الأزمة التى تمر بها البلاد حاليا لها شقان أحدهما يتعلق بطول المرحلة الانتقالية وسوء أداء المجلس العسكرى، والثانى خاص بخطورة أن تجرى انتخابات الرئاسة دون أى غطاء دستورى من أى نوع، والمؤكد أن بطء الإجراءات السياسية، وعدم وجود لغة للحوار السياسى بين المجلس والشعب، وعدم اتخاذه أى إجراءات إصلاحية جذرية، عقدت من مشكلات المرحلة الانتقالية. ورغم تفهمنا أن الجيوش المهنية المحترمة ليس من مهامها الثورة ولا اتخاذ إجراءات ثورية، فتصبح مشكلة المجلس العسكرى أنه بقى عاماً فى السلطة وطبيعته لا تسمح له بأن يكون ثوريا، ولم يكن مطلوبا منه أن يغير جلده، إنما أن يسلم السلطة فى غضون 4 أو 6 أشهر لسلطة مدنية، لا أن يبقى أكثر من عام ليرتكب كل هذه الأخطاء. وقد ترتب على هذه الإدارة المرتبكة اتخاذ واحد من أسوأ القرارات متمثلا فى إسقاط دستور 71، وهنا تلاقت رغبة الشباب فى التمرد على كل ما له علاقة بالدولة المصرية التى لم ترعهم ومنه دستور 71 مع قرار المجلس العسكرى بإسقاطه لصالح الإعلان الدستورى. والغريب أن المجلس لم يعِ أنه حارس النظام الجمهورى والدولة المدنية بدستورها وقوانينها، فقدم للشعب المصرى واحداً من أسوأ قراراته حين حول نتيجة الاستفتاء من نعم على دستور 71 معدلا ب 8 مواد (أكثر من 77% صوتوا بنعم لصالح الدستور المعدل) إلى إعلان دستورى، وساهم مثلما فعل كثير من الائتلافات الثورية فى إسقاط دستور مدنى لصالح الفراغ، ودون أن يمتلك خريطة طريق واحدة لتقديم بديل يليق بمصر المستقبل. إن قرار المجلس العسكرى بتقديم إعلان دستورى ليعطى لنفسه صلاحيات رئيس الجمهورية كان قرارا كارثيا لأنه أسقط دستور دولته وجمهوريته التى أسسها ضباطه الأحرار دون أن يقدم بديلا واضحا، فمصر فى ذلك الوقت لم يكن لديها إلا أن تقوم بالحل المثالى الجذرى، أى أن تضع دستورا جديدا قبل إجراء الانتخابات أو أن تستمر بالعمل ب«دستور 71 معدل» كما صوت الناس، وتجرى فى ظله كل الانتخابات، وتضع دستور الثورة عبر حوارات وتوافقات حقيقية قد تأخذ عاما وربما أكثر. ومع مطالبة الكثيرين (على حق) بضرورة تبكير موعد انتخابات الرئاسة، بما يعنى استحالة إتمامها سواء فى الموعد المقترح أو الموعد الذى حدده المجلس العسكرى عقب كتابة الدستور الجديد، تصبح هناك مخاطر حقيقية فى انتخاب رئيس غير محددة صلاحياته وفى ظل غياب الدستور. والحل نراه فى شقين يدوران حول رقم 71: الأول يتمثل فى العودة إلى ما صوت عليه الشعب بأغلبية كبيرة وهو «دستور 71 معدل» وإجراء الانتخابات الرئاسية فى ظل دستور ستتوافق معظم الأحزاب على أبوابه الأربعة الأولى بشكل تلقائى، ويمكنها بعد ذلك أن تعدل بعض مواد الباب الخامس الخاصة بالنظام السياسى وصلاحيات رئيس الجمهورية، والثانى هو وضع دستور مؤقت مستلهم من دستور 71 على أن يجرى العمل على كتابة دستور مصر الدائم عن طريق اللجنة التأسيسية عبر رحلة طويلة من الحوار والتوافقات. إن تفعيل دستور 71 قد يكون بداية طريق الخروج من الأزمة الحالية سواء أجرينا انتخابات الرئاسة فى شهر مارس أو مايو، فالنتيجة أننا سننتخب رئيساً له صلاحيات محددة وسنضع دستوراً يقسم على احترامه. [email protected]