قبل أن أسرد حصاد الفترة الماضية من العمل العام والنتائج المفزعة التي وجدتها أُحب أن اُذكر نفسي وإياكم بالأتي: في البدء كانت الكلمة (كُن) وما بين حرفي الكاف والنون تتدخل القدرة الإلهية لتصنع الفارق اللامحدود ولقد أقسم المولي عز وجل في كتابه العزيز بالكلمة والقول والقلم فهو القائل في كتابه العزيز. (بسم الله الرحمن الرحيم "ن والقلم وما يسطرون" صدق الله العظيم) ففي الأية الكريمة يبدأ الخالق عز وجل حديثه بالقسم وبالقلم، والقلم مرادف حقيقي للكلمة فهو المسئول عن كتابة الكلمات ولكن القلم الإلهي قلم أمين يكتب ويدون بلا إرادة للتحريف أو التزييف وبلا أية نوايا مٌسبقة عما سيدون عنه. أيضا أتذكر مقولة المبدع "عبد الرحمن الشرقاوي" في رائعته "الحسين ثائراً" والتي قال فيها .. " الكلمة نور وبعض الكلمات قبور وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان بين نبي وبغي، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة". أما الآن فكل كلماتنا سواء المسموعة أو المرئية رهينة القلم المقصوف والقلم المقصوف هو الذي يتعمد التقصف عند البدء في سرد الحقائق حتي تضيف وتعدل وتزين وتؤلف وتستخدم كل ألوان البلاغة والنحو لتغير المعني وتحذف المعلوم وتقدر المجهول. إلا انني أقسمت ثلاثاً ألا يتقصف قلمي وألا يتبدل خطي وألا يكتب قلمي إلا الحق و مرضاة لله فبإسم الله نبدأ... أولاً : إن وصفي للشارع السياسي في مصر هو أنه شارع من إتجاه واحد فالذي يذهب لا يعود إلا من خلال ميدان ولك أن تسمي الميدان كما تشاء فمعارضوا مبارك أسموه التحرير ومؤيدوا مبارك أسموه العباسية ورافضوا مرسي أسموه الإتحادية ودراويشه أسموه رابعة والخلاصة أن الكل يبحث عن ميدان وعليه فقد تغير المسمي من الشارع إلي الميدان السياسي. ثانياً: في الميدان السياسي نجد كل أنواع الفوضي بدءً من السياسي المتجول الذي يعرض بضائعه الرخيصة علي الجميع (فضائيات وأحزاب وجبهات) ومع ذلك يلقي رواجاً لثمنه البسيط إلا أنه ما يلبث أن يهرول عند سماع أول صافرة لبوكس الدولة، نجد أيضا المتسول السياسي الذي لا يملك الرؤية ولا الفكر فيتباكي ويصرخ ليستعطف المارة علي حاله والقمع الذي يتعرض له حتي وصل إلي ذلك وقد لاقي هذا النوع رواجاً كثيفاً علي الرغم من انه لا يملك بضائع ليسوقها. هناك أيضاً البطالة السياسية وهم يفترشون الحدائق والجزر الوسطي من الميدان وهم يصلحون لكل الأعمال طالما أن المرتب عال، ومن يدفع لهم يستحوذ عليهم لفترة ثم يعودوا للميدان مرة أخري وهم يُستخدمون في الهدم أو البناء ولا تؤرقهم الغاية مادامت الوسيلة بالعملة الخضراء أو الحمراء. ولن ننسي الميكروباص السياسي وهم كُثر ففجأة وجدنا أكثر من ثمانين ميكروباصاً متعدد الماركات والألوان السياسية ولكن أغلبها يعاني من عشوائية ورداءة السائق وإن حاول الراشدون تعديل المسار أوتوجيه السائق تجد الركاب يطلبون منك النزول فوراً حرصاً علي عدم تعكير مزاج السائق علي الرغم من يقينهم من صدق منطقك. ففي الميدان السياسي، العديد من المطبات السياسية الصعبة وعلي الرغم من إخفاقات العديدين من المرور منها إلا أنه مع إنعدام العقلية الجمعية للمصريين تجد أن الجميع يحاول المرور مراراً دون حساب للعواقب وبلا تقدير للمواقف وهو ما يؤدي للوقوع في كثير من الإختناقات السياسية ً نتيجة التكالب علي المرور أولاً. في ميداننا السياسي، كل المنحنيات خطر والراشد السياسي الذي يحسب المخاطر سرعان ما يجد نفسه محاطاً بالأبواق السياسية التي تحرمه الفرصة من سماع صوته أو الوصول بسيارة الوطن سالماً. وعلية فإما أن يتنحي ويترك الميدان للمتجولون والمتسولون ومفترشوا الحدائق وإما أن يصمد ويتحمل ليحصل علي فرصة إنقاذ الوطن ولقد أخترت أنا أن أصمد حتي ننجوا بميادين مصر من الإختناقات والمطبات وإتخذت لي وللشرفاء من هذا البلد شعاراً وحلماً نحيا لنراه واقعا ملموساً ومطبقاً من الجميع هو أن يكون "هدفنا بلدنا". ولنكمل الحديث عن النتائج في مقالي القادم...