■ صندوق النقد: مفاوضاتنا مع حكومة مرسى كانت الأسوأ ■ قنديل لوزير المالية: إحنا اتفقنا على الإعلان عن زيادة البيرة والخمر فقط.. وأنت كشفت ال50 سلعة ■ الرئاسة أعلنت أن ماحدث تجميد وليس إلغاء فرد الصندوق: لا نثق فيكم
بين تبادل الاتهامات بين الحكومة والرئاسة، وبين الرئاسة والجماعة، وبين الإسلاميين وبعضهم. بين سلسة تبادل الاتهامات برزت لى صورة الفنانة الكبيرة فاتن حمامة فى واحد من اجمل أفلامها. البطلة تريد الطلاق لأنها تحب رجلاً آخر، ولكن أمها تصرخ فيها باستنكار (إحنا عائلة محافظة، ما عندناش طلاق، رفق آه، طلاق لا). منطق الأم أم الفضيحة فى إعلان الخطأ أو بالأحرى الخطيئة، وليست فعل الخطيئة نفسها. وهذا هو نفس منطق الرئاسة والحكومة فى فضيحة قرض صندوق النقد، أو بالأحرى ضياع القرض. الأزمة فى كواليس الحكومة والرئاسة هى الإعلان عن الزيادات وليس خطورة وآثار هذه الزيادات على الفقراء والطبقة المتوسطة وحركة الاقتصاد المنهك. الخلافات الآن حول موعد الكشف عن الزيادة، وفشل الرئيس وحكومته فى إخفاء جسم الجريمة عن المواطنين حتى وقوع الفأس فى الراس. وعلى بلاطة تأجيل الكشف عن تفاصيل كارثة الزيادات إلى مابعد الاستفتاء على الدستور، وإن أمكن حتى انتخابات مجلس الشعب.
خرج رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل يروج لأوهام لحفظ ماء وجه حكومته ورئيسه. يوم الثلاثاء الماضى قال قنديل فى المؤتمر الصحفى إن صندوق النقد يقرر تأجيل موافقته على القرض لحين تقديم البرنامج الاقتصادى، وكرر وزير المالية ممتاز السعيد كلام رئيسه فى تصريحات صحفية أخرى. ولكن فى الكواليس كانت الصورة مختلفة فقد استدعى قنديل السعيد فى مكتبه، وعنفه بأشد العبارات. خناقة قنديل مع وزير المالية لم تكن خلافا على البرنامج الاقتصادى، ولا يحزنون. ولكن قنديل غضب لأن السعيد افسد سرية القرارات. كان مرسى وحكومته اتفقوا على تأجيل الإعلان على القرارات ليوم الخميس، والأهم أن مرسى كان ينوى الاكتفاء بالإعلان عن زيادة الضرائب على خمس سلع فقط، وهى البيرة والمشروبات الغازية والإعلانات والضرائب على سلع الاثرياء. وفى نفس الوقت يصدر مرسى قرارا جمهوريا بكل الزيادات ويرسل لصندوق النقد فى الخفاء وفى سرية تامة. وبذلك تستطيع الحكومة الوفاء بالتزامها مع صندوق النقد بإرسال الدفعة الأولى من الاجراءات قبل الموعد المتفق عليه (19 ديسمبر). وكانت الرئيس الإخوانى يعتمد على أن زيادة أسعار البيرة والمشروبات الغازية لم تثر غضب المواطنين، ولا حماس المعارضين، فالبيرة حرام، ولكن الكذب حلال.
ولكن وزير المالية أدلى بتصريحات يوم الاحد لوكالة الأناضول التركية، وكشف عن ال50 سلعة التى ستشملها الزيادات الضريبة المزدوجة. لأن قرار مرسى يشمل نوعين من الضرائب (ضريبة مبيعات ورسوم مستقطعة). فكل ما اغضب قنديل أن الوزير تسرع بالكشف عن الكارثة. وعندما قامت الدنيا ولم تهدأ اسقط فى يد مرسى وجماعته. فأعضاء حزب الحرية والعدالة أنفسهم كانوا فى مقدمة الغاضبين. والحلفاء السلفيون بشروا مرسى وجماعته أنهم سيخسرون الاستفتاء وانتخابات مجلس الشعب معا. والكلام عن تقارير أمنية وراء تراجع مرسى هو مجرد تصورات خاطئة وتاريخية فلا الرئيس يستمع للمؤسسات أو الأجهزة الأمنية. ولا يستمع للخبراء فى أى مجال. لا يسمع فقط إلا صوت جماعته.
فالخطأ لم يكن فى تسرع وزير المالية ولا كشفه للمواطنين عن السلع، ولكن الخطيئة الكبرى يتحملها مرسى. فعناد مرسى واحتكاره للسلطة من خلال فضيحة الانقلاب الدستورى فى 21 نوفمبر هو الذى وضعه بين طرفى كماشة ضاغطة، طرف الكماشة الأول كان الالتزام مع الصندوق، والطرف الآخر هو الغضب الشعبى.
من المنطقى أن تسأل نفسك عن سر إرسال جدول الزيادات الضريبة سرا لصندوق النقد قبل يوم 19 ديسمبر. فقد تم توقيع الاتفاق المبدئى مع الصندوق فى 19 نوفمبر. وتم الاتفاق على أن ترسل الحكومة الجدول الأول من البرنامج الاقتصادى قبل 19 ديسمبر. وبعد الإرسال مباشرة يبدأ مجلس إدارة الصندوق إجراءات صرف الشريحة الاولى من القرض البالغة مليار دولار (6 مليارات جنيه). واتفق مرسى مع هشام قنديل على إطلاق حملة تسويق اعلامية على الفضائيات عن إجراءات القرض، وعدم قدرة مصر على مواجهة الأزمة الاقتصادية بدونه. وبالفعل اتفق رئيس الحكومة قنديل مع الوزراء المعنيين بالقرض (المالية، التخطيط، البترول والكهرباء، التموين). وبالمثل جرى الاتفاق مع أربعة مصرفيين لشرح الإجراءات المصاحبة للقرض، أو بالأحرى أعباء القرض. وتم التنسيق مع بعض برامج التوك شو الشهيرة. ولكن بعد 48 ساعة باغت مرسى وجماعته الجميع بالانقلاب الدستورى فانصب اهتمام الفضائيات بالكارثة السياسية، ومع تصاعد الأحداث والمسيرات والقتلى سقط سهوا من مرسى وشلته اقتراب موعد إرسال جدول التزامات المرحلة الاولى من قرض الصندوق. وللانصاف فإن بعض الوزراء والخبراء تابعوا ملف القرض. وبينما كان مرسى والشاطر يعبثان بمصلحة الوطن، جرت مفاوضات شاقة مع الصندوق عبر الهواتف الدولية والإيميلات لحل آخر أزمة لحصول مصر على المليار الأولى. وكان الصندوق قد طالب الحكومة بتنفيذ تعهداتها فيما يتصل بملف خفض الدعم الخاص ببطاقات التموين وقصره على الاكثر احتياجا فقط، وكان هناك اعتراض آخر فى ملف الكهرباء. فقد خشيت الحكومة من تنفيذ الزيادة فى شرائح الكهرباء التى اتفقت عليها مع الصندوق، وتم تقسيم الزيادات على مرحلتين. واعتبرالصندوق التغيير فى هذين الملفين تراجعا من الحكومة. وبالمثل أثارت موجات الغضب الشعبى قلقه حول قدرة مرسى وحكومته على تنفيذ الاتفاق لكنه وافق قبل يوم واحد من إعلان مرسى التأجيل أو الإلغاء وهنا اندلعت الازمة الكبرى.
لم يكن تأجيل إعلان وتطبيق القرارات مشكلة الصندوق، ولا سبب الأزمة. فقد كان من البديهى أن ترسل الحكومة لإدارة الصندوق بطلب تأجيل تنفيذ البرنامج لحين الانتهاء من الاستفتاء على الدستور. ولكن مرسى المتخبط كان واقعا بين فريقين متناقضين. فريق رأى خطف القرارات فى ظل انشغال المعارضة بالإعلان ورفض الاستفتاء، وأن الإخوان يجب أن يخوضوا كل معاركهم مرة واحدة. (نظرية التضحية بالدم). وفريق آخر يفرض قرض الصندوق من الأساس. يصور له جهله بحقائق الاقتصاد المصرى أو بالأحرى أزمته أننا سنعبر الأزمة بدون قرض. هذا الفريق يتزعمه قيادات سياسية بالجماعة وحزبها مثل الدكتور عصام العريان والدكتور محمد البلتاجى (وكلاهما طبيبان بشريان) ولا يحملان دكتوراه فى الاقتصاد. وهذا الفريق هو من حرك قواعد الإخوان للاعتراض على ما اسموه تهديد صندوق النقد لمصر، وانتصر فريق العناد وصوته. فقد ركب مرسى رأسه، وإعلان الحكومة عن قرار الصندوق بتأجيل القرض، هو إعادة صياغة لقرار الصندوق، فإذا طلبت مصر قرضا فهى لم تستكمل المفاوضات بل ستبدأ المشوار من أول وجديد. لا يهم العريان ولا البلتاجى ولا مرسى أن احتياطى البنك المركزى يكفى ثلاثة اشهر فقط لتغطية شراء دقيق لعيش الغلابة وفول وزيت لطعامهم. أو غاز للبوتاجاز ولا حتى دواء مستورد، طظ فى كل ده، مش دى الجماعة إلى مرشدها السابق قال طظ فى مصر.