تفجيرات يوم الأربعاء الماضي التي حدثت في جامعة القاهرة وأودت بحياة عميد شرطة طارق المرجاوي وإصابة بعضا من زملائه بإصابات خطيرة ، هو تحول نوعي في تاريخ التعليم الجامعي في مصر. فنحن على مدار الثلاث سنوات الماضية نشهد أحداث عنف من بعض طلاب الجامعات المصرية الحكومية المنتمين لجماعات الإخوان وأصحاب الفكر الراديكالي ، بعد أن توغلت هذه الجماعات فيها منهم أعضاء هيئة تدريس ومعاونيهم ومنهم الطلاب ، وماتشهده مصرالآن هي أقوى موجة عنف في جامعاتنا المصرية تفوقت كثيرا عن تلك التي شهدتها فترة السبعينات من نفس هذه الجماعات إرهابية الفكر. وهنا علينا أن نتساءل ماهي الأسباب التي أدت الى توغل الجماعات متطرفة الفكر والسلوك الى جامعاتنا المصرية؟. والإجابة بإختصارهي مجانية التعليم العالي. مجانية التعليم التي مكنت أفراد هذه الجماعات المتطرفة إرهابية الفكر أن يكونوا طلاب فيها ، ومنهم من أصبح بعد ذلك عضو هيئة تدريس، وعميد ، ورئيس جامعة ، وهي أخطر الوظائف على الإطلاق لأن الأستاذ الجامعي يتعامل مع شريحة من الشباب في سن المراهقة ، أغلبهم غير مؤهل ثقافيا ، يسهل إختراق أفكارهم غيرالمتكونة بعد بسهولة ، وتشكيل وعيهم تجاه الدولة والدين بما يحقق مصالح هذه الجماعات الإرهابية. والمحير في هذا الأمر أن أجهزة وزارة الداخلية المختلفة يقع على عاتقها بحث ملفات وإنتماءات وتاريخ أي شخص يتقدم لشغل وظيفة عضو هيئة تدريس أو هيئة معاونة في أي من جامعات مصر الحكومية ، فكيف تمكن كل هذا الكم من أصحاب الأفكار المتطرفة والإرهابية من شغل هذه الوظائف في جامعاتنا؟! إن مجانية التعليم التي دعى إليها الأديب طه حسين وفعلها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم تكن تهدف الى تمكين أفراد الجماعات الإرهابية لجامعاتنا وأكاديمياتنا المصرية وتدميرها كما نرى الآن ، وإنما كان الهدف منها دفع البلاد والبحث العلمي الى الأمام ، ووضع مصر على الخريطة العالمية. ولكن التجربة الفعلية أثبتت بأن مجانية التعليم العالي تحديدا أفسدته وأفسدت مصر برمتها للأسباب التالية : أولاً/ لأن مجانية التعليم العالي أفقدت المجتمع شريحة مجتمعية هامة كانت تُعرف بالصفوة أو النخبة ، وهم هؤلاء الذين نالوا قسطا من التعليم والثقافة المتميزة التي مكنتهم من الإنجاز في تخصصاتهم الدقيقة وجعلت منهم أصحاب فكر تقدمي ، مثل الإمام محمد عبده ، الأديب قاسم أمين ، الفيلسوف أحمد لطفي السيد ، عالم الفزياء علي مصطفى مشرفة ، عالمة الذرة سميرة موسى ، الأديب طه حسين --- وغيرهم ، فقد كانت هذه الشريحة من المجتمع هي التي يحتذى بها ويُعتَد بآرائها فيما يتعلق بشئون العِلمِ والمجتمع. وهذا يختلف تماما عن النخبة الزائفة التي يتبنى آرائها الإعلام ويفرضها على المشاهد. ثانياً/ فائض من خريجي الجامعات أفقد التخصصات قيمتها ، ومن ناحية أخرى أحدث تشويشا على الكفاءات منها. ثالثا / فرض عدد كبير من خريجي الجامعات في جميع التخصصات من غيرالمؤهلين لسوق العمل الفعلي ، وأصبحوا عبئا على الدولة. رابعا / أغلب أنصاف الكفاءات أو معدوميها من خريجي الجامعات الحكومية ، لا يقبلهم سوق العمل الخاص أو الإقليمي أو الدولي ، وبالضغط منهم على الدولة عن طريق التظاهرات أو الإحتجاجات أو المحسوبيات يتم تعيين أغلبهم في مؤسسات الدولة مما ساهم في إفساد أجهزة الدولة نفسها. خامسا / مجانية التعليم العالي أوجدت أستاذا جامعيا يشكو من ضعف الدخل ، الذي يؤثر على هيئته ، ونموه العلمي الذي يرتبط إرتباطا وثيقا بحضور المؤتمرات العالمية والإقليمية في مجال التخصص ومتابعة الكتب والدوريات الإقليمية والعالمية باهظة الثمن ، فتجمدت المعلومات في أغلب التخصصات لأن فاقد الشيئ لا يعطيه. سادسا/ أن تجاهل الدولة والإعلام للعلماء والمثقفين الحقيقيين في مقابل الإهتمام بلاعبي كرة القدم والفنانين مهما كان رداءة نوع الفن الذي يقدمونه ، وإعطائهم كل الفرص للشهرة والثراء السريع ، أحط من قيمة العِلم والمؤهلات العليا ومابعد العليا ، وأصبح الهدف الحقيقي لأغلب طلاب الجامعات هو الشهرة أو الثراء السريع ، أو كلاهما معا بأي طريقة ، حتى لو كان ذلك عن طريق الإنتماء الى جماعات إرهابية كان لها قنوات تعامل مع النظام الحاكم. إن الحل الجذري لعودة الجامعات الحكومية الى مكانتها التي كانت عليها منذ بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه تقريبا من وجهة نظري هو إلغاء مجانية التعليم العالي وعودة الجامعات الأهلية كما كانت بدايات جامعة القاهرة ، فهو حل وسطي يكسب التعليم العالي قيمة وفي نفس الوقت فإن مصروفاته في متناول جميع الأسر المصرية ، ويستثنى من دفع المصاريف أوائل الطلاب في الثانوية العامة. فهل من مجيب لإنقاذ جامعاتنا وأكاديمياتنا المصرية؟