منذ نشأة الساحرة المستديرة، مرت كرة القدم بالعديد من المتغيرات، فرق وكيانات ودول تصعد على القمة في وقت من الأوقات، تسيطر على العالم أو على الأقل تفرض سيطرتها في دولها وقاراتها ، تفرض أسلوبها ليحاول الجميع إيقافهم. لكل حدث نهاية ولكل قصة جميلة نهايتها ولكل فريق أسطوري غير مجرى وتاريخ كرة القدم وقت تنتهي فيه تلك الحقبة ، قد يعود بعد ذلك للقمة مرة أخرى لكن بمجموعة أخرى من اللاعبين وبمدربين آخرين، ولن يتركوا لنا سوى إنجازاتهم والأشياء العظيمة التي فعلوها وسجلوها في صفحات كتاب التاريخ لكرة القدم. "فرق غيرت تاريخ كرة القدم "، هي سلسلة نستعرض فيها نسخا أسطورية لأندية غيرت مجرى تاريخ كرة القدم يوميًا في شهر رمضان، كيف بدأت..من أين تم بناء هذا الفريق .. مراحل الصعود والهبوط .. ونستكمل في اليوم الخامس من شهر رمضان السلسلة بقصة نادي بايرن ميونخ الألماني وتغلبه على النحس الذي لازمه في نهائيات دوري أبطال أوروبا، حتى استطاع الصعود على عرش القارة العجوز مع المدرب المخضرم يوب هاينكس. نبدأ قصتنا مع الفريق البافاري بعد مرحلة أوتمار هيتسفيلد والذي قادهم للتتويج ببطولة دوري أبطال أوروبا للمرة الرابعة عام 2001 على حساب نادي فالنسيا الإسباني والذي كان يدربهم الأرجنتيني هيكتور كوبر ، وذلك بعد غياب دام 25 عامًا. رحل هيتسفيلد عن البايرن عام 2004، ومن ثم أتى فيليكس ماجات مع انتقال الفريق لملعبهم الجديد أليانز أرينا،ولم يكن الفريق في أفضل حالاته ليعود هيتسفيلد مرة أخرى، ومن ثم نيلسمان. نهاية حقبة وتجديد للدماء في الفريق بعد انتهاء فترة ماجات وهيتسفيلد، أصبح لزامًا على إدارة النادي تجديد جلد لاعبي الفريق، أعمار اللاعبين صارت كبيرة، وبدأ اللاعبون في إعلان اعتزالهم على رأسهم الأسطورة أوليفر كان، الذي كان سدًا منيعًا في حراسته لمرمى الفريق، وعدم تأهل النادي لدوري أبطال أوروبا موسم 2007-2008 للمرة الأولى منذ سنوات كان أمرًا صادمًا أيضًا، لذا استقدمت إدارة البافاري لاعبين تألقوا في بطولة كأس العالم 2006 مع منتخباتهم.. استقدموا فرانك ريبيري و ميروسلاف كلوزه و لوكا توني. حقق نادي بايرن ميونخ لقب الدوري الألماني عام 2007-2008 مع هيتسفيلد بكل أريحية، وكذلك كأس ألمانيا، ليجلب النادي نيلسمان كما ذكرنا، لكنه لم يكمل موسمًا وحيدًا في النادي، بعد نتائج كارثية.. خروج من دور ربع النهائي في بطولتي كأس ألمانيا ودوري أبطال أوروبا، وخسارة الدوري قبل أن ينتهي لصالح فولفسبورج ، مع موقف متأزم بخصوص التأهل لدوري الأبطال.. لتتم إقالته والتعاقد مع يوب هاينكس والذي كانت تلك الفترة هي الثانية له مع الفريق البافاري بعد أن تولى تدريبه في ثمانينات القرن الماضي، لكنها كانت بصفة مؤقتة، ونجح في تأهيله لدوري الأبطال بعد أن احتل المركز الثاني، ومن ثم الرحيل والإتيان بالهولندي فان خال وسط توقعات كبيرة بعودة الفريق الألماني لوضعه الطبيعي. روبن وريبيري.. أفضل جناحين في أوروبا تعاقد النادي مع الجناح الهولندي الطائر آرين روبن، ليصبح هو على الجهة اليمنى، وريبيري على الجهة اليسرى ، ليصبحا فيما بعض أحد أقوى ثنائيات مركزي الجناح في العالم في السنوات الأخيرة، كما قام النادي بتصعيد توماس مولر من فريق الشباب، وكان فان خال صاحب العبارة الشهيرة بالنسبة لهذا اللاعب:"معي.. سيلعب مولر دائمًا"، كما قام بتصعيد ديفيد ألابا أيضًا. موسم تاريخي لكن لا دوري أبطال وفي أول مواسم فان خال، كان البافاري يقدم واحدا من أفضل مواسمه على مر التاريخ، تحقيق الثنائية المحلية بكل سهولة مع أداء رائع.. التأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا .. فقط خسارة تلك البطولة أمام إنتر الإيطالي كانت النقطة السوداء الوحيدة في موسم الفريق البافاري، لكن لا بأس فبايرن ميونخ عاد ليرعب كبار أوروبا وتسيد ألمانيا مرة أخرى. لكن في الموسم الذي يليه حدث ما لم يتوقعه أحد.. كان بايرن ميونخ مختلفًا تمامًا عن الفريق الذي أرهب العالم في الموسم السابق.. الخروج من دوري أبطال أوروبا في دور ال 16، وتوديع كأس ألمانيا من دور نصف النهائي.. أداء سيئ في الدوري الألماني وخسارة اللقب مبكرًا ، كل تلك الأمور جعلت إدارة النادي تقرر إقالة فان خال ، وينهي الفريق الدوري في المركز الثالث. هاينكس يعود لكتابة المجد مع بايرن ميونخ عينت إدارة بايرن ميونخ يوب هاينكس مرة أخرى في منصب المدير الفني، وذلك بهدف عودة الفريق مرة أخرى لمساره الطبيعي، مع مدرب يعرف أجواء النادي والعديد من اللاعبين، وقد تصبح مهمته سهلة في إعادة الفريق لوضعه الطبيعي. أول الأشياء التي بحث عنها هاينكس هو التعاقد مع حارس مرمى كفء، فبعد رحيل أوليفر كان لم يتم تعويضه، ليتعاقد النادي مع حارس شاب من نادي شالكة كان متألقًا بشكل لافت للنظر، وهو مانويل نوير مقابل 22 مليون يورو، كما تعاقد النادي مع جيروم بواتينج من مانشستر سيتي الإنجليزي، والبرازيلي رافينيا من جنوى الإيطالي. كان بايرن ميونخ يسير بشكل جيد في موسمه المحلي، لكنه واجه فريقًا عنيدًا وقويًا وهو بروسيا دورتموند بقيادة مدربه يورجن كلوب، ليأتي خلفه في المركز الثاني في الدوري بفارق 8 نقاط، ويخسر أمامه بطولة كأس ألمانيا في المباراة النهائية بخماسية مقابل هدفين. لكن موسم البافاري الأوروبي كان جيدًا للغاية، الفريق احتل صدارة مجموعته القوية في دوري الأبطال على حساب نابولي ومانشستر سيتي، تخطى أندية بازل ومارسيليا في دوري ثمن وربع النهائي، ليواجه ريال مدريد في نصف النهائي، في واحدة من أقوى المباريات التي شهدها دوري الأبطال، انتصر هذا الفريق على أرضه بهدفين مقابل هدف، ليرد الميرنجي بنفس النتيجة في مباراة العودة ، ويتجه الفريقان لضربات الترجيح، والتي حسمها بايرن ميونخ لصالحه، بعد ضربة ترجيحية للتاريخ سيتذكرها سيرجيو راموس قائد اللوس بلانكوس ، أهدرها بشكل غريب للغاية. تأهل نادي بايرن ميونخ للنهائي ليلاقي تشيلسي الإنجليزي، وكل التوقعات كانت تصب في مصلحة الفريق الألماني وبالأخص وأن المباراة النهائية تقام على ملعبهم أليانز أرينا وسط حضور 63 ألف متفرج، وبالفعل كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق اللقب الغالي، كانوا الفريق الأقوى والمسيطر على أحداث اللقاء حتى تمكن توماس مولر من تسجيل أول أهداف اللقاء في الدقيقة 83، لكن الإيفواري ديدي دروجبا أصمت كل من في الملعب برأسية رائعة في الدقيقة 88، معادلًا النتيجة ومتجها للمباراة نحو الأشواط الإضافية ومن ثم ضربات الترجيح، والتي كان بايرن ميونخ متقدمًا فيها أيضًا بعد إضاعة الإسباني خوان ماتا أولى ضربات البلوز ، لكن أوليتش وشفانيشتيجر أضاعا الركلتين الرابعة والخامسة، ليهديا الفرصة لدروجبا لقتل جماهير البافاري مرة أخرى، وهو ما نجح فيه بتسجيله ركلة الجزاء الخامسة، ليتوج مع فريقه باللقب الغالي، في ليلة لم تنم فيها مدينة ميونخ بأكملها من الحسرة. لكن هاينكس أثنى على أداء لاعبيه، قال لهم كنتم الأفضل.. البطولة كانت من حقكم، لا تحزنوا سنتوج بها العام القادم.. أنا فخور بكم وواثق في قدراتكم. تعاقد النادي مع الكرواتي ماريو ماندزوكيتش و دانتي وشكوردان شاكيري وكلاوديو بيتزارو من أجل تدعيم صفوف الفريق. في الموسم الذي يليه.. أكل الفريق البافاري الأخضر واليابس سواء محليًا أو قاريًا، أنهى الفريق الموسم المحلي متصدرًا لجدول الترتيب برصيد 91 نقطة وبفارق وصل ل 25 نقطة عن أقرب ملاحقيه بروسيا دورتموند،وخسارة مباراة وحيدة فقط .. توج بكأس ألمانيا بكل أريحية على حساب شتوتجارت، وكان يطمح لتحقيق الثلاثية التاريخية بالفوز بدوري الأبطال بالرغم من صعوبة مشواره في تلك البطولة. مشوار نادي بايرن ميونخ كان صعبًا للغاية في تلك البطولة، فبعد تصدره للمجموعة، أوقعته القرعة أمام ارسنال الإنجليزي في دور ال 16، لكنه فاز عليه ذهابًا وإيابًا كعادة لقاءات البافاري والجانرز، ليلاقوا يوفنتوس بطل إيطاليا في ربع النهائي، وكان الانتصار حليفهم في مباراتي الذهاب والإياب، لتوقعهم القرعة في مواجهة برشلونة . كان البعض يتوقع نهاية رحلة هاينكس وفريقه على يد برشلونة، لكن ما رأيناه في تلك المباراتين كان بمثابة غزو بافاري سواء في بلادهم ألمانيا أو في إقليم كاتلونيا موطن برشلونة.. بايرن ميونخ فاز على برشلونة بسباعية تاريخية في مجموع المباراتين، ليتأهل لنهائي البطولة على ملعب ويمبلي أمام مواطنه بروسيا دورتموند. كان البافاري يريد فك النحس الذي لازمه في مباراتين نهائيتين في تلك البطولة في آخر 3 سنوات، وهو ما نجح فيه بالفعل بهدفين سجلهما ماندزوكيتش وريبيري، ليحقق لقب البطولة للمرة الأولى بعد غياب دام 12 عامًا عن جدارة واستحقاق لمجموعة من اللاعبين قدموا أفضل الأداءات في القارة الأوروبية في ذلك التوقيت مع مدربهم هاينكس، وحققوا ثلاثية تاريخية لم يحققها فريق ألماني من قبل. جدير بالذكر أن في موسم الفريق البافاري الأسطوري، كانت الإدارة قد أعلنت في شهر يناير من عام 2014 عن تعيين بيب جوارديولا في منصب المدير الفني للفريق خلفًا ليوب هاينكس ، ورغم ذلك ظهر هاينكس وفريقه في النسخة الأفضل لهم ليتوجوا ذلك في الأخير بالثلاثية التاريخية كما ذكرنا.