تحتفي الأوساط الفنية والثقافية، بالأديب والمفكر "عباس محمود العقاد"، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم الثلاثاء، باعتباره أحد أهم كتاب القرن العشرين في مصر. كان للأديب الكبير علاقات وطيدة بالفنانات وكانت منها لفنانة الراحلة مديحة يسري، حيث جمعت بينها وبين الكاتب عباس العقاد، علاقة قوية منذ بداية تعارفهما وكانت حينها في سن صغير، علمها حب القراءة والكتاب، حسبما جاء في حوار نشر لها في جريدة الأهالي عام 1994. أخذت الفنانة الراحلة صفتين من الكاتب الكبير عباس العقاد، وهما حب القراءة والاعتزاز بالكرامة، وتقول مديحة في احدى حواراتها : "كان يعطيني الكتاب ويطلب مني وضع شرطة تحت الكلمات والمعاني الصعبة ليشرحها لي"، ورغم انقطاع صلتها به عندما عملت بالسينما، كانت تتصل به في كل المناسبات. وقد وقع في حبها الاديب خاصة بعد أن وقعت عينا الأديب الراحل على صورة لها في احدى المجلات وشد انتباهه جمالها الهادئ، وابتسامتها الساحرة، ولم تفارق عيناه، وطوال أسبوع كامل ظلت الصورة معلقة في ذهنه، تطارده في أحلامه، فقرر أن يبحث عنها وكلف أحد أصدقائه بالذهاب لمدرسة التطريز بشبرا للبحث عنها وعن عنوانها. أحد أصدقاء العقاد علم بطلب الأديب الكبير، وكانت المصادفة أن مديحة هي صديقة شقيقته، فطار العقاد فرحًا بهذا الخبر، وطلب منه أن يأتي لمنزله ومعه شقيقته وصديقتها لاجتماعه الأسبوعي بمنزله يوم الجمعة والذي يتردد عليه تلاميذه ومحبوه. كان الأديب الراحل في ذلك الوقت قد تجاوز الخمسين من عمره بقليل، وكانت الفتاة الصغيرة الجميلة قد تجاوزت العام الثامن عشر لها، وجاءت لمنزل العقاد، وحدث لها نوع من الصدمة والذهول من هول ما شاهدته. ويقول الكاتب الراحل مصطفى أمين في احدى مقالاته إن مديحة انبهرت بآلاف الكتب التي تغطي جدران منزل العقاد، وبكبار الكتاب الذي يجلسون بجانبه، وفور دخولها صافحها العقاد وأجلسها بجواره، وهنا شعرت الفتاة أنها تجلس بجانب شخصية عظيمة، وكان لافتًا أنها لم تكن تعرفه، أو تقرأ له من قبل، ولاحظ العقاد ذلك، فسألها بذكاء عن الكتب التي قرأتها، فلم تجب بل ردت على سؤاله بابتسامة فهم منها العقاد أنها لم تقرأ شيئًا. واوضح مصطفى أمين : "هنا قرر الأديب الراحل أن يتبناها فكريًا وثقافيًا، وأنشأ لها في منزله مكتبة كي تقرأ من كتبها، ويكون هو معلمها الوحيد، وبعد لقاءات بينهما تولدت قصة حب قوية وعميقة ولكن من جانب واحد، وهو الأستاذ والأديب الراحل، أما مديحة فقد شعرت أن الأستاذ يريد أن يسجنها في عالمه الخاص. وكان أيضا للأديب الكبير قصة مع الفنانة هند رستم حيث طلب إجراء حوار صحفي معها ونشرته آنذاك بمجلة آخر ساعة. تقول "هند" عندما علمت أن العقاد اختارها لزيارته وإجراء حوار معه "أذهلني الخبر وقلت لنفسي غير مصدقة: أنا، العقاد اختارني لأحاوره!".. تتذكر هند جيدًا تفاصيل ذهابها إلى بيت العقاد مع مرافق الأديب الكبير "كنت كأني ذاهبة لملاقاة أحد الملوك العظام، بل هو من أعظم الملوك وأكثر خلودًا، فهو الأستاذ العقاد هرم مصر الرابع، والرجل الذي يجلس على قمة تجارب بشرية وأفكارها". حضرت هند نفسها جيدًا لمقابلة العقاد، قرأت الكثير من كتبه للوقوف على أفكاره وفلسفته، فلقاء العقاد ليس كأي لقاء، وأخذت في الاستعداد لكل شيء طريقة اللبس والكلام، لكنها وأثناء اقترابها من منزل الأديب الكبير توقفت وتوجست خيفة من اللقاء فقالت "أنا مش هروح المعاد ده، قول للأستاذ هند تعبت، حصل لها ظرف أو حتى ماتت". وأثناء الطريق قالت هند لمرافقها "هل تعلم ما هو أكثر شيء يثير مخاوفي؟ إن المقابلة يوم 13 وهو يوم أتشاءم منه ولا أمثل فيه بالمرة حتى لو أخذت مليون جنيه في المشهد، لدرجة أني قررت أن أنتقل من شقتي في الزمالك لمجرد أنها تحمل رقم 13. لكن المفاجأة أن المرافق قال لها ماذا لو عرفتي أننا ذاهبان للبيت رقم 13 كادت هند تصرخ وهي تقول: يا مصيبتي.. هو العقاد ساكن في رقم 13. لكن مرافق هند أخذ في تهدئتها حتى وصلت إلى منزل العقاد وهنا تفاجأت بأنه نزل بنفسه لاستقبالها، وقالت هند تعقيبًا على هذا الموقف "رغم كبر سنه شعرت بالكبرياء الشديد الذي يملأ نفسه". دار الحوار بين العقاد وهند في هدوء على عكس توقعاتها، وتلاشت أوهامها عن القعاد بأنه عدو المرأة بعد أن استقبلها استقبالًا حارًا أمام بيته، قال لها "أنت نجمي المفضل" فقالت له: ياه للدرجة دي!. فرد العقاد: وأكثر.. اكتشفت الآن أن الحقيقة أروع من الخيال.. فأنا أهنئك بالموهبة الطبيعية، والوجه المعبر.. فأنت في رأيي لست ملكة الإغراء ولكنك ملكة التعبير. وأثناء الحوار استأذنت هند رستم العقاد في سؤال.. فقالت له عايزة أزور بيت الله.. فهل حرام أن الفنان يزور بيت الله، ويرجع يشتغل في السينما؟ وأسرع يقول لها: أبدا.. لا حرام ولا حاجة! قالت له: أنا لغاية دلوقتي ما سألتش حد من علماء الدين.. - لا.. لا.. الفن، فن التمثيل، غير محرّم مطلقا.. لكن الحرام هو الخلاعة!