وسط التراشقات وخطابات التهديد والوعيد قبل احتفالنا بإتمام ثورتنا الوليدة عامها الثانى، تاهت كالعادة منا البوصلة المؤدية لبلوغ هدف قومى يجمع عليه الشعب المصرى، ليجتهد ويجاهد لإنجازه بدلا من تفرق كلمته وبعثرة وتشتت جهده فى معارك جانبية تجرنا للخلف بسرعة الصاروخ، وتحجب عنا شمس النهوض، وتأسيس دولة حديثة قادرة على البقاء بفضل أسس ودعائم قوية ثابتة الجذور لا تهتز ولا تضعف كلما هبت عاصفة من هنا أو من هناك. فأزمتنا الحقيقية والمؤسفة معا أننا نستقبل عامنا الثورى الثالث ونحن لا ندرى إلى أين تتجه بلادنا، وما يزيدك حزنا وكمدا أن الفشل يلاحقنا كظلنا أينما ذهبنا، وساعد أهل الحكم من الإخوان المسلمين فى تعميقه وشيوعه، واستهوتنا لعبة اختلاف التأويلات والتفسيرات، حول مَنْ المسئول عنه الفشل ؟ وأهدرنا الوقت والمجهود فى الدفاع وتأكيد الاتهامات والمخاوف بين التيار الدينى والليبرالى والحرية والعدالة، وطغت الأحقاد والمواقف الشخصية على رؤية الجميع، غير أننا لم نتفكر لبرهة فى مسئوليتنا عن حدوث الفشل. إننى أتحدث عنى وعنك كمواطنين، ولندع جانبا الديوك المتصارعة على تورتة السلطة من مختلف الأطياف والألوان، فهؤلاء علتهم بذواتهم التي تضخمت ولم يعدوا يرون سواها، سأصارحك بالقول بأن الإدانة تطاردنا، فغالبتينا تعاطى مع الثورة بمنطق السبوبة، فالهم انصب على ما سنحصل منها دون إظهار ما ينم عن استعداد بسيط للتضحية بتأجيل رغباتنا الشخصية محدودة الأفق لحين استرداد الوطن عافيته، مثلما تفعل كل الشعوب الغيورة الحريصة على بناء مستقبل أفضل لها وللأجيال القادمة، وتنعمنا فى لذة الفوضى غير الخلاقة بل المدمرة، فأطلقنا العنان لنزواتنا فى انتهاك القانون بقدر طاقتنا، وقررنا تأميم ما يقع تحت أيدينا من هذا البلد، واسترجع معى انفلاتنا السلوكى لتعى جيدا ما أرمى إليه. هذا المناخ ترتب عليه أن الباطل امتزج مع الحق فى إناء واحد، ولم نعد نميز بين الصح والخطأ، ومَنْ الذى على صواب ومَنْ المخطئ، فكل منا سن قوانينه وأعرافه المناسبة له ولبرنامج حياته ولمشروعاته المستقبلية، وتأجل كل شيء من الواجب عمله للخروج من مطبات وانهيارات الأزمة الاقتصادية والسياسية، وتوقفنا عن العمل، مكتفين بالتظاهر بإلقاء اللوم على أصحاب الأعمال، الذين لا يوافقون على زيادة الرواتب أو على القوى السياسية والثورية غير الراغبة فى أن تهدأ الأوضاع فى بلادنا أو الإخوان المسلمين الذين يتخبطون فى خطواتهم ويبدو عليهم الارتباك وعدم الخبرة فى شئون الحكم والقيادة الرشيدة. النتيجة سلسلة متصلة من الإخفاق المريع على جميع المستويات، ونسينا أننا شركاء فى توجيه دفة المستقبل، وأن نجاح الحاكم يعتمد على تجاوب الرعية وقدر تحمسهم للعمل والتضحية وإنكار الذات، فالتقدم لن يدق أبوابنا ونحن نيام أو ونحن جلوس فى منازلنا منتظرين قدوم الفرج.
وتلك جزئية مهمة وخطيرة فى أزمتنا، فحكامنا الجدد لم ينجحوا فى إقناع المواطنين بأنهم شركاء فى العمل وعليهم إبراز سواعدهم وليس عضلاتهم الغليظة، وأن مصرنا يلزمها التواضع وليس الاستعلاء والإحساس الزائف بقوة التمكين، ولهذا ندور فى حلقة مفرغة، فالمواطن ينتظر تحرك الحكومة، والحكومة تنتظر تحرك المواطن، والاثنان لا يقدران على التلاقى فى منتصف الطريق، وليتنا نقف وقفة صادقة مع الذات مع بدء العام الثالث للثورة باعترافنا بنصيبنا فى فشلها فى تحقيق ولو جزء يسير من أهدافها العظيمة التى قتل لأجلها مئات من أنبل وأشرف من أنجبتهم مصر.. هذه دعوة للتأمل وليس لجلد الذات، فالفرصة لم تفت بعد لتصحيح الأخطاء القاتلة، حينها وحينها فقط ستنهض مصر وسيتبدل وجهها للأحسن.