بعيدا عن المزايدات الفجة فى التعامل مع المجلس العسكرى هناك بعض الأصوات المتوازنة فى التعامل مع المسألة منهم المرشح الرئاسى الدكتور سليم العوا و المستشار طارق البشرى إختصرها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين مؤخرا فصرح " هم بشر يصيبون ويخطئون ولابد أن نصوب لهم خط سيرهم وأن نصحح أخطاءهم ... ولا أحد فوق المساءلة". فهذه يجب أن تكون القاعدة الذهبية للتعامل مع الجيش "الصواب و الخطأ" و ليس "هناك حصانة" و لا ما يسمى ب"الخروج الآمن". الخروج الآمن من السلطة يعنى أن يتنازل (لاحظ يتنازل) من بيده السلطة (الطرف الأول) إلى من ليس بيده السلطة (الطرف الثانى) الذى لايملك أى وسيلة لإنتزاعها إلا بإغراء الطرف الأول بحصانة قضائية تمنع الطرف الثانى من محاسبته فى المستقبل. و يفترض أيضا أن يكون الطرف الأول فى أزمة قانونية أكيدة تمنعه من تسليم السلطة خوفا من مسائلة قانونية عن إنتهاكات ضخمة و موثقة بأدلة لايرقى إليها الشك. فهل هذه هى الحال مع المجلس العسكرى ؟ هل هناك مثل هذه الإنتهاكات الفجة من المجلس العسكرى ؟ وهل تملك أى جهة فى مصر بما فيها البرلمان منح هذه الحصانة القانونية للمجلس العسكرى أو غيره؟ ولكن قبل مناقشة الموضوع يجن أن نسجل أنه مطلوب من الجيش الذى إستقبله المتظاهرون بإرتياح فى الأيام الأولى للثورة و لم يجد بعضهم أأمن من جنازير دباباته للنوم فيها أن يطهر صفوفه من العناصر الفاسدة التى قامت بالجرائم المخجلة التى آلمتنا جميعا لإصلاح مابين الجيش و الذى غضب منه من أبناء الشعب المصرى ليعود هتاف "يدا واحدة". بالرغم من شدة التيار الإعلامى الجارف و بعض التنظيمات الشبابية الثورية الجامحة إلا أننا لدينا منظومة العمل داخل الجيش : المشكلة الكبرى التى تواجه الكثير من الكتاب أو أى من يتصدى للشأن العام هو عدم معرفتهم بعمل منظومة الجيش. لابد أن يعرف الجميع أن لا أحد يتحرك فى الجيش إلا بقرار تكليف مكتوب يوقع عليه القائد و المرؤوس ويذكر فى هذا القرار الهدف من العملية و تفاصيل المهمات التى يحملها الجندى من أسلحة و ذخائر و قواعد الإشتباك. هذه المنظومة مطبقة فى الجيش لتحقيق عدة أهداف أولها تحديد المسؤولية بعد إنتهاء العمليات ثانيا الرتب الأدنى تريد أن تؤمن نفسها من المسؤولية القانونية العسكرية فى تحقيقات مابعد الحرب خصوصا فى حالة الإخفاق فما بالنا بعمليات تمارس فى الشارع وسط المدنيين!!! وعليه لايمكن أن يقوم أى من ضباط و أفراد القوات المسلحة لا بكتابة أوامر غير قانونية تدين الآمر و لا بتنفيذ أوامر شفهية غير قانونية تدين المأمور. طيب يرشح سؤال هل يمكن لمنظومة الجيش أن تعمل بأوامر شفهية أو مكتوبة تحتمل تفسيرين؟ الإجابة قطعا لا لإن كلا الطرفين الآمر و المأمور سيخاف من المسؤولية. كما لايمكن للجيوش أن تعمل على هذا المنوال و إلا أصبح فى فوضى. وعليه فإنه لايمكن صدور أوامر بإطلاق رصاص أو دهس متظاهرين أو تعرية النساء. فهذه إما أن الجنود قد فقدوا صوبهم فى حالة دهس متظاهرى ماسبيرو أو تجاوز فردى فى حالة كشف العذرية و إستخدام العنف و تعرية النساء. و منظومة الجيش عندما تحيل هؤلاء للتحقيق ففضلا عن أنه إستحقاق قانونى شعبى و لكنه لحماية المنظومة بالدرجة الأولى. هل يحتاج أعضاء المجلس العسكرى للخروج الآمن ؟ الطرف الأول : صحيح أن المجلس العسكرى عمل فى يوم 11 فبراير بموجب تفويض من الرئيس المخلوع و هو بالمناسبة غير دستورى طبقا لدستور 71 الذى كان معمولا به فى ذلك الوقت. ولكن المجلس العسكرى إكتسب شرعيته من وجهين أولها من الشرعية الثورية عندما إنحسرت موجة الإحتجاجات و تم إخلاء ميدان التحرير ثقة فى المجلس العسكرى (البعض ندم بعد ذلك ) و الوجه الآخر من الشرعية الشعبية و الدستورية المكتسبة عن طريق إستفتاء مارس 2011. التقييم السياسى و القانونى لأداء الطرف الأول : كان للمجلس العسكرى خطة سياسية أعلنها فى حينها تتضمن الإنتخابات بداية من أبريل-مايو 2011وفترة إنتقالية لاتتعدى الستة أشهر. و لكن ثارت ثائرة التيارات الليبرالية لإطالة الفترة الإنتقالية و منهم من طلب مدها إلى سنتين أو ثلاثة على الأقل. فحاول المجلس أن يرضى هذه الأطراف و لكن بحل وسط فأخر الإنتخابات بحيث دعا إليها قبل إنتهاء الستة أشهر الفترة الإنتقالية المنصوص عليها فى الدستور و أطال فترة الإنتخابات فإمتدت الفترة الإنتقالية إلى 18 شهرا على إعتبار أن إنتخابات رئاسة الجمهورية ستنتهى فى شهر يويو 2012. الأخطاء السياسية : أكبر خطأ سياسى إرتكبه المجلس عندما إستجاب لدعوات إطالة الفترة الإنتقالية التى أصبحت هى أم الشرور. فإنقلبت عليه التيارات الليبرالية خصوصا بعد فشلها فى تحقيق نجاحا فى الإنتخابات و تولد الشك لدى التيارات الإسلامية خصوصا بعد بروز عدة محاولات لصياغات دستورية فيها أولا إفتئات على حق الشعب عن طريق نوابه فى كتابة الدستور أو إعطاء دور حارس الديمقراطية للجيش و إعطاؤه إمتيازات دستورية تجعله خارج المسائلة و الرقابة (محاولات الجمل و السلمى). الفشل الأمنى و الإقتصادى : أما الخطأين السياسيين العظيمين فهما فشل الجيش فى حل مشكلة الأمن و الإقتصاد. أما فى ملف الأمن فلم يفكك الجيش وزارة الداخلية و يبنى أخرى و قد كان قادرا على ذلك لكن للأسف كانت سياسته تقوم على الإصلاح من الداخل وهى سياسة أثبتت و ستثبت فشلها. أما ملف الإقتصاد فقد تأثر بالفشل الأمنى و أيضا لم يتم إسناد الملف الإقتصادى إلى شخصيات ذات تفكير براجماتى. فكل من تولى الوزارة هم من ذات النظام الإقتصادى و حاولوا أن يستخدموا ذات الآليات التقليدية للنظام. الإنتهاكات القانونية و الحقوقية : هناك إنتهاكات قانونية و حقوقية قام بها بعض ضباط و أفراد الجيش فى التعامل مع المتظاهرين و المعتقلين. بدأت بكشف العذرية و إنتهت بالمشهد المخزى الذى سحلت فيه فتاتان وتعرت إحداهن فى قدس أقداس الثورة المصرية مرورا بحادثة ماسبيرو وأحداث شارعى محمد محمود و القصر العينى. ولا يكفى الإعتذار و الإحالة للتحقيق بل لابد أن نحاط علما بالتفاصيل الدقيقة لهذه التحقيقات و الأحكام التى تصدر فيها هل هذه الإنتهاكات سياسة عامة فى ممارسات الجيش أم فردية ؟ لم تسجل مثل هذه الحوادث فى أى من الأماكن التى يتواجد فيها المتظاهرين سواءا فى ذات المكان مرة أخرى ماسبيرو و التحرير أو فى أماكن أخرى فى المحافظات المختلفة. فلم يصبح هذا السلوك ملازما لمعظم الوحدات العسكرية المتواجدة فى الشارع. وعليه فهى ممارسات محدودة بالمكان و محصورة فى الأفراد الذين قاموا بها. ملخص الموقف القانونى للمجلس العسكرى الأعلى : الأخطاء السياسية هذه أمور حكم يؤخذ فيها ويرد وخاضعة للمناقشة و التصويب و كثيرا ماتراجع المجلس و صوب آراء بعض منتسبيه عن طريق رئيسه أو عن طريق قرارات فعلية. أما الإنتهاكات القانونية و الحقوقية فبالرغم من صدمتنا الشديدة منها إلا أن الإنصاف يقتضى أن نقول أنها لا تتعدى مستوى الفرد الذى قام بها و المستويات الدنيا من القيادات إن ثبت عليها المشاركة فيها. و حسب منظومة العمل داخل الجيش لايمكن أن تكون هناك أوامر مكتوبة.فبحد أقصى ستدين المحكمة العسكرية الفرد و الضابط المباشر ولكن تبعا لمنظومة الجيش يقوم المستوى الأعلى بإصدار أوامر عقابية على عدة مستويات أخرى لأنهم لم يقوموا بتأهيل المستويات الدنيا أو ما يدعى عسكريا بغياب الإنضباط من الجندى الذى إرتكب هذه الجرائم. وعلى ذلك فالمجلس العسكرى الأعلى لايتحمل أكثر من المسؤولية التضامنية السياسية و ليست الجنائية فى كل هذه الحوادث التى حدثت خلال المرحلة الإنتقالية. الخلاصة : لم تقل أكثر تيارات الثورة تطرفا أن قوات الجيش أطلقت الرصاص أو دهست المتظاهرين أو عرت النساء فى أشد الأوقات حرجا أى خلال الأيام الأولى للثورة أى يناير و فبراير 2011. فإذا كان الوضع كذلك فهل يعقل أن يقوم الجيش (كسياسة و ليست حالات فردية) بالقيام بهذه الأعمال فى أوقات أقل سخونة و أعدادا متظاهرين أقل و لاتمثل تهديدا يذكر؟ قال البعض إن الأمور قد تغيرت بعد الثورة و الجيش أصبح طامعا فكان لابد من إرهاب التيارات الثورية للسكوت عن إستئثار الجيش بالسلطة ؟ الإجابة تكون بسؤال آخر وهل من يطمع فى الإستئثار بالسلطة ينظم أنزه إنتخابات فى تاريخ مصر و يدعو البرلمان للإنعقاد يوم 23 يناير ليتسلم السلطة التشريعية و الرقابية ويقرر الدعوة لإنتخابات الرئاسة فى 15 أبريل ليتم تسليم السلطة فى يونيو؟ و عليه فلا توجد دلائل مؤكدة و مدعومة بأدلة و براهيين على وجود سياسة عامة داخل الجيش لهذه الإنتهاكات. و ليس المجلس العسكرى محشورا فى زاوية قانونية مؤكدا فيها عقاب أفراده. وإن كنا مصرين على التحقيق الشفاف و عقاب المخطئين. إذا المجلس العسكرى لا يحتاج لإتفاق "الخروج الآمن" فضلا عن أنه لاتملك أى جهة فى مصر بما فيها البرلمان إعطاء المجلس العسكرى أو غيره حصانة قانونية ضد المسائلة. ومن ناحية أخرى مطلوب من الجيش الذى لم يجد المتظاهرين أأمن من جنازير دباباته للنوم فيها أثناء الثورة تطهير صفوفه من العناصر الفاسدة ليلتئم الجيش و الشعب يدا واحدة كما كانوا دائما.