«اصبروا عليه شوية» ثلاث كلمات قالها الكبار لأبنائهم تسببت فى استمرار حكم «مبارك» لثلاثين سنة كاملة حول فيها مصر لمؤسسة فساد وظلم وقهر، استعبد فيها مئات الآلاف من المصريين باعتقالهم وتعذيبهم وتغييبهم خلف الجدران.. رغم ذلك لم يتحرك أحد، فكلما تحرك صاحب ضمير حاصروه ودمروه، وإن لم يضعوه فى الزنازين جعلوه مثار سخرية بالتشويه والتنكيل وكل أدوات الإقصاء.. حتى صارت مصر مملوكية، وتحولت إلى مستوطنة لأمراض الالتهاب الكبدى الوبائى والكلى والأمراض المسرطنة بعد أن شرب المصريون مياه المجارى. كان اليأس قد استفحل، والأمل، مجرد الأمل شيء مستحيل، وفى الوقت الذى ظن فيه كثيرون أن اليأس تمكن من الجميع هب شباب وفتيات مصر ليفجروا ثورة 25 يناير، وقتها لم يسأل أحد عن سبب اعتصام الفتيات بميدان التحرير، ولم تحدث مشكلة واحدة بسبب اعتصامهن، ورغم حملة التشويه التى تعرض لها الثوار إلا أن ميادين التحرير فى القاهرة والمحافظات تحولت إلى «ميادين فاضلة» يعتصم بها ممثلو جميع الشرائح والطبقات، ومنهم فتيات التحرير اللائى قاتلن بلطجية مبارك جنبا إلى جنب مع الشباب فى موقعة الجمل، وبرز منهن عشرات القادة فى الميدان، وليليان وأسماء ونورهان لسن سوى ثلاث فتيات منهن.. اعتصمن بالميدان من قبل ويعدن إليه كلما تطلب الأمر.. ليس لشيء سوى مستقبل مصر.
ليليان وجدى.. فتاة الكاميرا
تطل ليليان وجدى من على مواقع التواصل الاجتماعى ملتصقة بكاميرا صغيرة تنقل بها أحداث الثورة، وللكاميرا قصة طويلة مع ليليان، فقد اقتنت أول واحدة منها عندما كانت فى الثالثة عشرة من عمرها، عشقت الفوتوغرافيا حتى أنها عملت مصورة صحفية بعد تخرجها فى كلية الألسن بجامعة عين شمس، وعملت من قبل الثورة على تغطية المظاهرات، لكنها لم تركن لهذا الدور طويلا، إذ قررت النزول كمتظاهرة فى يوم 25 يناير، اشتركت فى مسيرة انطلقت من أمام ماسبيرو لتهتف ضد الإعلام المضلل، ثم توجهت المظاهرة إلى دار القضاء العالى، كان الأمن المركزى يقمع مظاهرة صغيرة فى الإسعاف، وكانت جموع من المتظاهرين تهرول من هول القمع، بينما وقفت ليليان تهتف لإسقاط نظام مبارك، لتعود فى مساء ذلك اليوم إلى ميدان التحرير من أجل الاعتصام، وفى حوزتها بطانية، إلا أن حملة القمع الواسعة التى شنتها قوات الداخلية فى الميدان فرقت المتظاهرين الذين تجمعوا فى مظاهرات صغيرة بمناطق وسط البلد، فقامت ليليان بتصوير ما يحدث وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعى ليعرف الجميع ما حدث كما هو فى خطوة لكسر تعتيم النظام وفضح جرائمه بالصوت والصورة.
وفى صباح جمعة الغضب ذهبت ليليان للتظاهر أمام مسجد الاستقامة، ومع إطلاق الأمن عبوات الغاز والرصاص المطاطى أصيب عدد كبير من المتظاهرين، فحملت ليليان عددًا من الجرحى إلى منزل إحدى صديقاتها وعملت على إسعافهم، ثم توجهت مساء للاعتصام بميدان التحرير إلا أنها مرضت فرجعت لمنزلها، وعندما شاهدت اعتداء البلطجية على الثوار فى موقعة الجمل قررت تلبية نداء الواجب، ورغم أنها الأخت الكبرى لطفلة صغيرة إلا أن أباها شجعها على ذلك، فقد عاصر بنفسه انتفاضة يناير1977 عندما كان طالبًا فى الجامعة، ويريد لثورة 25 يناير أن تنتصر ولا تنكسر، وهناك قامت ليليان بإسعاف المصابين، وبعد خلع مبارك عادت ليليان للكاميرا، لترصد اعتصامات ومليونيات الثورة وتنقل مذابح ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء مسهمة فى خلق إعلام شعبى بديل، ينقل الحقيقة ويفضح المتخاذلين
أسماء على: بلطجية.. وأفتخر عرفت أسماء التظاهر بعد مشاهدتها اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلى للطفل الفلسطينى محمد الدرة عام 2001فشاركت فى مظاهرات التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية إلا أن اللحظة الفارقة بالنسبة لها جاءت باشتراكها فى أكبر مظاهرة شهدها ميدان التحرير يومى 19و20 مارس 2003 اعتراضا على الغزو الأمريكى للعراق، وقتها نزل قرابة 40 ألف متظاهر للشوارع وباتوا ليلتهم فى التحرير، وحرقوا لأول مرة صورة «مبارك» المعلقة فى إعلان بميدان عبد المنعم رياض. هنا عرفت أسماء معنى العمل الحركي، فانضمت لحركة كفاية، ثم اشتركت فى تأسيس حركة شباب من أجل التغيير 5002. كانت أسماء تنظم المظاهرات وتدير بهتافاتها حوارا مع الجماهير.. تكتب بياناتها بالعامية، وهى صاحبة التوقيع الشهير فى نهاية كل بيان «أجيال عاشت عمرها فى ظل الطوارئ».
فى عام 2006 تعرض شباب الحركة لحملة اعتقال واسعة أثناء التضامن مع حركة استقلال القضاء بعد فضح تزوير الانتخابات، فشكلت أسماء على حركة للتضامن مع المقبوض عليهم أثناء عرضهم على نيابة جنوبالقاهرة، وعندما تجمع عشرون شابا أمام مديرية أمن القاهرة قرب المحكمة حاصرهم عشرات الآلاف من جنود الأمن المركزي، وقرر ضباط أمن الدولة القبض على العقل المدبر لتلك المظاهرات «أسماء على وندى القصاص ورشا عزب» فى سابقة الأولى من نوعها حيث قررت النيابة حبس الثائرات الثلاث لمدة ثلاثين يوما فى القضية رقم 516 لسنة 2006، وقتها دفعت أول فتيات الثورة جزءا من حريتهن من أجل حرية مصر، وظلت أسماء تقود المظاهرات لمدة خمس سنوات قبل الثورة وهى تهتف بكل يقين «ثورة ثورة حتى النصر ثورة فى كل شوارع مصر. شاركت أسماء فى إضراب عمال المحلة يوم 6 أبريل 2008، وفى 25 يناير قادت أسماء المظاهرة من إمبابة، وبعد ساعات من الهتاف داخل شوارع إمبابة وصلت لميدان التحرير فى الخامسة مساء، كانت قوات الأمن قد قتلت من قتلت من المتظاهرين، فكانت جمعة الغضب.
كانت أسماء فى مقدمة الصفوف التى تصدت للبلطجية فى موقعة الجمل، اعتصمت فى ميدان التحرير فى خيمة خصصت للفتيات أمام «كنتاكي» وتقول عن نفسها: «أنا بلطجية وأفتخر لأننى شاركت فى إسقاط نظام مبارك
نورهان حفظى.. من محمد الدرة إلى خالد سعيد
بعدما أطلق جندى إسرائيلى الرصاص على الطفل الفلسطينى محمد الدرة، تحولت نورهان حفظى من مجرد مشاهدة إلى واحدة من أبرز الفتيات المؤسسة لحركة «عدالة وحرية» فيما بعد ذلك بسنوات، كان المشهد مروعًا وكانت تتألم، لكنها لم تستسلم للألم طويلاً، باتت تهتم بالسياسة، وانضمت إلى قافلة مساعدات نظمها اتحاد الأطباء العرب أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة فى ديسمبر 2008، فتعرفت على أعضاء الحركة المشاركين فى القافلة ثم انضمت إلى حملة الغضب الواسعة التى شنها الشباب بعد مقتل الشاب خالد سعيد.. كانت مهمة نورهان، الطالبة فى الفرقة الثالثة بكلية التجارة جامعة القاهرة، كتابة اليافطات والبيانات والهتاف فى مظاهرات الحركة للمطالبة بالعدالة والحرية، وكانت إحدى منظمات مظاهرة ناهيا ظهيرة اليوم الأول لثورة 25 يناير، حيث قادت المتظاهرين نحو التحرير، وفى صباح يوم موقعة الجمل قادت مظاهرة من جامعة القاهرة للتحرير واعتصمت فى الميدان لمدة 6 أيام متتالية حتى أن والدها ذهب للاطمئنان عليها.. كان يقول لها «خلى بالك من نفسك» ويتصل بها بين لحظة وأخرى، وبعد خلع مبارك اشتركت نورهان فى اعتصام إسقاط أحمد شفيق، وقبل ذكرى النكبة نظم شباب حركة «عدالة وحرية» حملة واسعة للدعوة للتظاهر يوم 15 مايو أمام السفارة الإسرائيلية، كما قامت بدور كبير كمسعفة فى مذابح شارع محمد محمود