هل نستطيع أن نحول أذهاننا عما وقع من أحداث متتالية خلال عام مضى من الثورة المصرية ، من مآسي دامية وفواجع مروعة ؟ هذه كلها موضع تفكيرنا ومجال دراستنا ، وكأنما نحن في مأتم كبير ضحاياه أفراد، ومبادئ، وحريات، فالثورة مازالت تكشف لنا كل يوم حقائق ووقائع تسقط لنا كل الأقنعة وتظهر لنا كل أوجه الفساد ، وضحايا إستبداد ثلاثون عاماً من الظلم والقهر ، والعديد من المحن والمأسى التى روعت قلوب المصريين، وأفقدتهم نعمة الأمان فى ديارهم . غير أننا لا نعدم فى وسط هذه المحن أن نرى نخبة من الناس تلمع أخلاقهم الكريمة بالأماني المتفائلة وسط أعماق الظلمة الكثيفة، والذين يحلمون بعصر يسوده الحق والعدالة والإنصاف كما يحلمون باستعادة بلادنا إلى مكانتها الحقيقة التى تستحقها بين دول العالم ، ويعملون بحق من أجل تحقيق هذا الحلم -أجل إن العصر الذي نحلم به لم يحن بعد - ولكن قد يكون قريباً بين طيات المستقبل ، ولن يتحقق هذا الحلم إلا عن طريق أكتاف النخبة القليلة من البشر التى تخلت عن الفكرة الذاتية الضيقة التي تقول أنا وبعدي الطوفان.
فلا شك أن سبب الشقاء الذي يقاسيه الأفراد ، والانقسامات والخصومات المتفشية بين الجماعات والهيئات على اختلاف أنواعها دينية ومدنية مرجعه وأساسه الأنانية وحب الذات، ومصر الأن بحاجة قوية إلى هذه النخبة لندفع بثورتنا إلى الأمام ، ونوظف هذه الثورة فى زرع جملة من الفضائل ومن طليعة هذه الفضائل فضيلة حب الخير والعدل والإنصاف وإنكار الذات ، ومصر فى حاجة قوية فى هذه الأيام إلى الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدالة , هذه الفضائل التى ترددها الألسن وينادي بها الناس، ولكنها لا تزال في أول عهد الناس بها- الذين يعرفون اسمها فقط - ولكنهم لايطبقونها على أعمالهم لأنها لم تتأصل فيهم بعد، ولكن إذا ما تأصلت في المجموع ولدت فيهم روحاً وطنية حقيقية لأن الأمين والمتسامح وطني حقيقي، والشجاعة الأدبية وليدة الوطنية الحقة ، ولا يتميز الإنسان عن سائر الكائنات إلا بفضائله الحقيقية.
وفى نهاية مقالى أوصى كل مسئول على أرض هذا الوطن أن يكرس كل جهده لخدمة هذا الوطن ، وإستعادة مصر لمكانتها الحقيقية بين دول العالم ، وأن يوجه كل طاقته لخدمة وطنه لا لخدمة ذاته ، وأن يسعى بروح الأمل والعمل حتى نستطيع أن نرجع الفضائل التى أفتقدناها من أمدٍ بعيد ، ونطهر بلادنا من مظاهر النفاق والخداع والتى أصبحت سلعة يتجار بها البعض لكسب رضاء الناس بغض النظر عما يكن بداخلهم ، أن الأوان يا أبناء مصر أن نعود كما كنا من زمن بعيد حتى نعيد أمجادنا ، هذا حلمى كمواطن مصرى من أبناء هذا الوطن آملاً من الله أن يتحقق بسواعد أبناءه.