حين تُنفى العقول وتُقمع الأفكار فى سجون الأوطان.. يُصبح لدى أصحابها طريق من اثنين.. إما أن تتولد لديهم القدرة على التخيل والإبداع من رحم الوحدة.. أو تتولد لديهم نزعة انتقامية سادية من رحم القسوة.. الإسلاميون فى مصر كانوا ضحية مرتين.. مرة حين تم الزج بهم فى السجون واضطروا لعصور طويلة أن يُنكروا تطرفهم ولُحاهم فتخفوا داخل المجتمع المدنى خوفا من بطش أمن الدولة ونظامها الحاكم.. والمرة الثانية حين اعتنقوا فكرا مزيفا وعقائد باطلة لا علاقة لها بدين رسالته السماحة وجوهره الحُب..
الجُمعة الماضى كانت مليونية تطبيق الشريعة، التى لم يزد عدد المشاركين بها على عدد من شاركوا بمليونية 24 أغسطس للمطالبة بحل جماعة الإخوان، الفارق الوحيد أن الإخوان أطلقوا على جمعتهم «مليونية الشريعة» وأطلقوا على الأخرى «مسيرة أبوحامد»!.. فهم وحدهم أصحاب الحق فى التصنيف، ومنح الألقاب وحصر الأعداد.
المُضحك حقا هو نفى جماعة الإخوان والسلفيين المُشاركة فى المليونية، وكأن من نزلوا لتطبيق الشريعة مُرتدين الجلابيب وحاملين أعلام السعودية والجهاد هم الإخوة المسيحيون!..
لقد رأيت بعينى الأتوبيسات عقب الوقفة وهى تُقل أبناء الجهاد المسلح المُطالبين بتطبيق الشريعة.. وأعترف لهم بأنهم يخضعون لتنظيم رائع، وتكاتف لا بأس به.. ولكن يؤسفنى أن أقول لهم بأن عددهم أقل بكثير من عدد الرافضين لوجودهم، وأن نزولهم لم يكن لشىء سوى لتوصيل رسالة مُفادها إظهار القوة اللازمة لإصباغ شرعية زائفة على أطماعهم.. فحاملو علم السعودية على أرض الكنانة يفتقدون الانتماء الحقيقى لمصر..
الذين يهتفون ضد الليبراليين ويصفونهم بالعلمانية يفتقرون إلى الرؤية والفهم الحقيقى للكلمة التى يتشدقون بها دون وعى..
أحترم مثابرة الشيخ صلاح حازم أبو إسماعيل على النزول لتطبيق الشريعة، وأسأله: هل ستطبق الشريعة على الكاذب أيضا؟ أم أن الوصول لكرسى الحكم غاية والغاية تبرر الوسيلة!.. هل ستطبق الشريعة أيضا على شيخ ضُبط فى وضع مخل واتهم الكفرة التابعون لجهاز الشرطة بتلفيق الاتهام له، أم أن أصحاب اللُحى فوق قانون الشريعة؟!..
أدهشنى نزول المنتقبات فى وقفة حجب المواقع الإباحية، هل هو تأكيد لتبعية المرأة حين تتحول إلى فرد فى قطيع يقوده الرجال؟.. وهل الاختلاط بالرجال فى الوقفات الاحتجاجية شىء يتماشى مع تغطية الوجه؟ أم أنه تشبه بالليبراليات الفاسقات؟..
هل كان حمل صور إلهام شاهين أمام المحكمة، ووصفها بالفاسقة، رجم مُحصنات يجب أن تُطبق عليه الشريعة أم كان دفاعا عن الإسلام وإعلاءلشأنه؟!.
هل اتهام الإعلاميات بأنهن وقود النار والليبراليين بأنهم كفار والمتظاهرات بأنهن عاهرات، فعلا أقل قسوة من قول عائشة حين وصفت جارتها بأنها قصيرة، فنهرها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال لها: «لقد قلتى فيها قولا يا عائشة لو مزج بموج البحر لعكره».
وهل تطبيق الشريعة يُعتبر مطلبا شرعيا للمسلم الذى لا يسلم المُسلمون من لسانه؟ أم أنه اتهام موجه للكفار من الليبراليين الذين أصبحوا بمثابة كفار قريش!..
هل نتمسك بشريعة الإسلام أم نتمسك بأخلاقه؟ كيف نطبق الشريعة فى وطن يعتصر أبناءه من شدة الفقر والظلم والمعاناة الحياتية؟ هل سيقام نفس الحد على سارق رغيف الخبز ومختلس المليون جنيه؟.. كيف نطبق الشريعة على فتاة احترفت الدعارة لأنها لا تملك قوت يومها، وأخرى احترفته من أجل المُتعة؟..
سيدى الرئيس.. نعم نطالبك جميعا بتطبيق الشريعة، فنحن فى وطن لا يعبد الأصنام، ولكننا نطالبك قبلا برفض تلك الوصاية الأبوية التى يفرضها عليك التيار الإسلامى المتشدد حتى لو اضطررت إلى نكص وعودك الانتخابية معهم.. ونطالبك بإقامة دولة العدل قبل دولة الحساب.. ونطالبك بالتصدى للهوية المصرية.. ونطالبك بتفعيل القانون ضد المُتطاولين.
كيف نسمح بوجود شخص فى تأسيسية الدستور يُصرح بأن الحرب بين الإسلام والعلمانية ما زالت طويلة.. هل تريدونها حربا أم تريدون شرع الله؟
أيها الإسلاميون.. إنكم تستخدمون الشريعة كذريعة للانتقام من وطن همشكم طويلا، ومن مجتمع فرض عليكم التوارى، ومن شعب تظنون أنه ضد وجودكم..
ولكن حذار فأنتم تشيدون جدارا لتقسيم الوطن، وتُحملون الإسلام ذنوبكم، وتدفعون بمصر إلى هاوية الفوضى والحرب الأهلية.
فاحذروا يوما ترد إليكم فيه أعمالكم وينقلب عليكم قول الزور.. احذروا قوتكم الزائفة التى تصور لكم أنكم على حق والباقون على باطل..
وتذكروا أن العدالة الاجتماعية ستبقى دائما هى الشريعة الأقوى لدولة الإسلام..