سؤالى فى العنوان موجه إلى جميع القوى التى تشارك اليوم فى إدارة المرحلة الانتقالية، بدءاً من المجلس العسكرى وصولاً إلى أصغر تجمع لشباب الثورة. إن مصر تواجه حملة منظمة من جانب رئيس الوزراء نتنياهو، بدأت مع اليوم الثانى لاندلاع ثورة 25 يناير ووصلت إلى ذروتها فى الخطاب الذى ألقاه أمام الكونجرس الأمريكى بمجلسيه يوم الثلاثاء الماضى الموافق 24 مايو، وإننى أجزم بأن المرحلة الجديدة من هذه الحملة يمكن أن تسقط فى الفشل الذريع تماماً، كما سقطت المرحلة الأولى بشرط وحيد، وهو أن تتمسك جميع القوى السياسية بإنجاز حلم الشعب المصرى فى بناء نظام حكم ديمقراطى بجميع مقوماته وأركانه. لقد حاول نتنياهو أثناء الثورة أن يستعدى ضدها الرأى العام والساسة فى الولاياتالمتحدة وأوروبا، عندما راح يروج أن القوى الرئيسية التى تقود الثورة هى شبيهة للقوى الحاكمة فى طهران، وأن نجاحها فى إسقاط النظام سيؤدى إلى إنشاء نظام حكم ديكتاتورى دينى على غرار النظام الإيرانى. لقد فشل نتنياهو فشلاً ذريعاً فى محاولته الأولى، عندما تأكد لدى الرأى العام العالمى أن قوى الثورة المصرية فى مجموعها تسعى لبناء نموذج للحكم الديمقراطى، بما فى ذلك القوة الدينية الرئيسية الممثلة فى الإخوان المسلمين، من هنا حظيت الثورة المصرية بالإعجاب الدولى الذى بلغ ذروته فى خطب سياسية ألقاها الرئيس الأمريكى وزعماء أوروبيون يشيدون بالطابع السلمى والتطلع الديمقراطى. أعتقد أن القراء يعلمون السبب وراء حملة نتنياهو ضد النموذج الديمقراطى فى مصر، ذلك أن أحد مقومات المكانة الخاصة التى تحظى بها إسرائيل فى الدول الغربية هو تلك الصورة عن الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، وسط بحر من الدول الديكتاتورية المعادية لحقوق الإنسان، التى تديرها أنظمة متخلفة ووحشية فى تعاملها مع شعوبها. إن هذه الصورة عن إسرائيل الديمقراطية، تستخدم فى تبرير السياسات التوسعية والعدوانية تجاه الدول العربية المجاورة، وفى إخفاء المواقف العنصرية المعادية لجوهر الديمقراطية وقيم المساواة بين المواطنين، والتى تطبق ضد عرب 1948، مواطنى الدولة. أضف إلى ذلك أن لهذه الصورة وظيفة فى إقناع الرأى العام الأمريكى والأوروبى بضرورة المساعدات الأمنية والمالية لإسرائيل باعتبارها شريكة فى قيم الحياة الغربية. لا شك أن كل هذه المصالح التى تحققها صورة الدولة الديمقراطية لإسرائيل هى التى تحرك نتنياهو لزرع حالة من الشكوك فى هذه المرحلة تجاه مستقبل التجربة المصرية والتونسية أيضاً. أرجو أن يكون من استمعوا إلى خطاب نتنياهو مترجما قد لاحظوا أن هدف التشكيك فى نموذج الديمقراطية المصرية والتونسية قد حظى بالأولوية فى الخطاب، وأنه تقدم على هدف التصدى لرؤية أوباما حول إقامة الدولة الفلسطينية على أساس خطوط 1967. لقد احتل هدف التشكيك صفحتين من مجموع صفحات الخطاب البالغة ست صفحات، وجاء فى افتتاحية الخطاب فى محاولة لزعزعة حالة الإعجاب بنموذج الثورة المصرية والتونسية وتبديد الأمل فى أن النهاية للمرحلة الانتقالية ستكون نموذجاً للحكم الديمقراطى. لم ييأس نتنياهو من استخدام النموذج الإيرانى كفزاعة وإن حاول بشكل ماكر أن يلتف حول حالة الإعجاب، فراح فى الفقرة الأولى من الخطاب يكيل الثناء للشبان المتطلعين إلى الحرية، والذين يحاولون فى تصميم وفى بسالة الحصول على هذه الحرية، من خلال المخاطرة بأنفسهم، بعد ذلك سارع فى الفقرة الثانية لزرع الشك فى المستقبل، مستخدما الفزاعة الإيرانية، فقال بالنص: «إن هذه المشاهد المذهلة فى تونس وفى القاهرة تذكرنا ببرلين وبراغ فى عام 1989، غير أنه يجب علينا فى الوقت الذى نشارك فيه هؤلاء الشبان آمالهم أن نتذكر أيضاً أن هذه الآمال يمكن أن تتبدد تماماً، مثلما حدث فى طهران فى عام 1979». بعد هذا التشكيك راح نتنياهو يتحدث راسماً صورة محزنة لربيع الديمقراطية القصير فى طهران، والذى انتهى إلى نظام مستبد وحشى خال من الرحمة -على حد وصفه. انطلق نتنياهو بعد ذلك ليشرح لأعضاء الكونجرس مزايا إسرائيل كدولة تسير فى المسار الديمقراطى، الذى يرفضه الآخرون فى الشرق الأوسط، وراح يعدد أركان الديمقراطية الغائبة فى الدول العربية وهى الانتخابات الحرة وحريات التعبير والاعتقاد والتظاهر والضوابط المفروضة على من يقومون بالحكم والسلطة التنفيذية وخضوعهم لمبادئ الشفافية والمحاسبة فى حالة الخطأ، ثم أشار إلى خضوع القضاء للقوانين وليس لأفراد يتحكمون فيه، وإلى حقوق الإنسان المصونة التى لا تنتهك، بسبب الاعتقاد أو الانتماء الطبقى أو القبلى أو غير ذلك. أكد نتنياهو لمستمعيه فى الكونجرس التزام إسرائيل بهذه المقومات قائلاً «إنها منارة للديمقراطية فى إقليم يرفض الديمقراطية وينتهك حقوق المرأة ويضطهد المسيحيين»، ولقد حظى نتنياهو بالتصفيق الحاد فى هذه اللقطة التى حاول فيها الترويج لإسرائيل والتشكيك فى احتمال نجاح التجربة الديمقراطية فى مصر وتونس. إننى أعود إلى مناشدة جميع القوى السياسية فى مصر أن تلتفت إلى خطورة هذه الحملة. إن هذا الالتفات يعنى محاولة جادة من الجميع للوصول إلى حالة توافق حول برنامج، لزرع القيم الديمقراطية فى التربة السياسية المصرية، مع حرص الجميع على تطبيقها لضمان دوام الربيع الديمقراطى فى مصر دونما انتكاس أو انتقاص. إننى ألمس قدرات المصريين على تحدى حملة نتنياهو فى ممارساتهم السياسية اليومية. فلقد تصادف وأنا أفكر فى كتابة هذا المقال أن فارت الساحة المصرية بحالة خلاف بين القوى المختلفة حول المظاهرة المليونية التى تحمل عنوان «جمعة الغضب الثانية». إننى لم أشعر بأن الخلاف الفكرى يصب فى صالح أمنيات نتنياهو، بل على العكس فهو علامة ثراء لمصر بالأفكار المتنوعة لكن قلقى كان منصباً على احتمالات الصدام بين المؤيدين للمظاهرة والمعارضين. إن أهم القواعد فى الممارسة الديمقراطية هى احترام حق الخلاف دون تجريح أو مصادرة أو صدام. لقد فازت مصر فى يوم الجمعة بذلك المشهد السلمى الرائع للمظاهرة التى يحميها أنصارها ومعارضوها على حد سواء بعدم التعرض لها. من المظاهر المبشرة الدالة على قدرة المصريين على التشبع السريع بالقيم الديمقراطية ذلك التصريح، الذى نشرته «المصرى اليوم» الأسبوع الماضى لرجل الأعمال نجيب ساويرس. قال الرجل «لو نجح الإخوان فى بناء النموذج السياسى الديمقراطى التركى فى مصر، سأكون أول من يهتف للإسلام» إن هذه الروح الموضوعية ضرورة للممارسة الديمقراطية الحقه فأنت لا تخاصم شخصا أو جماعة ولكنك تخالف فكراً وتنحاز إلى نوع آخر من الفكر تقدره وتقدر من يستطيع تطبيقه حتى لو انتمى إلى جماعة سياسية لا تنتمى إليها. مظهر ثالث شاهدته على قناة «أون. تى. فى» فى حوار المذيعة المتألقة ريم مع مجموعة من الشباب ليلة الجمعة حول موقفهم من مطالب المظاهرة. لقد كان شبابنا عنوانا للنضج الديمقراطى وهم يعبرون فى احترام عن خلافاتهم ويُجمعون فى النهاية على مبدأ سيادة القانون وضمان محاكمات عادلة لأى متهم أمام قاضيه الطبيعى، بعيداً عن المحاكم الاستثنائية. أضف إلى كل هذه النماذج بيان المجلس العسكرى الذى عبر عن احترام حق التظاهر السلمى، وأضف تصميم محامى أحد مصابى الثورة، الدكتور مصعب، الذى يعالج فى ألمانيا، على رد القاضى فى قضية محاكمة وزير الداخلية الأسبق، وأضف تأكيد د. عمرو الشوبكى على ضرورة ضمان سلامة مؤسسات الدولة وعدم تفكيكها عند إصلاحها لتجد الإجابة عن السؤال حول تحدى نتنياهو هو أن لدينا أساساً متيناً للبناء الديمقراطى.