منذ يومين، لعب منتخب قطر الكروى النسائى فى الدوحة أمام منتخب أفغانستان، وفازت أفغانستان بهدفين أحرزتهما ماربون وصابيرا.. وعلى الرغم من أنه مجرد خبر رياضى من تلك التى تمتلئ بها أوراقنا وعقولنا وذاكرتنا طول الوقت، فإننى توقفت كثيرا وطويلا أمام هذا الخبر بالتحديد.. فأنا أحد الذين سمحت لهم ظروفهم وحظوظهم بالاقتراب كثيرا وجدا من واقع الرياضة فى أفغانستان.. صحيح أننى اقتربت من ذلك العالم الغامض الحافل بالحواديت الجميلة والأسرار والأحلام من نافذة الجودو، حيث كنت المستشار الإعلامى للاتحادين الأوروبى والدولى لهذه اللعبة الجميلة، وتابعت وشاركت بطلة أوروبا «برجيت رايتينجن» فى محاولاتها وحروبها لإقناع فتيات كابول بممارسة الجودو لمجرد ممارسة حق اللعب وحق الاختيار والأحلام وممارسة الحياة.. إلا أن الحكاية الأهم فى كل الرياضة الأفغانية تبقى حكاية البنات وكرة القدم.. وبالتحديد بنت واحدة اسمها «أويستا أيوب»، هى التى بدأت تتحدى قسوة جماعة طالبان وتحريمهم كرة القدم وحرمانهم لكل فتاة أفغانية من أى حق وأى حلم.. قررت «أويستا» أن تلعب الكرة، قررت أن تحارب من أجل تكوين أول فريق نسائى لكرة القدم فى أفغانستان.. وبالفعل، نجحت «أويستا» فى ذلك، وأسست أول فريق أفغانى للكرة النسائية ثم أول منتخب عام 2006 بعدما أصبح من حق الفتاة الأفغانية أن تلعب الكرة وهى التى كانت ممنوعة أصلا حتى من الذهاب إلى المدرسة.. وكتبت «أويستا» كل تفاصيل الحكاية والحروب والضغوط والأحلام والتهديدات فى كتاب جميل اسمه «نادى الكرة النسائية».. كتاب قرأه الكثيرون وكان يوما ما من أكثر الكتب مبيعاً فى العالم.. ولم تكن تفاصيل كرة القدم وأسماء لاعباتها ونتائج مبارياتها الأولى هى أمتع وأجمل ما فى الكتاب، إنما هو تأكيد ما تستطيعه وتقدر عليه كرة القدم فى أى مجتمع.. وكيف يمكن أن تتحول الكرة من مجرد لعبة إلى وسيلة لتغيير قواعد وحدود الناس وتجميل حياتهم وتحقيق مختلف أحلامهم.. وقد عدت إلى هذا الكتاب بكل ما فيه من دروس ومعانٍ وأنا مثل كثيرين غيرى الآن فى مصر أتابع وأعيش كل تداعيات ومواجع مذبحة استاد بورسعيد.. أشاهد الحزن فى عيون الكثيرين، وأرى نجما كبيرا وقديرا مثل أبوتريكة يطوف على أسر شهداء المذبحة، يقتسم معهم الدموع والدعاء والصبر والأسى.. ويحكى لى لاعبون كثيرون عن عجزهم عن لعب الكرة مرة أخرى بعد هذا الذى شاهدوه بأنفسهم أو حتى لم يشاهدوه، ولكن أحزنهم أن يموت الناس فى ملاعب الكرة مثل النجم الكبير والقدير أيضا شيكابالا.. ومن أجل ذلك كله، أدعو «أبوتريكة» وكل نجوم الأهلى الكبار، وأدعو أيضا «شيكابالا» ونجوم الزمالك وبقية النجوم فى كل الأندية الأخرى، وكل أسر الشهداء والضحايا ومن يحب أو يريد استغلال هذا الحزن النبيل والوجع الحقيقى من أجل تغيير أو تجميل ولو قليل من القبح الذى بدأ يستوطن حياتنا وبلادنا.. أتمنى أن نحيل ما جرى فى استاد بورسعيد إلى بداية جديدة، حيث يمكن لهؤلاء النجوم الكبار الذين يحبهم ويحترمهم الناس أن يكفوا عن ممارسة الحزن ويبدأوا فى استغلال شعبيتهم الطاغية لتجميل حياة الناس البسطاء والفقراء والأطفال فى أى وكل مكان على أرض مصر.. وإذا كان جميلا ورائعا أن يقبل لاعبو الزمالك دعوة عبدالواحد السيد فيرتدون جميعا فانلات مرسوماً عليها صورة «أنس»، أصغر شهداء المذبحة قبل مباراتهم المهمة مع نادى يانج أفريكانز، فالأجمل أن ننشئ ملعبا بسيطا لأطفال فى عمر «أنس» محرومين من اللعب ومن كل شىء، وأن يحمل هذا الملعب اسم «أنس» أتمنى ملاعب مماثلة يدعو لها لاعبو الأهلى ومعهم نجوم الأندية الأخرى وإعلاميون وسياسيون ومحزونون وغاضبون يأخذون معهم أحزانهم ودموعهم وصور الشهداء وحكاياتهم إلى عشوائيات وزوايا فقيرة محرومة من كل شىء.. فقد تكون الكرة هى بداية الالتفات لهم ولكل ما فى حياتهم من حرمان ومعاناة.. قد تكون الكرة هى البهجة التى يحتاجون إليها ليواصلوا حياتهم رغم الفقر والألم. نقلاً عن المصرى اليوم