حينما ذهبت إلى لجنتى الانتخابية، كنت مقررًا سلفًا، وحمدت الله على قرارى، أن أختار مصر، ولا أختار نفسى، أن أختار الأصلح، بحسب موازين الرجال المحترمين، وضعت الجميع على أربعة موازين: القوة والأمانة والحفظ والعلم، وهى الموازين الأربعة الواردة فى كتاب ربى. وردت القوة والأمانة وتمثلتا فى عقد مؤاجرة وعمل وقعه نبى الله موسى، "يا أبت استأجره، إنّه خير من استأجرت القوى الأمين"، ووردت صفتا الحفظ والعلم، فى نبى الله يوسف، "قال اِجعلنى على خزائن الأرض،إنى حفيظ عليم". حينما تأهبت لغمس إصبعى فى الحبر الفسفورى، كنت قررت ألا أنظر من ينفعنى بصفة شخصية أو مهنية أو طائفية أو قبلية، بل اخترت – حسب قناعاتى - مصر والأنفع لعموم مصر ومستقبلها ومصيرها. لم أنظر لما يقال عن استئثار فئة بمصر أو بمناصب مصر، بل قلت كما يقول أهل بلدى "إللى يقدر يشيل" أما أنا فسأقدم بلادى على نفسى، ولو لم أجد لى مكانة ولا أبهة ولا مركز مرموق فسأرضى، وسأقول "صوّتُ إلى بلدى يا رب لعلك ترضى". لم أنتخب فلانًا بسبب أنى ظننته الأتقى والأكثر ورعًا ولا الأكثر دينًا، بل قدمت القوة والحزم، والمشروع المقدم، فليس دائمًا الأتقى هو الأصلح لمنصب الإمامة، بل إن مِن جَلَد ظهر الإمام أحمد بن حنبل، ونصر من قال فى القرآن إنه مخلوق، هو نفسه الذى دعا الإمام أحمد لجيشه بالنصر، وحشد الناس على القتال إلى جواره. لم تمنعنى وجوهٌ أشك فى نزاهتها وإخلاصها وقد التَفّتْ وتحزّبتْ حول مرشح، ألا أنتخبه، بل أسقطت كل شحنائى وبغضائى وانتقاداتى المستمرة المسجلة فى هذا المكان بعدة مقالات، وقلت "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا" فقلت سأعدل من أجلك يا رب، من أجل بلد أنت تحبه. لم تظهر بعد النتائج النهائية، ولا حتى تباشير النسب، ولكنى قررت أن أذهب للإعادة، بنفس المنطق، بمنطق أن مصر أولاً، دائمًا، وأن مصر أولاً اليوم، وغير أى يوم فى تاريخها. سأذهب ولن ألتفت إلى أصوات تخوفنى بالولايات المتحدة وإسرائيل، وأن انتخاب فلان يعنى جر أو استدراج مصر إلى الحرب وتلقى العدوان، وتذكرت أن الرئيس الوحيد فى تاريخ مصر الذى جعل السلام خيارًا إستراتيجيًا لا شريك له، عانى وعاين ذلاً، لم يعانيه أو يعاينه رئيسٌ قبله، ولا بعده -بإذن الله، فسنة الله قد قضت وفصلت بأنه ما ترك قوم الجهاد والاستعداد للحروب إلا مسهم الذل، وقتل نخوتهم، ومع أنى أكره الحرب، وأخاف على بلادى، فإنه لا بأس بقول الشاعر: كُتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيولِ. اخترت مصر، وسأختار مصر، لأنى عنيد فى حب هذا البلد، الذى -لأول مرة - أنا حر بهذا البلد، وفى حِلٍ بهذا البلد، وفى نشوة صادقة بعظمة هذا البلد، ويرتجف قلمى وأنا أكتب "هذا البلد"، ويرجف قلبى وأنا أردد "هذا البلد". رحم الله مصطفى كامل، لم أفهم قوله إلا اليوم: "فأنت أنت الحياة، ولا حياة إلا بك يا مصر". واللّهم ولّى علينا الأصلح، واجعل السفينة ترسى هادئة على بر. [email protected]