جمعني لقاء بأحد رؤساء تحرير الصحف المستقلة والقريب من السلطة ، وذكر لنا أن العملية كلها ستنتهي مع خط النهايةالأخير للانتخابات الرئاسية وفوز مبارك الكاسح بها ، وسوف تصفي السلطة حساباتها مع أولئك الذين جرسوها وفضحوها وتطاولوا عليها بكشف زيفها وتلويث صورتها وسمعتها أمام العالم وفي الداخل . وهذا يعني أن الرئيس المقبل لمصر وهو السيد مبارك ينوي بنا شرا ، وهو يعصر ليمونة علي نفسه ، ويسمع مايكره ، لتفويت الفرصة علي النشطاء السياسيين في كفاية وغيرها ، ثم يكون لكل حادث حديث ، وفي الواقع فإن عقل السلطة المصرية هو عقل انتقامي ، وهو عقل إجرامي لا يتورع عن المكر والتنكيل بالخصوم وله خبراته الكبيرة في ذلك ، ولكن وربك له بالمرصاد في كثير من العمليات القذرة التي خطط لها كانت توجد بها ثغرات تفسدها ، وآخر هذه العلميات التي وجهها للصديق والزميل عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي لجريدة العربي ، فالقصد من عملية العدوان عليه كما نشرت القدس العربي أمس ، تلويث سمعته وشرفه بل وقتله حين يترك وحده في الصحراء القارصة ليواجه الموت وحده ، وعوقب أفراد الشرطة العسكرية الذين ساعدوه في الاحتفاظ بحياته ، وهناك الكثير من الوقائع في هذا الصدد . نحن نقول كدعاة للإصلاح بضرورة تحويل قضايا الأمة من الأمن إلي السياسة – أي أن يكون هناك عقل سياسي يتعامل مع القضايا الكبري لهذا الوطن ، فعملية بناء واقع حزبي وسياسي قوي يفترض وجود عقل سياسي يحترم القانون ويحترم خصوصية الأحزاب ولا يتعامل بطريقة زرع المخبرين وتجنيدهم والتجسس علي الخصوم السياسيين ، ومسألة ملف المعتقلين السياسيين تحتاج إلي عقل سياسي يغلب روح التسامح علي الانتقام ، وروح إعمال القانون واحترامه علي استخدام السلطة الغاشم لعدم تنفيذ القانون والتنكيل به وجعله سلفا ومثلا للآخرين ، وهنا مبارك هو المسئول عن عشرات الآلاف من الأحكام القضائية التي لم تنفذ بشأن الإفراج عن المعتقلين السياسيين والذين يبلغون عشرين ألفا ، لكن المصيبة هي أنه لا يوجد في مصر اليوم عقل سياسي يفكر كسياسي ، يحمل عقلا وقلبا ووعيا وحرصا علي مواطنيه بدلا من السجون والمعتقلات والقوانين سيئة السمعة التي تحد من الحرية وتكرس للاستيداد . الرئيس مبارك وفريقه ننظر إليهم جميعا كرجال أمن وليسوا رجال دولة أو رجال سياسة ، فهم يستندون إلي شرعية القوة وفرض الأمر الواقع ومن ثم فالضمير العام أو القانوني عندهم غائب . أحد الكوارث الكبري التي جرتها علينا النظم الاستبدادية هو موت السياسة والسياسيين وغياب مفهوم القانون والشرعية ، وأكبر مثال علي ذلك أن مصر عقمت أن تجد سياسيين يدخلون معترك التنافس علي مقعد الرئيس إلا قوما تحركهم السلطة ويخضعون لرغباتها ونزواتها ، ولا نعرف كيف نثق بمن قال إنه لن يدخل الانتخابات الرئاسية في ظل صيغة يبدو محكوما علي من يدخلها أنه سيهزم ، ثم إذا به يهرول بعد ذلك إلي الانتخابات الرئاسية وقد لحس كل ماكان قاله من حجج وبراهين . المناضلون الحقيقيون لا يخافون السجون ، وترويج أن مبارك سوف يفتح سجونه لمن تجرأ علي نقده لن يخيفنا ، ونحن السجن أحب إلينا مما يدعوننا إليه ، وعلي كل مناضل ومحب لهذا البلد أن يكون مستعدا للتضحية ودفع الثمن من حريته وعمره واستقراره وأسرته ، ونحن لسنا أقل من الآلاف المسجونة في الزنازين في هذا الحر المريع والخطير ، إننا نحي كل المسجونين السياسيين من كافة الاتجاهات الذين قاوموا وناضلوا من أجل حياة أفضل لوطنهم ومواطنيهم ، ونعلن للنظام والحكومة والمرجفون في المدينة أننا في معركة جد وليست هزار ونحن نقدر أن هناك ثمنا لابد من دفعه ونحن نعرفه ومستعدون له ، وهناك ثمن ثقيل ووزر مستطير يحمله الطاغية فوق كاهله ولابد من أن يدفعه هو أيضا ." وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين "