يمكن أن نسميها "لعنة نوبل للسلام"، الجائزة التي فاز بها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بعد مضي 9 أشهر فحسب على بدء رئاسته عام 2009، قبل أن تذهب وعوده بإحلال السلام في الشرق الأوسط أدراج الرياح. وهي أيضًا الجائزة التي نالتها زعيمة ميانمار الحالية أونج سان سو تشي إبان خضوعها للإقامة الجبرية في بلادها عام 1991 تكريمًا لنضالها المدافع عن الحريات والديمقراطية، قبل أن تتحول إلى حاكمة حديدية قومية متطرفة تبارك ارتكاب جيش بلادها مذابح وفظائع دموية بحق أقلية مسلمي الروهنجيا. والآن حان دور رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد كي يبرهن من جديد على قاعدة لعنة جائزة نوبل للسلام، فالزعيم الأفريقي الذي خطف الأنظار خلال الأشهر الأولى لولايته عام 2018 بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وصنع السلام مع الجارة إريتريا لم يلبث أن أطلق العنان للجيش الإثيوبي لشن حرب كاملة على إقليم تيجراي شمالي البلاد، عقابًا على التمرد على قرار الحكومة تأجيل الانتخابات البرلمانية. وفي الحالات الثلاث أصبحت لجنة جائزة نوبل للسلام موضع اتهام بالتسرع في في تكريم شخصيات قبل خضوعها لامتحان السلطة، إما على خطاب مدافع عن السلام والحرية مثل حالة أونج سان سو تشي أو على وعود براقة تبددت فيما بعد مثل حالة أوباما وآبي أحمد. وقالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية إن الشعب الإثيوبي استبشر خيرًا بصعود آبي أحمد إلى السلطة، وراهن على قدرته على نزع فتيل الصراعات الأهلية الممتدة في طول البلاد وعرضها، ونقلت الصحيفة عن الخبير بالشأن الإثيوبي رشيد عبدي قوله "جاء آبي أحمد إلى السلطة محملًا بمهمة تسوية الصراعات الإثنية-القومية، لكنه خلق من المشاكل أكثر مما استلمه، ويجاهد الآن يائسًا لاحتوائها". وأضافت الصحيفة أن آبي أحمد، بإعلانه الحرب على إقليم تيجراي الحاضن للجماعة الإثنية التي حكمت إثيوبيا لمايقرب من 3 عقود قبل وصوله إلى السلطة، قد خلق عداوة مع إقليم لديه لغته وثقافته وتاريخه المستقلين، مانحًا دفعة مجانية لدعوات انفصالية كان يجدر به تفويت الفرصة عليها لا إعطائها قبلة الحياة. وتابعت الصحيفة أن خطاب آبي أحمد الممجد للسلام والتنوع كان له وقع حسن على الآذان الغربية، وبالنسبة للإثيوبيين كان مسوغًا كافيًا لرفع آبي أحمد إلى قمة السلطة، على أنه سرعان ما كشف عن نوع السلطة التي ينوي ممارستها والتي يجدر بلجنة نوبل للسلام إعادة النظر فيها. واختمت الصحيفة بالقول إن آبي أحمد بات يتصرف كما لو كان يحتكر الحقيقة المطلقة، وأيا كانت ما ستسفر عنه الحرب على إقليم تيجراي فالنتيجة المؤكدة هي أن سمعة صانع السلام قد تحطمت إلى الأبد، وبالنسبة للجنة جائزة نوبل فعليها أن تعي الدرس جيدًا هذه المرة: الانتظار أفضل. ووقع نشطاء إثيوبيون على عريضة تطالب لجنة جائزة نوبل للسلام، بسحبها من آبي أحمد، بسبب حملته العسكرية على إقليم تيجراي. وقال النشطاء إن أبي أحمد أمر بارتكاب جرائم عسكرية ضد شعبه، ومنح لضوء الأخضر للحرب الأهلية، والإبادة الجماعية ضد شعبه، وسط اهتمام العالم بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. وأضاف النشطاء في عريضتهم أن أبي أحمد الآن مجرم حرب وعد بأشياء كثيرة، لكن أخيرًا أصبحنا قادرين على رؤية لونه الحقيقي وهو قاتل. ويوم الأربعاء الماضي، أمر آبي بشن هجوم عسكري بعد أن استولت القوات الموالية لحكومة تيجراي الإقليمية على قاعدة عسكرية في ميكيلي، عاصمة تيجراي، بعد شهور من التوتر المتفاقم بين قادة تيجراي والحكومة الفيدرالية.