فى أثناء ما كان الشباب يقفون فى ميدان التحرير معترضين على نظام فاسد ومصرون على إقصاؤه، حدث الهجوم الغاشم بالجمال والخيول على الميدان فيما سُمى بموقعة الجمل، وكانت هذه الموقعة هى بداية ظهور ما سُمى بالطرف الثالث..وانتهت الموقعة بحبس العشرات وإتهام كل من كان على الساحة وقتها بأنه خطط وتآمر وأستأجر البلطجية لإسقاط الثورة.. مرة أخرى وفى أثناء ما كان د/مُرسي يحاول جاهدا إيقاف إطلاق النار فى غزة (طبعا من باب الجيرة والعشيرة)..وفى أثناء ما كانت هيلارى كلينتون تزور مصر لتصل إلى إتفاقية وقف إطلاق النار مع الرئيس المصرى (طبعا من كتر حبها فى المسلمين)..وفى أثناء ما كان أوباما يرسل ببرقية شكر للرئيس مرسي على جهوده فى حفظ السلام (طبعا ماهو إبن حلال مصفى).. وفى أثناء ما كان رئيس وزراء الحكومة " القنديلية" يُعلن رسميا عن رفع الدعم عن البنزين 95 (على أساس ده إنجاز الحكومة الوحيد حتى الآن)... وفى أثناء ما كان عصام العريان يطالب بعودة البرلمان المنحل(على أساس إنه المفوض الرسمى الوحيد للتحدث بإسم الرئيس)..وفى أثناء ما كانت اللجنة التأسيسية للدستور تتحول من لجنة تمثل كل أطياف الشعب إلى لجنة بلا أعضاء لا تمثل سوى فصيل دينى متشدد... وفى أثناء ما كان حزب الحرية والعدالة يجمع تبرعات لإنقاذ غزة من القصف، ويعلق لافتات فى كل ميادين مصر مكتوب عليها "غزة تستغيث"...
فى كل هذه الأثناء... كانت مصر تتعرض لمؤامرة كبرى..كان شارع محمد محمود يشتعل من جديد..كانت مصر هى التى تستغيث هذه المرة يا سادة..
فى الوقت الذى توجهت فيه أنظار النظام المصرى وكل مُحيطيه إلى تأييد حماس وإنقاذ غزة التى يقتل فيها الأطفال كل يوم، كان أطفال مصر يغتالون فى حادثة قطار أسيوط نتيجة إهمال شديد من حكومة هشة ومحافظ لم يقدم أى جديد ورئيس منشغل بخطة تمكين حزبه وجماعته..
فى الوقت الذى نجح فيه الرئيس المصرى بوقف إطلاق النار فى غزة وعقد هدنة بين حماس وإسرائيل، وسط إشادة العالم وتصفيق الأمريكان وخطاب شكر وعرفان بالجميل من رئيس دولة إسرائيل، وتأييد من الحشود الأخوانية المجتمعة أمام قصر الإتحادية...كان هناك مولوتوف يطلق بشكل عشوائى وخرطوش يتم تصويبه على المتظاهرين وقنابل غاز تنفجر فى وجوه متآمرى محمد محمود..
وأخيرا وقعت الطامة الكبرى، بداية حرب الشوارع التى كنا ننتظرها بعدما قرر النظام الحاكم تقسيم الوطن إلى فئتين، فئة إسلامية وفئة ثورية ليبرالية..
وبعد وقفة سلمية من شباب مصر أمام الإتحادية، يرد الأخوان المسلمون بوقفة همجية قتالية غاب فيها الضمير والمعنى الحقيقى للإسلام بعد سقوط جرحى وقتلى...
فجأة أصبحت مصر تقاتل مصر..وهاهم الأخوان يتهمون الطرف الثالث من جديد!..
إنها عودة للطرف الثالث الذى عجز عن كشف هويته كل المشتغلين بالسياسة وأجهزة المخابرات فى مصر من أيام الثورة وحتى الآن...إنه السر الذى أصبح أقوى من سر شويبس!..
من هم هؤلاء الصبية الذين يظهرون فى الصورة عقب كل مظاهرة محترمة يقرر أن يخرج بها الشباب الثورى الحقيقى الذى وقف بالتحرير يوما ليطالب بإسقاط النظام، بل ونجح فى إسقاطه بإمتياز؟..
من يدفع بهؤلاء الأطفال إلى شارع محمد محمود من آن إلى آخر؟ هؤلاء الذين إلتحفوا الشوارع سنين طويلة بلا مآوى ولا أمل فى حياة أفضل؟ من يستأجر هذا الشباب العاطل الذى لا تعنى مصر بالنسبة له أى شئ سوى أنها وطن جاء إلى الدنيا ليجد نفسه مقيما على أرضه؟...إنه طرف يستفيد من وجود فوضى دائمة، يبحث عنها كل من يريد أن يبقى قادرا على تمرير قرارات خاطئة أو تعليق أخطائه على شماعة الفلول..
لماذا تم إذن الأفراج عن بلطجية محمد محمود 2011 بقرار عفو رئاسي، إذا كان الرئيس على يقين من أنهم تابعين للنظام السابق ودولة الفلول؟ وهل خروج البلطجية إلى الشارع كان إنجازا يحتسب لرئيس مصر المنتخب أم كان قرارا خاطئا أعاد به الفوضى إلى الشارع من جديد..
لقد أصبح ظهور الطرف الثالث عقب كل مظاهرة محترمة أو وقفة إحتجاجية أمر حتمى..
لقد أصبح من البديهى أن نتصور أن نزول الطرف الثالث اليوم إلى الشارع لا يعنى سوى إرهاب المدنيين، ودعوة واضحة لإطلاق نفير الجهاد..
إذن فللطرف الثالث سبع فوائد..تجعل كل نظام يأتى متمسكا به، متواريا ورائه..
ويصبح جهاز الشرطة دائما هو كبش الفداء لمثل هذه الأحداث..فالرئيس يصدر أوامر صريحة بالتعامل مع المتظاهرين، ورد العنف بالعنف، والقوى السياسية مع الإعلام تذبح قوات الشرطة كل يوم، متهمين الضباط بالخونة وقتلة الثوار!!..وتقف الداخلية فى موقف محير، متشكك، متأرجح بين دور الجانى والضحية..حتى أصبحت اليوم مجرد متفرجا فى مقاعد المشاهدين...
لا أجد ما أقوله تعليقا على قرارات الدولة المتخبطة، إلا أن دولة الأخوان أثبتت فشل حتمى فى إدارة الدولة وإدارة الأزمات.. إن أبناء الجماعة المحظورة أثبتوا فى خمسة أشهر فقط من حكم الرئيس مرسي أنهم ليسوا قادرين إلا على التمويل المادى والحشد الأخوانى لا غير..أما إقامة دولة العدل فهى لم تكن يوما من أولوياتهم ولا مطالبهم.. إن وضع الوطن كله على حافة الهاوية بخلق حالة من العداء والصراع بين كتلتين كلاهما فى النهاية يخرج من رحم واحد وهو رحم مصر..
فالمليونية المدنية تتبعها مليونية إخوانية...والإعتراض على الدستور يتبعه حشد وتأييد لقرارات الرئيس...ورفض القضاء للإعلان الدستورى يتبعه إصرار من قضاة الأخوان بالإشراف على الإنتخابات والإنشقاق عن باقى القضاة..وإنسحاب أصحاب الرؤى من التأسيسية يتبعه إصرار غير مفهوم من النظام على إستكمال هذا الدستور المشوه...
إن الزعامة الأخوانية ليست مجرد رئيس ولكنها أصبحت قرار يتخذه المرشد وينفذه الرئيس ثم يؤيده باقى أعضاء الجماعة..
إن هدف الأخوان منذ إنشاء جماعة الأخوان على يد حسن البنا كان " التمكين" والتمكن من إحكام القبضة على الدولة...وهاهم اليوم يصلون للفصل الأخير من كتاب إرساء دولة الأخوان ولن أقول دولة الإسلام لأن الفرق شتان.. أعتقد إنه لم يعد من الصعب أن نعرف من هو الطرف الثالث؟ ومن يقوده؟ ومن يسعى به لخراب مصر؟... الطرف الثالث هو أنتم يا أبناء جماعة السمع والطاعة...
لم تعد المليونيات أو الإحتجاج هو آخر أحلام هذا الوطن..ولكن تبقى قدرة الله تعالى المتمثلة فى آياته وعدالة حُكمه هى خير حَكم، والحل الذى لم تفكر فيه القوى السياسية، ولم تلجأ إليه الحركات الثورية..
الدين برئ من قتلة الثوار، والشريعة التى تعتبرونها ذريعة للإنتقام والتسيد الزائف سوف تنقلب عليكم قريبا...وستبقى إرادة الشعب الحُرة هى الطرف الوحيد القادر على فرض شرعيته.. فالشعب يريد إسقاط الطرف الثالث.....