عام 1971 غنى الفنان جون لينون أغنيته الشهيرة «a working class hero is something to be أن تكون بطلاً للطبقة العاملة فهو شىء يستحق»، ومنذ ذلك التاريخ حفظ جزء كبير من الأجيال الشابة حول العالم هذه الأغنية ورددوها، وكان كثيرون من أبناء جيلنا ممن حفظوا هذه الأغنية يرددونها دون أن يتذكروا أبطال الطبقة العاملة مثلما يتذكرون الأغنية. ولأن التاريخ عادة ما يكتبه المؤرخون أبناء الطبقتين الوسطى والعليا من المجتمع، فهم غالباً ما يذكرون من ناضلوا من أجل حرية شعوبهم من أصحاب الياقات البيضاء، دون ذكر لأصحاب الياقات الزرقاء ممن بنوا نهضة بلادنا، وناضلوا من أجل تحقيق عدالة اجتماعية للجميع. فلم تذكر معظم كتب التاريخ التى تربينا عليها فى المدارس سوى الرموز الوطنية العامة مثل أحمد عرابى، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول وغيرهم، دون ذكر لمئات من أبناء الطبقة العاملة ومؤيديهم الذين ضحوا بحياتهم من أجل الكرامة، والحرية، والعدالة الاجتماعية للمصريين.فلا يعلم أبناء جيلنا الكثير عن أنطون مارون، المحامى الذى ساعد العمال فى تكوين أول اتحاد لنقابات عمال مصر 1921، واعتقل مع قيادات الاتحاد فى 1924 بعد أن أصدرت الحكومة قراراً بحل الاتحاد، فأضرب عن الطعام مطالباً بالإفراج عن العمال المعتقلين حتى توفى، ليصبح أول شهداء الحركة العمالية المصرية، مروراً بمحمد مصطفى خميس ومحمد عبدالرحمن البقرى العاملين اللذين لم يتخط أى منهما سن العشرين، وشاركا فى إضراب عمال كفر الدوار تنديداً بتدنى الأجور، فأُعدما بعد 20 يوماً من قيام حركة الضباط فى يوليو 1952، وصولاً لعبدالحى سليمان، عامل الحديد والصلب، الذى قُتل على يد داخلية مبارك أثناء فض إضراب عمال الحديد والصلب 1989. ولم يعرف أبناء جيلنا شيئاً عن حسين كاظم ورفاقه، ممثلى العمال فى «اللجنة الوطنية العليا للعمال والطلبة»، التى قادت إضراباً عاماً فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى 1946، والمظاهرات فى كل ربوع مصر التى شهدت فتح كوبرى عباس على المتظاهرين ليسقط كثيرون منهم بين قتيل وجريح، كما لم ندرس تاريخ رابطة عمال السكة الحديد التى قادت إضراب عمال السكة الحديد 1986 مطالبة بتحسين أوضاعهم، فاعتقل صلاح شرف ورفاقه من قيادات الرابطة وأصدرت المحكمة حكماً ببراءتهم، فى أول حكم فى تاريخ مصر يقرّ حق الإضراب! وأيضاً عمال الحديد والصلب الذين أضربوا عام 1989 واقتحمت قوات الشرطة المصنع بوحشية، ما أدى لاستشهاد أحد العمال، والقبض على عدد كبير من المضربين، وتشريد خمسة من قيادات الإضراب هم: كمال عباس ومصطفى نايض- الذى منعه الأمن من حضور خطاب الرئيس مرسى بمصنعه هذا العام ومحمد مصطفى، وعبدالرحيم هريد، ومحمود بكير.ويجب ألا ننسى عمال كفر الدوار الذين أضربوا ضد خصخصة مصنعهم عام 1994، وقُتل فى محاولة الأمن فض الإضراب أربعة مواطنين، وأصيب عدد آخر كبير. ولن تنتهى القافلة بسيد حبيب، وفيصل لقوشة، ومحمد العطار، ومصطفى فودة، وعبدالقادر الديب، قادة إضراب عمال المحلة 2008 الذى يعتبره كثيرون بشارة سقوط نظام مبارك وكذا كريم البحيرى، وأمينة عبدالرحمن الصحفيان، اللذان نقلا أخبار الإضراب للعالم، فكان جزاؤهما الاعتقال مع عمال المحلة. ولا ينبغى إغفال ذكر عدد كبير من المحامين الذين نذروا حياتهم للدفاع عن حقوق العمال، على رأسهم أحمد نبيل الهلالى، ابن رئيس وزراء مصر قبل يوليو 1952، الذى نذر حياته وماله للدفاع عن قضايا العمال والكادحين حتى توفى فقيراً، لكنه يبقى خالداً فى قلوب كل من دافع عن حقوقهم! ويوسف درويش، الذى حصل على دبلومة القانون التجارى نصف القرن الماضى من الجامعات الفرنسية، ثم عاد ليختار الطريق الأصعب، فيشارك الهلالى فى مكتب المحاماة ويتفرغ لقضايا العمال والحريات، حتى توفيا فى شهر واحد عام 2006 قبل أن يريا بدايات ثورة طالما حلما بها، وأمضى كل منهما حياته يعمل من أجلها. هؤلاء، وغيرهم كثيرون، رحل بعضهم، ومازال رفاقهم وتلاميذهم يكملون نضالهم بيننا الآن، سواء من العمال أو المدافعين عن حقوقهم، هم الأبطال الحقيقيون الذين نذروا حياتهم للدفاع عن حق المصريين فى العدالة الاجتماعية، ولم تنصفهم كتب التاريخ الرسمية، فصار علينا أن نتذكرهم، ونعلّم أبناءنا أسماءهم كى يحفظوها عن ظهر قلب، ويتناقلوها جيلاً بعد جيل، مؤمنين بأنهم كانوا الأسس الصلبة التى بُنيت عليها ثورتنا، التى رفعت شعار العدالة الاجتماعية، وسوف يكونون جزءاً أساسياً من عناصر انتصارها. وحينها سوف يُكتب التاريخ الحقيقى لأبطال هذا الوطن، وسيدرس أبناؤنا فى مدارسهم أسماء وتاريخ هؤلاء الأبطال حتى نفى بجزء ولو يسيراً- من دين لهم فى رقابنا. نقلا عن المصرى اليوم المزيد من أعمدة زياد العليمي