى شهدت ضغطا غير مسبوق، فانتهى (الكاش) فى بعض الفروع قبل إغلاق البنوك.
وصلت الرسالة سريعا، واستمرار العقدة أصبح المهدئ شبه الوحيد لقلق المواطنين ورعب أسواق المال. يوم الأحد الدامى شهد أيضا تدشينًا لعودة السوق السوداء للدولار بعد ضياع نحو 8 سنوات تمثل معظم سنوات العقدة فى البنك المركزى. وزاد سعر الدولار فى السوق السوداء بثلاثة قروش.
وسط هذا الهلع كانت الصيحة أو بالأحرى المطلب المتفق عليه من كل الأطراف ضرورة بقاء العقدة ولو لشهرين.
من بعيد يبدو المطلب مشروعا وسهلا، فإذا كان العقدة الذى احتمل كوارث الفترة الانتقالية لمدة 19 شهراً بنجاح وأقل الخسائر، فماذا يضيره لو استمر لشهرين أو ثلاثة. خاصة أن محافظ البنك المركزى أعلن قبل أيام أنه لم يقدم استقالته.
فى هذه اللحظة الحرجة لم يعد من المهم التساؤل عن حقيقة استقالة العقدة. فقد طلب المحافظ من كل من المجلس العسكرى والدكتور مرسى إعفاءه من الاستمرار لأسباب صحية، وكان اقتراح العقدة أن يتم الإعلان عن اسم المحافظ الجديد قبل رحيله عن المركزى بعدة أشهر، وذلك حتى يتيح لخلفه دراسة كل الملفات
ورغم ذلك فقد أكد العقدة لطنطاوى ومرسى أنه مستعد للاستمرار لمصلحة البلد.
وفيما كان العقدة مشغولاً بإتمام قرض الصندوق وترتيب قروض ومخارج أخرى من أزمة الاقتصاد، كان الإخوان مشغولين كالمعتاد بقضايا أخرى وعلى رأسها تصفية الحسابات. اقصاء المستشارة تهانى الجبالى من المحكمة الدستورية عبر تفصيل الدستور. ولكن الإخوان كانوا خائفين من عودة عدوهم الأول النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود. فعلى الرغم من تعيين المستشار طلعت ابراهيم، إلا أن الإخوان كانوا مرعوبين من انقلاب قضائى أو دولى يجبرهم على إعادة المستشار عبدالمجيد محمود. وركز الإخوان جهودهم لاستمرار إقصائه بالدستور. ولذلك اخترعوا المادة 227 من الدستور، كإحدى المواد الانتقالية. وفى هذه المادة أغلق الإخوان الطريق على عودة عبد المجيد بالضبة والمفتاح. وذلك باشتراط احتساب مدد النائب العام ورؤساء الأجهزة الرقابية من تاريخ تعيينهم، وليس من بدء العمل بالدستور الجديد. وكان هدف الإخوان اقصاء عبدالمجيد محمود بالدستور، ولكنهم فى هرولتهم لإبعاد شبح عودة عبدالمجيد أطاحوا باستمرار العقدة فى البنك المركزى. فمدة محافظ البنك المركزى فى الدستور الجديد ثمانى سنوات بحد أقصى، والعقدة دخل فى العام التاسع للتجديد الثالث. ولذلك وجد الإخوان أنفسهم فى ورطة. ففى اللحظة الأولى لسريان الدستور يفقد العقدة منصبه، ويصبح استمراره مخالفًا للدستور، ولذلك قدم العقدة لرئيس الجمهورية ترشيحات بثلاثة مصرفيين لاختيار أحدهم. وبالفعل قابل كل من مرسى وهشام قنديل اقوى المرشحين وأفضلهم وهو هشام رامز. نائب المحافظ السابق والرئيس التنفيذى لأحد أهم البنوك الخاصة. وأهم خبير فى سعر الصرف والسياسة المالية. ويحظى رامز باحترام وثقة المؤسسات المالية الدولية.
ولكن خبر استقالة العقدة ومخاوف الانهيار وضعت الرئاسة فى ورطة. ولذلك تم تشكيل لجنة قانونية لإيجاد طريقة لاستمرار العقدة. من بين المقترحات قانون يصدره مجلس الشورى، وتم التراجع عن الاقتراح لأنه قانون غير دستورى، واقتراح آخر باستمرار العقدة بحجة تعديل قانون البنك المركزى للتوافق مع الدستور. واقتراح ثالث بإصدار قرار جمهورى باستمرار العقدة بحكم صلاحيات الرئيس فى الدستور، فهناك أحداث طارئة تتطلب مواجهتها بقرار جمهورى مؤقت المدة ويشير هذا الاقتراح إلى صلاحيات الرئيس كرئيس لمجلس الدفاع الوطنى (المادة 193).
وهذا الاقتراح هو الأحدث والأقرب للخروج من الأزمة الحادة، وبحسب مصادرنا فإن بعض المستشارين القانونيين أبلغوا الرئاسة بأن هذا الاقتراح يشوبه أيضا البطلان الدستورى، خاصة أن تفعيل مجلس الدفاع الوطنى يتطلب إقرار قانونه.
فى إطار نفس السياق ظهر فى الكواليس اقتراح سياسى بتعيين العقدة مساعدًا أو مستشارًا للرئيس للشئون المالية. وتعيين رامز محافظا للبنك المركزى. ولا تزال الاقتراحات تتوالى لإيجاد حل للأزمة الاقتصادية العاصفة.
ربما تكون الأزمة عاصفة، وتهدد بأيام سوداء تطول أو تقصر، ولكن المؤكد أننا لا نواجه أزمة اقتصادية فقط، فالأصل أننا نواجه أزمة سياسية. لن تفلس مصر، ولكن حكامها من الإخوان هم المفلسون سياسيا واقتصاديا. خيرت الشاطر وبديع هم الذين أدخلوا مصر فى هذه الورطة. هم الذين خططوا وفصلوا مادة دستورية لإقصاء النائب العام ففجروا أزمة استمرار العقدة، والبنك المركزى، قيادات الإخوان لم يهتموا يوما بمصالح مصر، ولا اقتصادها، ولم يقدروا خبراءها ورموزها. وتصورا أن مصر يمكن أن تدار وتحكم من تجار العبايات والسياسة. فليس غريبا على هؤلاء التجار أن يفشلوا فى هرولتهم لتفصيل دستور فى الحفاظ على بقاء العقدة فى البنك المركزى، أو يفشلوا فى معالجة المخاوف المشروعة لدى الخبراء والمرشحين للمناصب من انقلاباتهم، وتعنتهم وتدخلاتهم المتهورة فى السياسة والاقتصاد معا. فمصر لن ولم تخل من الخبراء والقيادات فى كل المجالات، ولكن معظمهم لديهم مخاوف مشروعة ومنطقية جدا من حكام مصر الجدد. من انقلاباتهم وتراجعهم وخيانتهم السياسية المتكررة. فكم من تحالفات مع الإخوان بدأت بالأحضان وانتهت بطعنة من الخلف. أو بانقلاب دستورى من الأمام. وهذا المناخ لا يعطى مؤشرًا بالأمان للعمل معهم أو الاستثمار فى مصر تحت قيادتهم.