نظروا إلى إدارة الرئاسة لأزمة الفيلم المسىء للرسول -صلى الله عليه وسلم - فأيقنوا أنهم أمام مجموعة من الهواة.. الإدارة المصرية فشلت فى تحقيق التوازن بين حق المصريين فى التعبير عن غضبهم، ورفضهم للفيلم من ناحية وبين علاقات مصر الدولية وصورتها فى مختلف أنحاء العالم من ناحية أخرى.
وهنا تظهر رؤية خاصة لناثان براون أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية فى «جامعة جورج واشنطن» والباحث المتخصص فى شئون الشرق الأوسط فى معهد كارنيجى للسلام الدولى.
كتب ناثان فى مجلة «نيو ريبابلك» الأمريكية تعليقا على المظاهرات التى اجتاحت مصر بعد الفيلم المسىء للرسول الكريم، أن العلاقة بين أمريكا وجماعة الإخوان هى علاقة زواج على حافة الطلاق، ولإنقاذ العلاقة قد يحتاج الزوجان اللجوء إلى مستشار للعلاقات الزوجية.
وأضاف الكاتب: أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تتردد فى دعم الإخوان فى معركة وصولهم إلى الحكم فى مصر، والتى تموج اليوم بالكثير من القضايا التى تؤثر على استقرارها الداخلى، فلا يوجد دستور أو مجلس شعب أو استقرار بمعناه الحقيقى، وتأتى الأزمة الأخيرة لتلقى بظلالها على العلاقات الخارجية لمصر.
ويؤكد ناثان أن هذه الأحداث سوف تخلق العديد من المشاكل الدبلوماسية لمصر، فالجماهير الأجنبية التى تعلمت أن تهتف للحشود المصرية طوال العام الماضى أثناء الثورة، أدركت مع ما انتهت إليه الأحداث الأخيرة أنه قد يستدعى الشعور بالخوف.
مشاعر الخوف التى تسربت للدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ترجع فى المقام الأول لسوء الإدارة المصرية والتى أتى رد فعلها الرسمى على الأحداث بطيئاً وغير واضح.
ناثان يتبنى وجهة نظر أن الإخوان نسوا تحولهم من خندق المعارضة إلى كرسى الحكم، فرد الفعل البطىء للرئيس مرسى الذى لم يخرج عنه أى تصريح لمدة يوم، ثم مطالبته للسفارة المصرية فى واشنطن باتخاذ الإجراءات القانونية ضد صناع الفيلم، إلى جانب دعوة الجماعة لمظاهرة ضخمة فى ميدان التحرير بالقرب من السفارة الأمريكية رغم تراجعهم فيما بعد عن هذه المظاهرة، كل هذا قد يكون مقبولا إذا كانت الجماعة تتحدث فقط مع المصريين، ولكن العالم والحليف الأمريكى كان يراقب رد الفعل الإخوانى.
أضاف الكاتب أن الإدارة المصرية للأحداث من وجهة نظر الغرب يمكن وصفها بغير المسئولة بل يمكن اعتبارها تهريجاً لا يليق. فما طلبه الرئيس المصرى من السفارة المصرية فى واشنطن هو باختصار طلب مصرى بتغيير الدستور الأمريكى وإلغاء المادة الأولى الخاصة بحرية التعبير والتى وضعت منذ عام 1791.
لم يكن ناثان وحده الذى تحدث, فالنيويورك تايمز أشارت فى تقرير حمل عنوان «استجابة متأخرة من مصر» إلى أن رد الرئيس محمد مرسى لاغتيال السفير الأمريكى فى ليبيا والهجمات التى شنت على سفارة الولاياتالمتحدة فى القاهرة كان ينبغى أن يكون سريعاً ولا لبس فيه، ويتمثل فى التنديد بالعنف، والتعبير عن التعازى لأعمال القتل، والتعهد بتعزيز الأمن فى البعثات الخارجية، وهذا ما فعلته القيادات الليبية. وبدلاً من ذلك، أصدر السيد مرسى فى البداية فقط توبيخا معتدلا عن مثيرى الشغب على الفيس بوك، وكان اهتمامه الأساسى منصب ضد الفيديو المسيئ الذى وفر ذريعة للاحتجاجات. تصف النيويورك تايمز ما جرى بأن الأمر استغرق حتى الخميس، وبعد مكالمة هاتفية من الرئيس أوباما قبل أن يقوم مرسى بإدانة قتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين فى ليبيا، والتعهد بحماية السفارات الأجنبية فى القاهرة.
وأضافت نيويورك تايمز أن محمد مرسى كرئيس جديد لدولة تطمح للديمقراطية، لايزال يحاول تحقيق التوازن بين القوى المتنافسة، بما فى ذلك حزبه، جماعة الإخوان المسلمين، والسلفيين.
من جانبهما نشر ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية فى معهد واشنطن والمدير السابق لشئون الشرق الأوسط فى مكتب وزير الدفاع الأمريكى وبالاشتراك مع إريك ترايجر الباحث الأمريكى المتخصص فى شئون جماعة الإخوان المسلمين تقريرا على صفحات جريدة «نيويورك دايلى نيوز» حمل عنوان « كيفية إرسال رسالة مصر».
بدأ التقرير بالإشارة إلى أن صورة العلم الأسود لتنظيم القاعدة وهو يعتلى مبنى السفارة الأمريكية فى القاهرة أثناء ذكرى أحداث 11 سبتمبر أصاب الشعب الأمريكى بصدمة، وكان من المفترض أن يهز الحكومة المصرية أيضا التى تتلقى معونة سنوية تقدر 1.5 مليار دولار من الولاياتالمتحدةالأمريكية التى على وشك أن تخفض مليار دولار من ديون مصر.
وبحسب التقرير فإن الفيلم المسىء للرسول الكريم لم يكن السبب الوحيد وراء خروج هذه المظاهرات المعادية للولايات المتحدةالأمريكية، فالجماعة الإسلامية أعلنت منذ عدة أسابيع استعدادها للقيام بالتظاهر أمام السفارة الأمريكيةبالقاهرة فى ذكرى أحداث 11 سبتمبر للمطالبة بالإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن المسجون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية على خلفية تفجيرات مركز التجارة العالمى فى عام 1993.. ويشير التقرير إلى أن الإخوان ربما لم يشاركوا فى التخطيط لهذه المظاهرات ولكنهم سارعوا بالتضامن معها وتشجيعها.
التقرير يذهب فى نهايته إلى أن أمريكا يجب أن تعلق مشروعها بخفض مليار دولار من الديون المصرية، كما عليها أن تعلق دعمها للقرض المصرى من صندوق النقد الدولى الذى يبلغ 4.8 مليار دولار. ومن وجهة نظر الكاتبين الأمريكيين إذا كانت مصر ترفض توفير الحد الأدنى من التأمين للسفارة الأمريكية، فالحكومة المصرية كانت على علم بدعوة الجماعة الإسلامية ولم تتحرك، وإذا كانت جماعة الإخوان وإدارة محمد مرسى تصر على عدم الدخول فى مواجهة مع الحركة السلفية التى تستهدف المصالح الأمريكية، فإن واشنطن عليها أن تطلب من إدارة مرسى دفع تكاليف هذا الاختيار.
هذا ليس كل شىء، فشينكر وترايجر يدعوان إلى رد فعل أمريكى على مستوى العلاقات الدبلوماسية، ويؤكدان ضرورة أن يرفض المسئولون الأمريكان لقاء مرسى أثناء زيارته المقررة للأمم المتحدة فى نيويورك أواخر سبتمبر.
وتحت عنوان «بعد هجوم القنصلية فى بنغازى، ما هى الخطوة التالية لعلاقات الولاياتالمتحدة مع ليبيا ومصر» كتب الصحفى الأمريكى جاى نيوتن سمال على صفحات مجلة التايم تقريرا تناول مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية والعلاقات الليبية الأمريكية.
بدأ الكاتب تقريره بأن حالة من الغضب اجتاحت الشعب الأمريكى الذى كان يسأل مثله مثل الكاتب سؤالاً واحداً: لماذا يحدث هذا فى دولة ساعدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على تحقيق الديمقراطية؟
ويضيف الكاتب أن محمد مرسى أعطى أولوية للنهوض بالاقتصاد المصرى، فى الوقت الذى أجبرت فيه هذه المظاهرات 100 رجل أعمال أمريكى قدموا إلى مصر من أجل التشاور حول الاستثمار فى مصر، للبحث عن سلامتهم بدلا من البحث عن فرص الاستثمار.
كما أتت هذه المظاهرات فى وقت يشكك الكثير من أعضاء الكونجرس الأمريكى حول جدوى المعونة الأمريكية السنوية لمصر والتى تقدر ب 1.3 مليار دولار سنويا.
ويضيف الكاتب الأمريكى أن الدور المركزى لمصر بالنسبة للأمن الإقليمى جعل الكثيرين يشاهدون بكثير من القلق سيطرة محمد مرسى القادم من جماعة الاخوان على الحكم فى مصر بشكل منفرد مع تأكيده على استقلاله عن استراتيجية الولاياتالمتحدة واستعداده لاحترام اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.
وشكلت المظاهرات الأخيرة اختباراً جاداً لقدرة مرسى على الحفاظ على توازنه السياسى وسط ضغوط بالالتزام بالوقوف إلى جانب حلفائه الغربيين، وفى نفس الوقت التصدى للتحدى السلفى، حيث تحولت التيارات السلفية إلى لاعب سياسى أساسى فى مسرح الأحداث المصرية وهى المكانة التى اكتسبتها التيارات السلفية على حساب جماعة الإخوان المسلمين.
الغضب الأمريكى تسرب من الكتاب والباحثين إلى أعضاء الكونجرس الأمريكى، فالسيناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكى أدلى ببيان ردا على أعمال العنف التى وقعت فى مصر وليبيا، قائلا «العنف فى القاهرة وبنغازى أمر غير مقبول ولا مبرر له.. غباء مخرج واحد، وبغض النظرعن إساءة الفيلم لايمكن أن يكون مبرراً منطقياً للعنف سواء اليوم أو فى أى وقت».
كما أصدرت عضوة الكونجرس الأمريكى اليانا روس ليتينن ورئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب، بياناً للتعليق على أحداث القاهرة وليبيا وقالت « بوضوح.. ليس هناك أى مبرر لقتل الدبلوماسيين والهجمات على سفاراتنا.. ليس لدينا شىء ينبغى أن نعتذرعنه»، وأضافت يجب أن نضمن أن يتم محاسبة مرتكبى هذه الجولة الأخيرة من هجمات 9/11.
كما أعلنت رئيسة اللجنة الفرعية للمخصصات والعمليات الخارجية فى الكونجرس، كاى كراجنر، التى تشرف على المساعدات الخارجية الأمريكية، عن تعليق صرف 18.3 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية للقاهرة، بالإضافة إلى وضع شروط صارمة على أى تمويل لمصر، دون أن توضح طبيعة هذه الشروط، وقالت «منذ سقوط الرئيس السابق، ونحن بحاجة لمعرفة من نعمل معهم قبل تقديم المساعدة إلى حكومة لم تثبت حتى الآن أنها شريك للولايات المتحدة، ولذلك وضعت شروطاً صارمة على أى تمويل لمصر، بما فى ذلك حماية الحريات الدينية، كما قمت بتعليق قيمة 18.3 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية».