حكم الإسلاميين لمصر قبل إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة في مصر بأيام قليلة تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو إلى أعضاء في الكنيست قائلا: "تحمل الأيام المقبلة لنا إمارة إسلامية في مصر ومن لا يرى هذا الواقع يدفن رأسه في الرمال"! استخدام نتنياهو عبارات قاطعة على هذا النحو قابله نوع من التشكك من جانب الباحثين والخبراء الإسرائيليين وإن كان أغلبهم لم ينكر التحديات التي ستفرضها هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي العربي عامة والمصري خاصة فيما يخص التبعات الأمنية والعسكرية لذلك على إسرائيل. تباين رؤية الجانبين هناك في هذه القضية يطرح سؤالا مهما حول أسبابه أولا.. ثم عن أي نموذج ستطبقه القوى الإسلامية في الحكم، وما هو النموذج الذي تريده إسرائيل وتتمناه والآخر الذي ترفضه وتخشاه.. بمعنى أكثر وضوحا لماذا لا تتفق رؤية نتنياهو للأوضاع في مصر مع رؤية أغلب الباحثين الأكاديميين في إسرائيل والذين يعربون عن موقف متحفظ يرى أن مصر ليست مقدمة بالضرورة على تحول جذري في سياستها الداخلية والخارجية، وأن التحديات الداخلية فيها (اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) ستفرض على التيارات الإسلامية قيودا شديدة تحول دون تبنيها سياسة عدائية حقيقية تجاه إسرائيل؟ وفي الواقع فإن سبب هذا التباين يكمن في الزاوية التي ينظر بها الباحث والسياسي إلى قضية معينة، فالباحث يحاول أن يقلل من انحيازاته الأيديولوجية والسياسية قدر الإمكان، بينما ينظر السياسي إلى نفس القضية من زاوية خدمة المصالح والأهداف وليس البحث عن الحقيقة، فنتنياهو يرى أن النموذج الإيراني القائم على حكم رجال الدين هو الأقرب لمفهوم الإخوان (على الأقل في الجناح المحافظ في الجماعة) والسلفيين، وهو نموذج يطرح تحديات أمنية خطيرة على إسرائيل وفي نفس الوقت فرصا حقيقية للاستفادة منه في تعظيم المكانة الإستراتيجية لإسرائيل. فيما يرى أغلب الخبراء والباحثين الإسرائيليين أن الإخوان سيميلون إلى الاعتدال وربما يتبنون النموذج التركي رغم بعض تحفظاتهم عليه (أي نموذج دولة مدنية ذات مسحة إسلامية لن تؤثر كثيرا في توجهات السياسة الخارجية المصرية التي كانت قائمة إبان حكم الرئيس السابق حسني مبارك). ورغم ما يشيعه نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتشدد عن تخوفهم من السياسة المصرية في ظل حكم الإسلاميين الذي سيكون أقرب للنموذج الإيراني كما يروجون، فإنهم في الواقع يتمنون هذا النموذج علي عكس ما يظهرونه في الجانب الآخر من ترحيب بالنموذج التركي الذي يعد أخطر على إسرائيل في حالة تبني الإسلاميين المصريين له وهم في الحكم. يبني نتنياهو ومؤيدوه رؤيتهم على كون الجناح المحافظ في الإخوان - الأقرب لفكر السلفيين - هو الأقوى وان وجهة نظره في أسلوب الحكم المرغوب فيه هو الذي سيفوز على حساب الجناح المعتدل داخل هذا المعسكر (بضم السلفيين إلى الإخوان) دون أن يضع اعتبارا لكون السلفيين هم أعداء طبيعيين لإيران الشيعية ولن يكون من السهل على مصر تحت حكمهم إقامة تحالف وثيق مع إيران بل ربما يؤدي الشقاق المذهبي بينهما إلى زيادة حدة العداء المصري تجاه إيران، وبالتالي لا يوجد ما يخيف إسرائيل من إمارة مصرية سلفية ستكون بالضرورة عائقًا أمام تمدد إيران في المنطقة، بالإضافة إلى كون التشدد السلفي الذي يسعى إلى تقويض الحريات الشخصية للمصريين ومناصبة المواطنين الأقباط والقوى الليبرالية واليسارية العداء سيطبق سياسات تؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي المصري ويؤثر على القدرات الاقتصادية للبلاد بما يجعلها في حالة ضعف مؤكدة من شأنها أن تؤثر أيضا على القدرات الدفاعية والحربية المصرية على الأقل في المدى المنظور (من خمس إلى عشر سنوات)، أضف إلى ذلك أن حكم المتشددين الإسلاميين لمصر سيعيد لإسرائيل الوضع الذي خدمها سياسيا واستراتيجيا قبل حرب يونيو1967 حينما كانت تروج في العالم أنها دولة صغيرة محاطة بالأعداء. إن ما يخيف إسرائيل فقط من احتمال تبني الإسلاميين المصريين للنموذج الإيراني هو قيامهم بتقديم العون لحركة حماس وجعل سيناء ملجأ آمنًا لمقاتليها وهو ما دفع نتنياهو لطلب الانتهاء من بناء الجدار الأمني العازل بين مصر وإسرائيل قبل نهاية العام الحالي وتخصيص قوة تدخل سريع ترابض على الحدود لمنع سيناء من التحول إلى عمق إستراتيجي لحماس مستقبلا وهو ما يفرض سؤالا آخر عن مدى استعداد الإسلاميين في مصر للدخول في مواجهات محتملة مع إسرائيل والغرب مبكرا؟ في كل الأحوال لا يرى الخبراء الإسرائيليون سوى حل وحيد في مواجهة هذا الاحتمال وهو تصعيد المواجهات مع حماس ومصر بما يؤدي إلى صياغة موازين ردع جديدة تعوض الاحتمال المؤكد لفقدان التنسيق الأمني الذي كان قائما بين مصر وإسرائيل. أما النموذج التركي الذي يروج بعض الباحثين الإسرائيليين لكونه الأكثر احتمالا في الحالة المصرية بناء على التعديلات التي أجراها الإخوان المسلمون في برنامجهم الانتخابي، وأيضا بسبب التعقيدات السياسية والاقتصادية التي ستجابه حكومة يقودها الإخوان في مصر لسنوات طويلة مقبلة، هذا النموذج هو ما ينبغي لنتنياهو واليمين المتشدد هناك أن يخشوه: أولا لكون هذا النموذج أكثر قدرة على التعامل مع القوى الغربية وهو ما تحقق تماما في تركيا في عهد اردوغان الذي حافظ على علاقته بالولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا، دون أن يمنع تركيا من تبني خطابا شديد اللهجة ضد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي أكسب أنقرة مكانة مؤثرة في العالمين العربي والإسلامي. ولا يعني احتمال تبني الإخوان المسلمين في مصر النموذج التركي في الحكم فقط تقوية العلاقات مع الغرب والاستفادة من عوائد هذا التعاون لإقالة الاقتصاد المصري من عثرته، بل سيعني أيضا إيجاد محور إقليمي مصري تركي ضاغط على إسرائيل لإجبارها على تقديم تنازلات في موقفها المتشدد من عملية التسوية المعطلة، خاصة أن هذا المحور إذا ما تمت إقامته سيقلل من مزاعم إسرائيل بأنها الركيزة الوحيدة لمنع تهديد المصالح الغربية في المنطقة ويؤدي على المدي البعيد لتقليل مكانة إسرائيل في الإستراتيجية الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك فإن تبني الإخوان المسلمين للنموذج التركي سيقود حتما لتقوية الخطاب الداعي لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية ومعالجة ملف المشروع النووي الإيراني في هذا الإطار مما يفقد إسرائيل شرعية استبعاد ترسانتها النووية في وقت تركز هى ( أي إسرائيل) فيه على حشد العالم ضد المشروع النووي الإيراني وحده. باختصار، فإن إسرائيل ستنزعج بشدة إذا ما أسفر صعود الإخوان في مصر عن بناء دولة علمانية يقودها حكم إسلامي المظهر على الطريقة الأردوغانية، وستكون أكثر سعادة لو أقام الإسلاميون في مصر حكما متطرفا سيكون مخيفا للعالم وليس لإسرائيل وحدها. نقلاً عن "الأهرام"