هى نفس طريقة التفكير التى حكمت معركة البعض ضد دستور 71. وتكررت مع شعار لا لكتابة الدستور تحت حكم العسكر، ولم تكن المشكلة فى بقاء دستور 71 معدلا، ولا فى كتابته تحت حكم العسكر لأن الأخير سيغادر حتماً الحكم إما بعد شهر أو 4 أشهر، وبالتالى تصبح المعركة والبطولة الحقيقية فى مساحة أخرى هى فى كتابة دستور مدنى لا يعطى أى حصانة لأحد وعلى رأسه الجيش. إن من يتذكر تلك الحملة التى قامت بها القوى المدنية والائتلافات الثورية ضد دستور 71، ورفضت تعديلاته واعتبرته ترقيعا وانتقاصا من الثورة، يكتشف بعد أشهر قليلة أن بقاء هذا الدستور المدنى الذى كتبه فقهاء القانون الدستورى المصرى الكبار كان أفضل وبكثير من إسقاطه لصالح الإعلان الدستورى، خاصة بعد أن اتضحت قوة التيار الإسلامى وخوف التيارات المدنية من قيامه بكتابة الدستور على ضوء توجهاته السياسية، فصرخت واحتجت وطالبت بمسار مخالف لنتائج الاستفتاء، وهى التى كان فى يدها أن تحتفظ بدستورها المدنى معدلا حتى إتمام كل الاستحقاقات الانتخابية وتضع مع التيارات الإسلامية دستورا جديدا لا يلغى المبادئ الدستورية السابقة. المدهش أن دعاة إسقاط دستور 71 كانوا هم الطرف الأضعف (التيارات المدنية)، وأن من صوتوا لتعديله كانوا الطرف الأقوى (التيارات الإسلامية)، وأن الأول لم يكن قادراً على وضع أى بديل واكتفى بالاحتجاج، فى حين أن الطرف الثانى الذى اضطهد فى ظل هذا الدستور كان هو الأكثر تصالحا مع مبادئه فربح بسهولة معركة الاستفتاء ثم الانتخابات. والحقيقة أن كل معركة قامت بها الائتلافات الثورية كانت تقدم فيها هدية للتيار الإسلامى، ففراغ إسقاط الدستور ملأه الإسلاميون والفراغ الذى سينتج عن خوض معركة رفض كتابة الدستور تحت حكم المجلس العسكرى سيصب أيضا فى صالح التيار الإسلامى لأن انسحاب الجيش الفورى من إدارة المرحلة الانتقالية قبل انتخاب الرئيس وقبل البدء فى كتابة دستور جديد سيحرم كل فرقاء الساحة السياسية خاصة الطرف الأضعف من داعم محتمل قد يكون له دور اضطرارى فى الحفاظ على مدنية الدولة وما تبقى من مؤسساتها وفى تأمين الانتخابات الرئاسية بحياد شهدناه فى الانتخابات التشريعية، وفى إطفاء حرائق كثيرة قد تشعلها معركة الدستور، كما أن إتمامه الأشهر الأربعة الباقية سيحول دون خروجه السريع من الباب وعودته السريعة من الشباك. نعم يجب على من سيكتبون الدستور ألا يعطوا أى حصانة دستورية للجيش، ويجب ألا يبقى المجلس العسكرى فى الحكم أكثر من 4 أشهر، ويفتح بعد انتهاء انتخابات مجلس الشورى الباب لانتخابات الرئاسة، يتم فيها إما تفعيل دستور 71 معدلا كما كانت نتيجة الاستفتاء، أو وضع دستور مؤقت مستوحى من دستور 71، وتجرى انتخابات الرئاسة فى ظل أى من هذين الدستورين حتى تنتهى اللجنة التأسيسية من وضع دستور جديد. خروج الجيش بصورة محترمة لا يعنى عدم محاسبة أى مسؤول، مهما كانت رتبته، ارتكب أى خطأ أو جريمة فى حق مواطن مصرى، ولكنه يعنى فتح الباب لكى يجدد الجيش المصرى دماءه ويقدم قيادة جديدة تصعد عبر قواعد مهنية وليس ضغوطا سياسية. إن الحفاظ على تماسك الجيش وعلى انضباطه ومهنيته وإبعاده عن السياسة أساس لنهضة هذا البلد، وإن معركتنا الحقيقية هى بعد تسليم السلطة لأن العسكر ذاهبون، والخطر الحقيقى أن يعودوا بعد أن نفشل نحن فى القيام بواجبنا.