هذه الآية الكريمة جاءت ضمن قصة سيدنا موسى عليه السلام مع صاحب مدين في سورة القصص والذي كان عاجزا عن طلب الماء فخرجت ابنتاه للسقيا، إلا أنهما تأخرتا انتظارا لصدور الناس عن البئر، إلا أن مروءة سيدنا موسى وشهامته حملته على أن يبادر لهما فى السقي من غير أن ينتظر سؤالهما، وقضاء حاجتهما، وأعجبَ هذا الفعل الفتاتين، فذكرتاه لوالدهما والذى أرسل في طلبه، وقالت له إحداهما {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} فالقوة في العمل والأمانة في أدائه على الوجه المطلوب هو ما ينبغى أن يكون المعيار لأداء العمل. وهذا الوصف هو من وفور عقل هذه المرأة التي رأت اكتمال هاتين الصفتين في موسى "عليه السلام"، دليل أن هذا من المطالب التي يتفق عليها عقلاء البشر في كل أمة من الأمم. ورأت أنه الأحق فى أن يلى أمرا من الأمور هو من توفرت فيه هاتان الصفتان، وكلما كانت المهمة والمسئولية أعظم، كان التشدد في تحقق هاتين الصفتين أكثر وأكبر. والأمانة والقوة ليستا شيئين متوازيين دائما، فقد يتحدان، وقد يتقاطعان، فالصبر جزء من الأمانة، وقد كانت مهمة قضاة مصر ومسئوليتهم عظيمة وأمامهم تحد كبير بين إحقاقهم للحق أينما كان، فأداؤهم لواجبهم يعد نموذجا يقتدى به فى كل الدول، أشاد به كل المعارضين - عندما كانت النتائج فى صالحهم - فهم نفس القضاة الذين أشرفوا على كل الاستفتاءات السابقة وكل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والشورى السابقة وبنفس الأمانة ونفس القوة فى تحمل الرسالة فقد أخذوا على أنفسهم عهدا "لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى". تلك هى مبادئنا التى لا نحيد عنها أبدا فقد أدركنا منذ أن تولينا مسئولية الانتخابات أنها أمانة لا نعبر بها عن اتجاهنا ورؤيتنا الشخصية ولكننا نعلن فيها إرادة الشعب بكل أمانة وكل صدق ولا نعير اهتماما لرغبة القوى السياسية أو الأنظمة الحاكمة ولا نملك إلا الإعلان بكل شفافية ونزاهة عن إرادة هذا الشعب الذى يبتغى الحرية ويريد مستقبلا وحياة أفضل. وليس منا من يحيد عن ذلك المنهج أو يغلب عليه الهوى وينقلب على دستورنا وتقاليدنا التى توارثناها عبر الأجيال.