«الخروج الآمن» مصطلح عرفه الرأي العام المصري للمرة الأولي عندما طرحه الإعلامي «عماد الدين أديب» كحل لتأمين خروج الرئيس السابق من السلطة بدون ملاحقة.. والآن تناثرت أقاويل ومبادرات لعدم مساءلة المجلس العسكري بعد تسليمه السلطة، وإن كانت أغلب الإشارات الواردة بهذه الأفكار قادمة من جهة الإخوان المسلمين بما يثير الشكوك حول وجود «صفقة» بين المجلس والإخوان وهذا ليس مستبعداً علي الجماعة التي اعتادت الصفقات مع السلطة منذ تأسيسها علي يد الشيخ حسن البنا!! المبادرة تطرح تساؤلات أهمها: هل حصد التيارات الإسلامية لأغلبية مقاعد البرلمان الجديد يعطيهم الحق في ترتيب أوراق «الخروج الآمن» دون الرجوع لباقي الأطراف السياسية وعناصر المجتمع بل والأهم يعطيهم الحق في اتخاذ إجراءات والتحدث باسم أهالي الشهداء والمصابين الذين وصلت إصابات بعضهم إلي فقد البصر مما جعل البعض يري أن تلك المبادرة خيانة لدماء الشهداء والمصابين واستخفافا بأهالي الشهداء الذين يتحسرون كل لحظة علي فقدان ذويهم. كما تطرح تساؤلا آخر حول: هل الوضع الخاص للمؤسسة العسكرية في الدستور القادم الذي تحدث عنه الدكتور «سعد الكتاتني» - المتحدث الإعلامي باسم حزب الحرية والعدالة - ضمن مبادرة الخروج الآمن! البعض وافق علي المبادرة كنوع من أنواع اليأس من المجلس العسكري الذي لم يتخذ قرارات وخطوات ثورية وكذلك كحل للخروج من مأزق المرحلة الانتقالية وسد أي باب لمبررات إطالة المرحلة وبقاء العسكري في الحكم والإدارة، وهذا ما تروجه جماعة الإخوان المسلمين أيضاً حيث تروج لأن المبادرة ستعمل علي عدم ترك مصير البلاد مفتوحاً لسيناريوهات المؤامرات الخارجية أو الداخلية، وأن خوف العسكري من الملاحقة القضائية ربما يدفع لمزيد من المصادمات. د. محمود غزلان - المتحدث الرسمي باسم الجماعة - التي لا نعرف ما وضعها بالنسبة للقرار السياسي لحزب الحرية والعدالة خرج بكلام محدد قائلاً: الجماعة مستعدة للموافقة علي أن يتنازل المجلس العسكري عن السلطة دون أن يلاحق وإعطاء أعضائه ضمانات بعدم المحاكمة والخروج الآمن، حتي لا يؤدي غير ذلك لصراع ومعارك لا تحمد عقباها. وأضاف: الإخوان مستعدون لأن يعفوا عن التجاوزات المالية للمجلس العسكري، كذلك تجاوزاته في قتل بعض الشهداء، بالإضافة إلي تقديم المجلس العسكري لاعتذار ودفع فدية لأهالي الشهداء، لافتاً إلي أن الهدف من ذلك أن يكون تسليم السلطة للمدنيين بشكل آمن خاصة أن «العسكري» حمي الثورة. هذا ما قاله غزلان بالنص وعندما اتصلنا به قال لنا: لقد وضحت رأيي علي موقع الجماعة بعدها بأيام تحت عنوان «توضيح للدكتور غزلان» قال فيه: «كلامي كان منصبّاً بالدرجة الأولي علي المسائل ذات الطبيعة المالية أو الإدارية للمجلس العسكري، أما بالنسبة لمسألة الشهداء، فالأصل أن تتم محاكمة القتلة ويُقتص منهم - إن كانوا معروفين - أما إذا رأي أولياء الدم أن يعفوا مقابل الدية فهو أمرٌ يرجع إليهم، ومن ثَمَّ فيجب حصول أهالي الشهداء والمصابين علي حقوقهم كاملةً طبقاً للضوابط المنظمة لهذا الموضوع، وأنه اعتقد أن في هذا الرأي المصلحة العليا للوطن وإخراجه من حالة الاضطراب وتفاديه لمخاطر الصدام. بعد تصريحات «غزلان» شنت عدد من القوي السياسية والجماعات الثورية هجوماً علي الجماعة باعتبارهم ظلوا صامتين تجاه الممارسات العنيفة ضد الثوار مثل سحل وتعرية الفتيات وفقء العيون وكشف العذرية وتركوا حقوق هؤلاء ليتحدثوا عن الخروج الأمن للمجلس العسكري، فمثلاً القيادي بالجمعية الوطنية للتغيير د. «أحمد دراج» رفض الخروج الآمن من منطلق رفض التفريط في حقوق الشهداء الذين قتلوا في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء في حين اعتبرته الكاتبة سكينة فؤاد خيانة لدماء الشهداء أما الداعية الإسلامي الشيخ وجدي غنيم فعارض بشدة منح حصانة للمجلس العسكري ضد المساءلة القانونية وقال في تسجيل صوتي علي موقع «يوتيوب»: «بأي صفة يتكلم غزلان عن منح حصانة للمجلس العسكري، هل هو ولي دم ليتكلم عن الخروج الآمن للمجلس العسكري؟ فلدينا حوالي 0001 شهيد و0005 مصاب ومن يتكلم عنهم هو ولي الدم فقط»، واستنكر غنيم ما ردده غزلان عن استرضاء أهل الشهداء ودفع الدية لهم، مؤكداً أن «دفع الدية يأتي فقط في حالة القتل الخطأ، أما العمد فلابد من القصاص أو ما يقرره ولي الدم». أهم من بارك المبادرة بالطبع هو مرشد الإخوان «محمد بديع» حيث قال إن الخروج الآمن لأعضاء المجلس العسكري وعدم مساءلتهم قانونيا بعد تسليم السلطة للمدنيين، هو نوع من «التكريم» له، بحسب وصفه، أما المستشار «محمود الخضيري» فذهب لأبعد من ذلك حيث قال: «لا أعتقد أن هناك مصريا مخلصا يطالب بحساب العسكري علي الماضي، لأننا نشعر تجاه العسكري بالامتنان، ورحب بالخروج الآمن موضحاً أنه قد ينص عليه بقانون بمجلس الشعب لمنع ملاحقة أعضاء المجلس العسكري مبرراً، ذلك بأننا لا نريد مشاكل أكثر من ذلك فالوقت قد مر، وعملية البناء لم يتم وضع طوبة واحدة فيها وأنه يعتقد أن الخروج الآمن هذا سيكون في مصلحة مصر، وتساءل: «ماذا نستفيد من ادخال هؤلاء إلي قفص الاتهام ومحاسبتهم، علي عكس النظام السابق الذي ظل في مواجهتنا وأصر علي البقاء والتخريب ولهذا أصررنا علي محاكمته». أما الدكتور «علي السلمي» - نائب رئيس الوزراء الأسبق - فصرح خلال ندوة لنادي روتاري بنادي الجزيرة بأن المنحة المقدمة من الإخوان «حزب الحرية والعدالة» للخروج الآمن للمجلس العسكري تعتبر إهانة للمجلس إذا قبل بها. مضيفاً: «إن قبولنا أو رفضنا لأداء المجلس العسكري منذ تنحي مبارك وأسلوب إدارته قد نختلف حوله، لكن يجب أن نضع في الاعتبار أن العسكري وقف بجانب الثورة والثوار وعرض نفسه لاحتمالية الإعدام، عندما قرر أن يجتمع دون الرئيس السابق يوم إعلانه للبيان الأول الذي أكد فيه أن المجلس العسكري في حالة انعقاد دائم». وبعد الضجة التي أثارتها تصريحات غزلان تسربت أخبار أخري عن انقسام داخل جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة حول الخروج الآمن للمجلس العسكري وأنه قد ينذر بانقسام حاد مستقبلاً، ثم تسريبه.. أخري بأن هناك مصدرا مطلعا داخل الحزب رفض ذكر اسمه صرح بأن الاتجاه الغالب داخل الحزب هو المؤيد للجماعة بمسامحة المجلس العسكري عن أخطائه الماضية، لكن يجب محاسبته علي أخطائه في حق المصابين والشهداء بتقديم القيادات المسئولة عن إطلاق الرصاص للمحاكمة العاجلة. ثم تخرج علينا التصريحات المعهودة التي تحمل المعني ونقيضه في ذات الوقت، كتلك التي أطلقها القيادي «حمدي حسن» حينما صرح أنه يجب أن نسامح المجلس العسكري علي أخطائه التي ارتكبها قبل ثورة 52 يناير، وكذلك علي الفترة الانتقالية الماضية، أي بعد الثورة مشيراً إلي أن هناك الكثير من الناس ينزعجون من جملة «الخروج الآمن للمجلس العسكري» وأنه يرفضها لأن المجلس العسكري ليس مذنباً وهنا يناقض نفسه فكيف يطالب الناس بمسامحة المجلس علي أخطائه ثم يعتبره غير مذنب! الدكتور «عصام العريان» - نائب رئيس الحزب - ختم هذا السيناريو بأن قال إن مقولة الخروج الآمن تمثل إهانة لكل المصريين وللمجلس العسكري وأنه يرفضها رفضاً تاما، وأكد علي عدم وجود أي صفقات تعقدها جماعة الإخوان في الخفاء، وأكد أيضاً علي ضرورة القصاص من قتلة الشهداء إن عرفوا بالطبع.. الطريف أن هذا التصريح اقترن بتصريح آخر وهو أن الإخوان أقل القوي السياسية اتصالا بالمجلس العسكري! «سعد الكتاتني» ذهب لأبعد من هذا في هذا السيناريو العبثي حيث تساءل قائلاً: «من الذي يثير هذا الجدل الآن.. ويريد أن يفسد العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة، والتي نثق أنها ستسلم السلطة في الموعد الذي حددته». «حمدي حسن» - القيادي بحزب الحرية والعدالة - قال لنا: «المجلس العسكري تحمل المسئولية في أوضاع حرجة وإذا كانت هناك أخطاء ارتكبت فيجب أن نسامحه عليها لأنه سيوفر لنا الانتقال السلمي حيث تمت انتخابات مجلس الشعب بسلام وكذلك نأمل أن يتم وضع الدستور وانتخاب الرئيس الجديد». «حسن» أضاف: «أري أن الدعاوي بالمحاكمة والمحاسبة تدفع إلي مزيد من الاحتقان وهذا ما لا نريده وخاصة أن الجرائم التي ارتكبت كان المجلس العسكري مضطرا إليها نتيجة المندسين والخارجين عن القانون والداعين للفوضي ممن يريدون هدم الدولة». كلام حمدي حسن يحمل منطقا مغلوطاً فلا يوجد أي مبرر في الحياة يبرر القتل ولم نسمع أن أحدا تم العفو عنه لأنه اضطر لارتكاب جريمة. المستشارة «تهاني الجبالي» قالت لنا: «كلمة الخروج الآمن لا يجب أن تطلق علي الجيش وهناك من يزايد ومن لديه شيء ضد الجيش فليذهب ويقدمه، ولابد أن يراجع كل ما يقال في إطار لعبة شد حبل في عملية سياسية كل طرف بها لديه حسابات يحاول أن يضعف من قوة الأطراف الأخري ويجب أن يكون خروجهم خروج الأبطال وأن يكرموا علي الدور الذي لعبوه في بناء المؤسسات». أما عن المحاسبة والمحاكمة فقالت: «المحاسبة لا يجب أن تستثني أحدا وإذا كان هناك ما يستدعي أن يحاسب فإنه يجب محاسبة جماعة الإخوان المسلمين لكي نعرف لأي قانون هي خاضعة والأموال التي تصرفها بالملايين من أين لها تلك الأموال.. فهناك محاولة لتلويث الجيش وقياداته وأرفض ذلك» وعندما سألناها عن الجنود الذين سحلوا المتظاهرين وأطلقوا النار عليهم وذلك مسجل بالصوت والصورة ردت: «هذا كله خاضع لتحقيقات النيابة وهناك أطراف أخري مشاركة في الأحداث الأخيرة ولم يعلن عنها حتي الآن لأن الإعلان عنها قد يتسبب في قطيعة مع دول. ( نبيل عبد الفتاح ) الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يري أن الحديث عن الخروج الآمن هو محاولة لجس النبض من قبل جماعة الإخوان المسلمين وعناصر في المجلس الاستشاري ورئيسه وبعض شيوخ الحزب الوطني المنحل والذين تحولوا لجزء من المشهد السياسي في البلاد لإشاعة هذا الاتجاه داخل الرأي العام المصري والأولي أن تتم الدعوة لفتح التحقيقات عما جري في خلال المرحلة الانتقالية وأن جماعة الإخوان المسلمين تطرح من الحين للآخر فكرة الخروج الآمن في مقابل أن يسمح لها بالسيطرة علي وضع الدستور القادم دون تدخل وفي مقابل ضمانات أخري غير المساءلة القانونية مثل تلك التي تتعلق بوضع المؤسسة العسكرية.. الدكتور (كمال الهلباوي) - المتحدث السابق باسم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين - قال لنا: إنه لابد من محاكمة من أعطي الأوامر بقتل الثوار في ماسبيرو ومحمد محمود وقصر العيني لأن هؤلاء الثوار لهم فضل علي الجميع وأنه يرفض تماما الخروج الآمن وأن تلك الفكرة هي إرهاصات الأزمة التي ستنفجر عند وضع الدستور لأن المجلس سيكون حريصا علي فرض الوضع الاستثنائي ، حيث يريد ألا تخضع الميزانية للمحاسبة ولا الرقابة ويريد استقلالية كاملة ووضعا متميزا فهو يريد أن يطمئن علي هذا الوضع الاستثنائي الذي سيحققه له المجلس الاستشاري والهيئة التأسيسية لوضع الدستور، وإذا لم يستجيبا له ستحدث مشكلة كبيرة مع المجلس العسكري وإذا استجابا ستكون هناك أزمة بين الثوار والمجلس فتلك الأزمة ستنفجر حتما.. ولكن الهلباوي يري أنه ليس من حق أي جهة سياسية أن تمنح حصانة أو خروجا آمنا. (زياد العليمي ) الناشط السياسي قال لنا إن الحديث عن الخروج الآمن كان من الممكن تقبله إذا طرح في مارس أو أبريل الماضي ، ولكن بعد كل تلك الجرائم التي حدثت لا يمكن الموافقة عليه إطلاقا لأن المجلس العسكري مسئول عن القتل سياسيا لأنه الحاكم الفعلي للبلاد وأضاف زياد: إن قرار الخروج الآمن هو حق أصيل لأهالي الشهداء والمصابين فقط ، وليس من حق أي جهة أخري الحديث عنه وأن الإخوان كانوا يشكرون المجلس العسكري عندما كانت الناس تقول إن المجلس يخطئ وعندما بدأت الناس تتحدث عن المحاكمات هم يتحدثون عن الخروج الآمن.. ويري زياد أن الإخوان في تعاملاتهم مع المجلس العسكري لا يغفلون حقيقة أنه الطرف الذي لديه الدبابات والسلاح. ( مصطفي شوقي ) - عضو ائتلاف شباب الثورة - قال : هناك جناحان داخل المجلس العسكري جناح يرأسه المشير طنطاوي وهو الجناح الذي يريد أن يسلم السلطة لأنه بلغ من العمر أرذله ولديه خبرة تجعله يدرك أن أفضل الحلول هو تسليم السلطة ، ولكنه يريد قبل أن يرحل أن يؤمن ويحافظ علي الإمبراطورية الاقتصادية للجيش وأن يضمن البديل للولايات المتحدةالأمريكية، أما الجناح الآخر والذي يقوده سامي عنان فهو الجناح الذي لا يرغب في تسليم السلطة ولا يقبل فكرة الخروج الآمن لأنه يعرف أن الجماهير لن تترك المجلس العسكري بعد كل تلك الجرائم التي ارتكبها بدون محاسبة فالخروج غير مضمون وإنما الضمانة الوحيدة أن يظل في خلفية المشهد السياسي من خلال مجلس الدفاع الأعلي وحماية الشرعية الدستورية وقرار الحرب والسلم وهو ما يشبه مجلس الأمن القومي التركي، وهذا تقريبا الجناح القادر علي فرض إرادته وقد تتضمن فكرة الخروج الآمن التي يطرحها الإخوان هذا.. يري شوقي أن المبادرة يطرحها الإخوان في تلك اللحظة ككارت ضغط لفرض شروط أفضل فيما بينهما. الناشط السياسي ( باسم فتحي ) يري الخروج من تلك الأزمة فيما يسمي بالعدالة الانتقالية وهي تختلف عن الخروج الآمن في أنه لن يتم العفو عن الجميع أي أنه لا يكون عفوا مطلقا، ولكن عن أشخاص بعينهم في النظام القديم في مقابل الإدلاء بمعلومات تساعدنا علي إعادة هيكلة المؤسسات والتطهير من الداخل والكشف عن انتهاكات النظام القديم وتفكيك آلته القمعية.. وتكون هناك لجان حقيقية مسئولة عن ذلك والباقي يقدم للمحاكمة وهذا النظام سيساعدنا علي معرفة أجهزة أمنية لا نعرف عنها شيئاً ولا يمكن بناء الدولة الديمقراطية الحديثة بدون تطهيرها.. باسم يقول إن هناك الخروج الآمن كما يطرحه الإخوان فيه تنازلات كبيرة وإجحاف بحق أهالي الشهداء والمصابين وأنه لابد من الجلوس معهم أولا قبل اتخاذ مثل تلك القرارات وأن تكون هناك هيئة مؤسسية تضمهم جميعا. تحدثت مع والد الشهيد شهاب أحمد سيد وهو من شباب الألتراس الزمالك والذي كان يدرس بكلية السياحة والفنادق وقتل في أحداث محمد محمود وكنت قد علمت أنه في الأيام الماضية قام بزيارته أحد أفراد الشرطة العسكرية وسأله عما يرضيه فرد بأن القصاص هو الشيء الوحيد الذي يرضيه وأن أزمته ليست مع من زاره أو زملائه ولكن مع من يعطيهم الأوامر.. سألته عن رأيه في الخروج الآمن فرد علي قائلا: ( أنا عملت محضر ضد وزير الداخلية والمجلس العسكري ولن أتنازل عنه)!!