أثار حكم محكمة جنايات القاهرة ببراءة خمسة ضباط وأمين شرطة من تهم قتل 5 من المتظاهرين والشروع فى قتل 6 آخرين يوم 28 يناير الماضى أمام قسم السيدة زينب، ردود أفعال كثيرة غاضبة على دماء من ضاعت حياتهم وكانت ثمنا لنجاح الثورة المصرية وقد برأت المحكمة بعض المتهمين لأنه لم يثبت لديها أنهم ارتكبوا أيا من الجريمتين المشار إليهما بينما برأت آخرين لأنهما حسب حكمها كانا فى حالة دفاع عن النفس وعن القسم لمنع اقتحامه وسرقة الأسلحة والمستندات منه. وفى نفس التوقيت تقريبا كانت هيئة محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك ونجليه ووزير داخليته وكبار مساعديه تتخذ قرارها بتأجيل الجلسة إلى يوم الاثنين المقبل للاستماع إلى جزء من بقية الشهود الأمر الذى لم يزد فقط من مساحة ردود الفعل الغاضبة بل من مساحة الشكوك فى أن يواجه مبارك ورجاله أى أحكام إدانة فى الجرائم المنسوبة إليهم. والحقيقة التى ذكرها كثير من المعلقين والخبراء القانونيين بعد براءة الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين والتطور البطيء الذى تسير به محاكمة الرئيس المخلوع ورجاله هى أنهم جميعا سيكونون أقرب للبراءة أو الأحكام المخففة بعد أن تصل محاكماتهم إلى نهايتها. وقد بنى هذا التقدير القانونى فى مجمله على أن محاكم الجنايات التى قدم لها كل هؤلاء تعمل بحكم طبيعتها وفقا لإجراءات صارمة ودقيقة حددها قانون الإجراءات الجنائية وتلتزم فى أحكامها بما يتوافر لديها من أدلة وشهود توفرهم النيابة العامة وتؤدى الإجراءات الجنائية حسب هؤلاء الخبراء إلى تطويل المحاكمات بينما ستؤدى الحالة المهلهلة التى قدمت بها القضايا إلى المحكمة إلى ترجيح براءة المتهمين أو التخفيف من الأحكام عليهم فضلا عما يقوم به محامو الدفاع من تفنيد لأقوال شهود الإثبات وأدلته. إن هذا الوضع الذى يمكن أن تصل إليه محاكمات رئيس النظام السابق ورجاله وضباطه المتهمين بقتل الشهداء سوف يؤدى إلى عديد من الاضطرابات الشعبية والسياسية التى يجب الانتباه إليها وتجنبها منذ اليوم فضلا عما تقتضيه قواعد العدل بأن يلقى كل هؤلاء جزاء ما ارتكبوه من جرائم فى حق الشعب المصري. وإذا كان إصرار كثير من الثوار منذ بداية الثورة على ألا تتم محاكمة أى من هؤلاء أمام محاكم استثنائية ومثولهم أمام محاكم الجنايات العادية هو سبب ما وصلنا إليه فإن تدارك هذا الوضع غير المتسق مع قيام ثورة وخلع نظام يجب أن يتم فورا. والتدارك اليوم هو فى يد مجلس الشعب المقبل بعد اكتماله وعقد جلساته بأن يصدر قانونا لمحاكمة مبارك وكل أركان رموز حكمه أمام محكمة خاصة بكل التهم السياسية والجنائية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التى ارتكبوها فى حق المصريين طوال ثلاثين عاما فلا يمكن أن يحاكم مبارك ورجاله فقط على قتل المتظاهرين وبعض السرقات المالية واستغلال النفوذ وكأن شيئا لم يدمر أو يشوه فى مصر خلال عقود سيطرتهم عليها. إن جرائم النظام السابق ورئيسه تستحق أن يصدر مثل هذا القانون عمن انتخبهم الشعب المصري بعد نجاح ثورته عليه لتكون الإرادة الثورية ممثلة فى الإرادة الشعبية هى سبيل القصاص لما ضاع واغتصب من حقوق المصريين. نقلا عن المصري اليوم