الفارابي.. لقبه الغرب باسم «الفارابيوس»، ولقبه الشرق « بالمعلم الثاني» بعد أرسطو المعلم الأول، وهذا اللقب بسبب اهتمامه بالمنطق لأنه شارح مؤلفات أرسطو المنطقية ويعد ثاني الفلاسفة العلماء في الحضارة الإسلامية بعد الكندي.. إنه أبونصر محمد بن محمد بن أوزلج بن طرخان، كان الفارابي فيلسوفًا وباحثاً نظرياً موسوعياً في العلوم، كان عالماً نظرياً في علوم الحياة والموسيقى والفيزياء والكيمياء والرياضة والطب والفلك، ولكنه لم يكن ممارساً لها. وتعود جذور الفارابي إلى أصل تركي تركماني من مدينة فاراب إحدى بلاد الترك في أرض خراسان ولد عام 260 ه/874 م في فاراب وهي مدينة في بلاد ما وراء النهر وجزء مما يعرف اليوم بتركستان قبل أن يتوفي عام 339 ه/950 م). سافر الفارابي إلى بغداد في سن الأربعين، وتنقل بين مصر وسورية وحلب وأقام في بلاط سيف الدولة الحمداني ثم ذهب لدمشق وبقي فيها حتى وفاته عن عمر 80 عاماً ووضع عدة مصنفات وكان أشهرها كتاب حصر فيه أنواع وأصناف العلوم ويحمل هذا الكتاب إحصاء العلوم وسمي الفارابي «المعلم الثاني» نسبة للمعلم الأول أرسطو. تميز الفارابي بإبداعه في الكتابة عن السياسة والأخلاق بعد خبرته الموسوعية في علم المنطق ومن أشهر كتبه (آراء المدينة الفاضلة - الموسيقي الكبير- آراء أهل المدينة الفاضلة) ويعد كتابه عن المدينة الفاضلة الأكثر شهرة خير المدن الممكنة على الأرض بالنسبة للبشر، حيث إن قضية السعادة هي التي يطلبها جميع الناس. قسم أبوالنصر الفارابي كتابه عن هذه المدينة إلى قسمين الأول يبحث فيه نظرية الوجود حيث التمييز بين الممكن والواجب، أما القسم الثاني فخاص بالمدينة وآراء أهل الجماعة الفاضلة، القسم الأول يقابله القسم الثاني والمدن المضادة للمدينة الفاضلة. يبني الفارابي مدينته الفاضلة على غرار الوجود بأسره، فكما للوجود مبدأ أعلى، كذلك المدينة الفاضلة لها مبدأ أعلى وهو الرئيس. ويقول في ذلك إن القصد في المدينة الفاضلة الإبانة عن الجماعة التي تسود فيها السعادة خاصة أن جميع أهلها يطلبون السعادة والمدن المضادة يطلب فيها أهلها أشياء مضادة. والسعادة عند الفارابي مرتبطة بتصوره للتركيبة الإنسانية والنفس الإنسانية وتكون عندما تسيطر النفس العاقلة (وفضيلتها الحكمة) على النفس الغضبية (وفضيلتها الشجاعة) والنفس الشهوانية (وفضيلتها العفة) فيصل الإنسان للسعادة. ويتطرق المعلم الثاني إلى المدينة الجاهلة التي يعتبرها عكس المدينة الفاضلة ويطلب أهلها السعادة المستمدة من النفس الغضبية والشهوانية فالمدينة الفاسقة يعرف أهلها المبادئ الصحيحة وتخيلوا السعادة على حقيقتها ولكن أفعالهم مناقضة لذلك كما أن المدينة المبدلة أيضاً مضادة للمدينة الفاضلة ويكون السلوك فيها فاضلاً ثم يتبدل وينهي أفكاره بالمدينة الضالة والتي يعتقد أهلها في الله والعقل الفعال آراء فاسدة واستعمل رئيسها التمويه والمخادعة والغرور ويصّور الله والعقل الفعال تصويراً خاطئاً وكانت سياسته خداعاً وتمويهاً. واستمرت خطوات هذا العالم الكبير في التأليف فكان نتاج الفارابي العديد من الكتب والرسائل خلال حياته وأسفاره فيذكر مؤرخو العلوم أنه ألف أكثر من مائة مؤلف «في المنطق خمساً وعشرين رسالة، وكتب أحد عشر شرحاً على منطق أرسطو، وسبعة شروح أخرى على سائر مؤلفات أرسطو، ووضع أربعة مداخل لفلسفة أرسطو، وخمسة مداخل للفلسفة عامة، وعشر رسائل دفاعاً عن أرسطو وأفلاطون وبطليموس وإقليدس، وخمسة عشر كتاباً في ما وراء الطبيعة، وسبعة كتب في الموسيقى وفن الشعر، وستة كتب في الأخلاق والسياسة، وثلاثة كتب في علم النفس. يصاب الكثيرون بصدمة عندما يعلمون أن معظم كتب الفارابي ورسائله وشروحه مفقودة، وبعضها لا يوجد إلا في ترجمات عبرية، ومن هذه الكتابات.. في (علوم الحياة - المدينة الفاضلة - تحصيل السعادة - سياسة المدينة- أصل العلوم)، ومن أهم رسائله أيضاً في هذه العلوم «علم النفس- الحكمة - فصوص الحكمة - أسماء العقل». وعن كتبه الموسيقية هناك الكثير «المدخل إلى صناعة الموسيقى – الموسيقى» وله في (الفيزياء) «المقالات الرفيعة في أصول علم الطبيعة» وكذلك في (الطب) «فصل في الطب- علم المزاج والأوزان - المبادئ التي بها قوام الأجسام والأمراض» وله في (الرياضيات) أيضاً «المدخل إلى الهندسة الوهمية - الأسرار الطبيعية في دقائق الأشكال الهندسية» ولم يترك مجال (الفلك) فأبدع كثيراً في كتاب «تعليق في النجوم» ومن أبرز مواقفه أنه رفض صناعة التنجيم، وأظهر فساد علم أحكام النجوم في رسائل ومن أهمها رسالته العلمية «النكت فيما لا يصح من أحكام النجوم». وما تبقى من مؤلفاته (المنطقية والفلسفية) وشروحه لأرسطو جعل منه مفكراً إسلامياً ملقباً بالمعلم الثاني وكان له أثر كبير في الفكر الأوروبي والفكر العربي ومنها «الحروف - الألفاظ المستعملة في المنطق - القياس - التحليل - الأمكنة المغلطة - الجدل - العبارة - المقولات - الفصول الخمسة لإيساغوجي – البرهان».