محافظ الأقصر يتفقد غرفة العمليات بالشبكة الوطنية قبيل غلق باب التصويت باللجان الانتخابية    وزير الثقافة يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    إقبال كثيف من الناخبين على لجان الانتخابات بمحافظة الجيزة في نصف اليوم الثاني    الشوربجى: صحافة مصر معكم ترصد الإنجازات وتوثق قصص النجاح    الرئيس السيسي: مصر تؤكد رفضها القاطع للإضرار بمصالحها المائية    تفجير انتحاري أمام محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصًا ويصيب العشرات    ماكرون: فرنسا ستشكل لجنة مشتركة مع السلطة لتعزيز إقامة دولة فلسطينية    كأس العالم للناشئين| منتخب مصر يضرب موعدا مع سويسرا في دور ال32    الجامعات المصرية تشارك في البطولة العالمية العاشرة للجامعات ببرشلونة    مصرع شخص سقط من الطابق ال 17 بعقار في الإسكندرية    6 ديسمبر، محاكمة عصام صاصا و15 آخرين فى مشاجرة ملهى ليلي    زينة تكشف عن شخصيتها في فيلم «بنات الباشا» قبل عرضه في مهرجان القاهرة    «آن»: علمت بطلاقى من «كريم» على إنستجرام!    إبداعات مصرية تضىء روما    كيف تحافظين على الحرق نشطًا بدون حرمان أو دايت قاسي    تحديد موعد إقامة سوبر اليد بين الأهلي وسموحة في الإمارات    انقطاع التيار الكهربائى عن 24 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    هذا ما وعد به ممداني كعمدة وهل سيتمكن من تحقيقه؟    السقا وباسم سمرة وشيرين رضا.. القائمة الكاملة لأبطال فيلم «هيروشيما»    مراسل إكسترا نيوز بالبحيرة: إقبال تاريخى وتسهيلات لوجستية للناخبين    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    مصرع وإصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة أثناء متابعة الانتخابات بأسوان    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    تأجيل لقاء المصرى ودجلة بالدورى ومباراتي الأهلى والزمالك تحت الدراسة    سفير تركيا: فيدان يستقبل وزير خارجية مصر غدًا في أنقرة للتحضير لمجلس التعاون الاستراتيجي    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    «بيحطوا روج للتماثيل».. فتيات يثيرن الجدل خلال زيارتها للمتحف المصري الكبير (صور)    محافظ الإسكندرية: انتخابات النواب 2025 تسير بانضباط في يومها الثاني    المنظمة الدولية للهجرة تحذر من قرب انهيار عمليات الإغاثة في السودان    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    أوغندا تهزم فرنسا في كأس العالم للناشئين وتتأهل "كأفضل ثوالث"    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    ليفربول يبدأ مفاوضات تجديد عقد إبراهيما كوناتي    الاتحاد الأوروبي يخطط لإنشاء وحدة استخباراتية جديدة لمواجهة التهديدات العالمية المتصاعدة    الحكومة المصرية تطلق خطة وطنية للقضاء على الالتهاب الكبدي الفيروسي 2025-2030    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    بعد الأزمة الصحية لمحمد صبحي.. شقيقه: وزير الصحة تواصل مع أبنائه لمتابعة حالته (خاص)    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    شباب بتحب مصر تُشارك في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP30    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    شاب ينهي حياة والدته بطلق ناري في الوجة بشبرالخيمة    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    التغيرات المناخية أبرز التحديات التى تواجه القطاع الزراعى وتعيد رسم خريطة الزراعة.. ارتفاع الحرارة وتداخل الفصول يؤثر على الإنتاجية.. ومنسوب سطح البحر يهدد بملوحة الدلتا.. والمراكز البحثية خط الدفاع الأول    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    "البوابة نيوز" تهنئ الزميل محمد نبيل بمناسبة زفاف شقيقه.. صور    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    انتخابات مجلس النواب 2025.. توافد السيدات والفتيات على لجان الاقتراع بالمنيا    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إيديتا للصناعات الغذائية تعلن نتائج الفترة المالية المنتهية فى 30 سبتمبر 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهال علام تكتب: شاديةُ القلوب
نشر في صدى البلد يوم 11 - 02 - 2024

الخميس وما أدراك ما الخميس لطالب اجتهد من الجمعة لظهيرة الونيس، وحديثي عن طالب مرّ عليه عدة أجيال والكثير من التداعيات الزمنية والتحولات المصيرية، ولا أتجه بحديثي لطلبة تلك الأيام الذين لا يعلمون الفرق بين ثلاثائهم وخميسهم، وربما ذكرت تلك الذكريات في العديد من المناسبات فهي الرفيقة الرقيقة التي تطبب تحديات الحياة القاسية القبيحة.
امتلأت ذكريات الخميس بصناع البهجة والضحكة، ودعاة الحكمة ورواد الواقعية في أفلام الظهيرة وسهرة ليلة الجمعة الأثيرة على مسرحية من العيار الثقيل، تلونت حياتنا بضحكات إسماعيل ياسين وخفة دم القصري وزينات صدقي، وأجواء الباشوات التي عشناها مع عظمة زكي رستم، والنصب الشيك على يد ستيفان روستي، واللامنطقية التي نتقبلها بسعة صدر من أجل عيون أغنيات فريد الأطرش العاطفية، وتركيبة عبد السلام النابلسي المتغطرس اللطيف، وغيرهم ممن لن تتسع سطور مجلد من ألف صفحة لنذكر أسمائهم فقط دون حتى أن نكتب حرفاً للتعقيب.
فلكل منا بصمة، وشخصية تميزه كالعصمة ومن لا يلتفت لمواطن قوة شخصيته وتميزها فذلك وصمة، ستحرمه البقاء بعد الرحيل والتواجد عند الفناء، وألا يُذكر اسمه عندما يأتي المساء في جلسات النساء أو عندما ترتفع أيدي الرجال للدعاء بالرحمة وأعينهم صوب السماء.
وبالطبع من فراشات تلك المرحلة كانت شادية، دلوعة الشاشة المصرية والعربية بلا منازع، في زمن كانت فيه سمة الدلع صفة أنثوية جميلة وليست سُبة تدل على أخلاق رقيعة، بل دلالة على تركيبة فريدة وخفة دم وروح وبساطة وتلقائية رفيعة.
إنها فاطمة أحمد شاكر ابنة الشرقية التي ولدت في 1931 لأسرة مصرية مستورة وبسيطة عاشت في الحلمية، حيث أن والدها كان مهندساً في الخاصة الملكية وأمها تنتمي لأصول تركية، ويبدو أن تلك الأسرة كانت استثنائية في طريقة تفكيرها وتعاملها مع الحياة بصورة غير تقليدية، ففي ذلك الوقت الذي يعود لأكثر من مئة عام، فوالدة شادية السيدة خديجة جائت لمصر تحتمي بها بعد أن توفى زوجها وترك لها طفلتين صغيرتين، فاضطرت للهروب من تركيا التي ولدت وتزوجت بها وبعد وفاة زوجها خشية أن ينتزع أهله منها بناتها، وحلت ضيفة على عائلة شاكر التي زوجتها أحد ابنائها بل وكتب طفلتيها على أسمه وانجب منها ثلاثة أبناء أصغرهم "فتوش" كما اعتادت أن تطلق عليها أمها، أي فاطمة بالتركية.
شادية.. تلك الجميلة التي ظهرت موهبتها الغنائية في سن الخامسة عشر وهي طالبة ولكن تلقتها أيادي العناية المدرسية وصدفة عن طلب وجوه سينمائية، حتى اقتحمت الشاشة الفضية فاقتحمت قلوب الجماهير من باب الحب والدلال والقرب والشقاوة والخفة والغرام على مدى خمس وسبعين عام، وفي هذا الشهر الذي يشهد ميلادها وتسابق القنوات الفضائية على عرض أفلامها، وتعاقب عرضها كان شهادة لاثبات جدارة تتويجها معبودة الجماهير وحبيبة الملايين حتى بعد مرور قرابة الأربع عقود على اعتزالها، وسبع سنوات على رحيلها، لذا طرق عقلي سؤال طرأ من شبابيك ابداعها، هل في جيلنا فنان سيذكره الجمهور بعد أن تقترب مسيرته من المئوية أو حتى نصفها!
ولا أدري أهي صدفة التصقت بها أم كان ذلك اختيارها أن تكون غالبية أعمالها بميزان العدل، الخير الذي ينتصر على الشر، الحب الذي يسود، والظلم الذي يذهب ولايعود، والمخطئ الذي يتوب والعاصي الذي يهتدي ويعتذر وينوب، شادية من الفنانات القليلات اللواتي جسدت كل الأدوار الإنسانية والطبقات الاجتماعية لكن ربما لم نراها في أعمال تاريخية وذلك ليس ذنبها بل ما اتسمت به تلك الفترة الزمنية بعد سقوط فيلم الناصر صلاح الدين تجاريا احجم المنتجون عن هذا النوع الشائك من الانتاج العالي التكلفة والمنخفض الإيرادات.
أحببنا الدلوعة صدقاً لذا عندما غنت يا حبيبتي يا مصر صارت أيقونة وطنية، تأتي في المنزلة الأقرب للنشيد الجمهوري، وعندما انتفضت خلجاتها مرددة جه حبيبي وخد بأيدي...قلت له أمرك ياسيدي صدقناها وأحترمنا رغبتها في الاعتزال والانعزال.
مسيرة طويلة تجاوزت 112فيلم وعشر مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة، منهم ستة أفلام في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، و32 فيلم مع چان السينما المصرية كمال الشناوي الذي تزوج أختها من والدتها السيدة عفاف شاكر.
لم تشارك شادية في مسلسلات درامية على الشاشة التلفزيونية، ربما ذلك بسبب أن توقيت اعتزالها جاء في ذروة انتعاش الدراما التلفزيونية وتراجع السينما وربما كان ذلك التراجع المتوقع في بساط السينما من دوافع قرار اعتزالها، فتلك التباديل والتوافيق لايتاح للبعض التوائم معها.
وقبل اعتزال شادية كانت هديتها الكبرى لجماهيرها العريضة مسرحيتها الوحيدة، والتي جسدت كل الفنون المسرحية من التراچيديا للفكاهة المنكهة بالغناء والاستعراض، الموسيقى والإضاءة التي تم توظيفها بإبداع، الديكورات والملابس التي نجحت في نقل المتفرج عبر آلة الزمان لعتبة قسم اللبان، في تلك المسرحية العبقرية التي تمتد مدة عرضها لست ساعات ستكتشف شادية على حقيقتها، جميلة الشكل رقيقة الصوت، بالفعل دلوعة دون أدنى مجهود، تشعر بحنيتها على من حولها بالرغم من إنها تجسد سفاحة ولكنها حلوة كالتفاحة الطازجة.
لذا ستظل تلك المسرحية علامة في تاريخ المسرح المصري على وجه العموم وفي ذاكرتي على سبيل الخصوص، أذكر وأنا طفلة إنني قمت بتقليد شادية في مشهد البداية بعد أن حيت الجمهور وجاءت على سيرة الهبلة أم بدوي فوصفتها ( يا قيحة يا تلقيحة ياللي الشيطان يقولك يا قبيحة) ويبدو أنني اندمجت وتقمصت وشخصت فما كان من أمي إلا أن عاقبتني بالحرمان أسبوع من مشاهدة التلفزيون، ولا أدري رد فعلها لو قمت بتقليد مشهد إجهازها بالقماشة المبلولة على الخالة آمونة!
مسيرة بدأتها سنة 1947 بفيلم أزهار وأشواك واختتمتها عام 1984 بفيلم لا تسألني من أنا، ومن المفارقات اللطيفة عندما نظمت مسابقة لاختيار مجموعة من الوجوه الجديدة للمشاركة في فيلم أزهار وأشواك وتقدمت مجموعة من الفتيات من بينهن شادية التي اصطحبت معها إحدى صديقاتها لتؤنسها في طريقها وأثناء الاختبار، وما كانت تلك الصديقة إلا هند رستم التي أعجب بها المخرج حلمي رفلة حين شاهدها، وأعطاها دوراً صغيراً عبارة عن جملة واحدة في الفيلم.
ومن الدروس المستفادة في هذا الفيلم عندما رفضت سناء سميح إحدى بطلات العمل الجلوس بجوار شادية في حفل الافتتاح الخاص بالفيلم مما أصاب الأخيرة بالإحراج والحزن، ولكن الدنيا دول فتمر السنين ويأفل نجم سناء ويسطع نجم ست البنات التي اختارت أسمها الفني بنفسها فكانت شادية للدلال والأغنيات.
عشنا مع شادية لحظات وعمر وذكريات من السعادة والهنا، وإن كانت شادية التي اسعدتنا بداخلها جرح غائر لاشتياقها للأمومة وبعد ثلاث زيجات من عماد حمدي ومهندس مدني وصلاح ذو الفقار الذي لم تتزوج بعده، لم يرزقها الله بمن تهمس له سيد الحبايب يا ضنايا أنت، لذا فلنتذكرها في دعواتنا بقدر ما أضحكتنا وأبكتنا وأسعدتنا وألهبت مشاعرنا الوطنية والعاطفية.
شادية تجسيد لتاريخ مصر الحديث فلقد بدأت حياتها الفنية في عهد الملك فاروق وتوفت في عهد الرئيس السيسي الذي زارها في مستشفى الجلاء أثناء وعكتها الصحية الأخيرة، وفي كل عهد هي ثابتة على ضحكتها وعفويتها ووطنيتها، قال عنها نجيب محفوظ أنها فتاة الأحلام لأي شاب وفي رأيي أنها حلم اليقظة لكل فتاة أن تتشبه برقتها وخفة ظلها.
وسيذكر لها التاريخ أنها محبوبة من اليابانيين كما المصريين والدليل النجاح الباهر للفيلم المصري الياباني على ضفاف النيل وترجمة فيلم شئ من الخوف بعد ذلك لليابانية وعرضه على شاشاتهم السينمائية.
رحم الله الجميع ومن نعمه العظيمة أن الجسد فقط هو الذي يرحل، أما الروح والتواجد والذكرى فهي رهن عملك وشغفك وإيمانك بما تقدم ليومك وحياتك، وكما قالت الحلوة إن راح منك يا عين حيروح من قلبي فين، فليس كل غائب ذائب.. فالبعض عن عشقهم حِلف القلب ما هو تائب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.