في مصر هناك عادة يبدو أنها عادة فرعونية قديمة نتميز بها عن غيرنا في العالم وهى أننا ننسى المقامات العالية التي شكلت الدنيا الثقافية المصرية في حين أننا نجرى وراء الاحتفال بظهور ألبوم غنائي او ظهور فيلم لفنان او فنانة أو الاحتفال بمرور سنة او خمس سنوات عن رحيل هذا الفنان او الفنانة بينما تمر ذكري ميلاد عمالقة الأدب ورموزها مرور الكرام دون أن يتحرك أحد خاصة أن منذ أيام مرت الذكرى العاشرة لوفاة أديبنا نجيب محفوظ ومن قبلها أحسان عبد القدوس ومن قبل كتبنا وأديبنا العملاق عباس العقاد لم يتذكرهم أحد وكأن المفكرين والمثقفين والأدباء الراحلين عاشوا وماتوا في بلد أخر غير مصر فنحن نتحسر على العقاد وطة حسين وأحمد لطفي السيد (أبو الليبرالية )الذى ولد في قرية برقين ولايتذكرة أحد , ثم سألت نفسي: لماذا نفعل ذلك مع قادة الفكر، ولماذا كل هذا العقوق؟ عندما ذهبت الى إحدى المكتبات فوجدت مؤلفات عباس العقاد وطه حسين وأقرانهما فتعلوهما الأتربة. ولأشيء هناك غير الكتابات الحديثة هي التي يهتم بها ,.. أما المؤلفات التي شكلت وجدان كل المصريين والعرب مثل عبقريات العقاد فلا أحد يطبعها أو يعرضها في المكتبات !!!!!!! اريد في هذا المقال أن أنقل لكم لقاء تم بين الأديب والمفكر عباس العقاد وبين الفنانة هند رستم وهذا اللقاء للأسف كثير من الجيل الحالي لا يعرفة بدأت الفكرة من جريدة «أخبار اليوم» التي قررت إجراء حوار بين كاتب ونجمة فعرض رئيس تحريرها على العقاد أسماء ألمع النجمات، مع إحدى الفنانات الثلاث؛ ماجدة، هند رستم، وفاتن حمامة، فاختار العقاد وقتها هند رستُم لإجراء الحوار معها وتقول هند رستم: اتصل بي أحد محرري الاخبار وقال لي: الاستاد عباس العقاد رشحك لأجراء حوار معه وهو يريد مقابلتك، وكانت الاخبار وقتها تجري حوارات بين فنانين وادباء كبار، فقلت له: انا اقابل العقاد هذا غير ممكن. وفي اليوم المحدد ذهبت إلى بيت العقاد ووجدته يستقبلني أمام الشقة. ورحب بي بشدة، وقال: «لقد التقى الهلال مع النجوم»، شعرت برهبة إلا أن تواضعه وبساطته أزالا الخوف في داخلي. وسريعاً ما ازال الرهبة من داخلي قال لها العقاد: «تعرفي يا أستاذة هند إنك نجمتي المفضّلة؟»، فقالت له، وهي لا تكاد تصدق ما تسمعه بأذنيها: «ياه! للدرجة دي؟» . رد عليها العقاد، قائلاً: «وأكثر. فقد اكتشفت الآن أن الحقيقة أروع من الخيال. فأنا أهنئك بالموهبة الطبيعية، والوجه المعبر، فأنت فى رأيي لست ملكة الإغراء ولكنك ملكة التعبير، لأن الإغراء عملية حسية، عملية رخيصة، لكن التعبير عملية نفسي تخاطب العقل، والوجه المعبر فى رأيي أهم من الوجه الجميل. وأضاف العقاد: «عندما رأيتك لأول مرة فى فيلم (شفيقة القبطية) ذكرتني بأول مرة رأيت فيها انجرد برجمان، كان عمرها 22 سنة، وكانت صريحة وطبيعية مع انفعالاتها، ولذا في رأيي أقرب إنسانة إلى سارة، ولذا أنا أرشحك لتمثيل هذا الدور وبعد مناقشات طويلة بين العقاد وهند رستم، عن طبيعة العلاقة بين الرجُل والمرآة وضرورة وجود كل منهم في حياة الآخر، سألت هند العقاد: «واضح أن الأستاذ بيحب المرأة جدًا وانفجر العقاد فى ضحكة من أعماقه وهو يقول: «جدًا»، ثم عاد بظهره إلى الوراء على الكنبة التي كان يجلس عليها، ووضع ساقا فوق ساق، وقال لها: «ومين قال إنني عدو المرأة؟ ده كلام فارغ»، وأضاف: «أنا بحب المرأة الطبيعية، لكن المرأة اللي نسخة تانية من الرجل، أعمل بيها إيه؟ صارحت هند رستم العقاد بأنها ترغب في زيارة بيت الله، ثُم استأذنت في إشعال سيجارة، قائلة: «فيه حاجة شاغلة بالي الأيام دى، أنا عايزة أزور بيت الله، فهل حرام أن الفنان يزور بيت الله، ويرجع يشتغل فى السينما؟ وأسرع العقاد يقول لها «أبدا، لأحرام ولا حاجة»، مُضيفًا أن الفن غير محرّم مطلقًا، لكن الخلاعة مُحرمة، ناصحًا إياها بزيارة بيت الله: «لا تستمعي لكلام أي واحد يشكك في هذه المسألة». صمتت هند رستم بعدها للحظات، ثُم عادت لتسأل «أنا مؤمنة بالله، لكن الحاجة الوحيدة اللي بخاف منها الموت، ليه؟»، فأجابها العقاد بكل هدوء قائلاً: «أنا شخصيا لا أخاف الموت، ولو شرّف في أي وقت أقول له اتفضل، ويمكن الشيء الوحيد اللي بخاف منه هو المرض لم تقتنع هند بإجابة العقاد، واحتجت قائلة «يمكن لأنك ما اتجوزتش قبل كدة ومعند كش أولاد»، فنفى العقاد أن يكون ذلك هو سبب، فأتت هند بالدليل: «إنت قلت مرة إنك خائف من الجواز لأنك خائف تترك يتامى من بعدك.. وأنا عندي بنت وخيفة عليها». وفي سياقٍ أخر، بعيدًا عن أحاديث الموت، سألت هند العقاد عن رأيه في مارلين مونرو: «هل هي مُغرية أم معبرة؟»، فقال: «مارلين مونرو كانت هي الإغراء، لأنها أنثى ناقصة تكوين، وأمها مجنونة، ولذا فكل الذي كانت تفعله عبارة عن تعويض لشعورها بنقص الأنوثة». وأضاف: «مارلين عبارة عن امرأة عايزة وسائل تجلب بها الأنظار، تثبت أنوثتها بأي طريقة. لدرجة أنها في سبيل أن تكون أنثى رضيت برجل يهودي وغيرت دينها وتزوجته، وأنا رأيت لها صور كثيرة، وفى الواقع إنها مبالغة جدا في حركاتها، ولو كانت واثقة من أنوثتها لكان ربع هذا المجهود في الإغراء يكفي». قاطعتهُ هند، لتدافع عن مارلين التي رأتها مظلومة قائلة: «لكن يا أستاذ عقاد ده مش ذنبها، فيه مخرجين يفرضوا عليها الحركات دي.. والمخرجين عندنا مثلا، لو شافوا إن هند ناجحة في الإغراء، فلازم الممثلات اللي يجوا بعدها لازم يكون شعرهم أصفر زي هند، ويقلدوها في كل الحركات. الممثلة بتبقي في اللحظة دي مسكينة، ومظلومة من حكم الناس عليها ...هند بعد هذه المقابلة قالت في جملة واحدة "سوف سأرسل باقة أزهار إلى العقاد وعليها نفس الكلمات، نفس المعاني التي شعرت بها: (لن أنسى في حياتي طعم هذه المقابلة أنه حق لقاء نادر جمع بين الفنانة هند رستم وعباس العقاد ويتصور البعض كان ا يعتقد أن اللقاء قد يتسم بالجدية الصارمة من قبل العقاد إزاء هند رستم التي كانت من أشهر نجمات السينما آنذاك بما لها من رقة وجمال وعذوبة ألا إن العقاد حينما قابلها قال لها أنت تذكرينني بسارة، وقالت إن الناس حذَّروها قبل لقاء العقاد ألا تسأله عن سارة وعن قصة حبه لئلا يثور ويغضب، وقالت إن شخصية العقاد ساحرة «كنت أجلس أمامه وكأنني طفلة»، وأن الحيرة تملكتها وسألت نفسها كيف ستتكلم وتتواصل مع مؤسسة فكرية ضخمة اسمها العقاد «غير أنى فور التقائي به نسيت كل ما سأقوله وأنا أمام هذا العملاق
* ملاحظات هامة عن هذا اللقاء: ذهبت هند رستم الى بيت العقاد بحي مصر الجديدة مرتدية فستانا أسود صدره مقفل. ومن النوع المحتشم الذى يلفت وقارة الأنظار بينما وضعت على كتفها فرووا أبيض وتركت وجهها وعلية نفس العلامات ,علامات الخوف الذى وصل إلى درجة أنها قالت للصحفي المرافق لها أنها تخشى كثيرا مقابلة العقاد وأنها مرعوبة بدرجة كبيرة من هذا اللقاء وبابتسامة لطيفة' استقبل العقاد هند والصحفي كمال سعد، أمام منزلة مرتديا ملابسة التقليدية دون أن يستغنى عن الطاقية الصوف والكوفية إن المقابلة في كانت في يوم 13، وهو يوم رقم تهرب هند منه وتشاءم منه ولا تعمل فيه بالمرة حتى لو أخذت مليون جنيه في المشهد. وقد وصل تشاؤمها من هذا اليوم إلى درجة أنها قررت أن تنتقل من شقتها التي كانت في الزمالك وتحمل رقم 13 الصحفي الذي رافق هند رستم الى بيت العقاد قال لها: «وماذا لو عرفت كذلك أننا ذاهبان للبيت رقم 13؟ وكادت تصرخ وهي تقول: (يا مصيبتي. هو العقاد ساكن في رقم13؟ : منذ عرفت هذه المقابلة قراءت كل شئ كتبه العقاد . قالت وهى تضحك : سأذهب .. وأمرى لله!..
*الضمير والالهام: وعلى رغم علاقات هند رستم المحدودة فأنها ارتبطت بعلاقة مع اديبين كبيرين في عصرها كانا بالنسبة اليها الضمير والالهام هما احسان عبدالقدوس وعباس العقاد ولكل منهما معها حكاية وتاريخ. عن احسان عبدالقدوس تقول هند رستم: تعرفت على احسان في وقت مبكر في حياتي الفنية، وكنت قدمت وقتها فيلم «رد قلبي» عام 1957 مع عز الدين ذو الفقار، وحضر الرئيس جمال عبدالناصر العرض الخاص بالفيلم واشاد بنا وبالعمل، وكانت لي واقعة في هذا العرض اخذ الجميع يتحدث عنها، فبعد انتهاء عرض الفيلم وقفنا كأبطال للعمل لنسلم على الرئيس، وليوقع لنا على عدد من الصور وكانت امامي مريم فخر الدين فقالت للرئيس جمال: وقع لي للممثلة المحترمة، وكان صوتها مسموعاً فقلت: يا خبر اسود انا قدمت في الفيلم شخصية راقصة فماذا سأقول له؟ اكتب لي الممثلة الراقصة؟ وشعرت بحرج شديد وادرت ظهري لاقف في آخر صف الممثلين أو لأهرب. لكن عبد الناصر لمحني بطرف عينه فقال: تعالي يا هند، ولم يتركني أفكر. فأضاف: دورك من أجمل ادوار الفيلم، كنت رائعة ووقع لي على الصورة وبالطبع كانت فرحتي طاغية لأنني كنت أحب جمال عبد الناصر جدا، واراه زعيماً فوق العادة ولمست ذلك في سفرياتي الكثيرة خارج مصر. المهم بعد هذا الحادث كتب عني احسان عبد القدوس مقالا جميلاً جدا كان بداية لصداقة وطيدة جدا بيني وبينه، صداقة لا تقوم على المصلحة ولا تخرج عن العادات والتقاليد. وتضيف هند رستم: كل شهر تقريباً كنت أزور احسان اما في مجلة روز اليوسف او في منزله لأرى اولاده وزوجته كما كانوا يزورونني في بيتي، وكان احسان عبدالقدوس يقول عني: اجمل ما فيك انك راجل لا تقبلين الخطأ ولا العيب، وهو كان يعاملني على انني رجل فعلا، وكان يشاركها الصداقة عز الدين ذو الفقار المخرج الجميل، الذي كان من اقرب الاصدقاء الى احسان، وهو كان دائما يتألم من الحب والفراق وعلاقاته كانت جميلة وكنا نجلس لنحل مشاكله العاطفية. * العقل والقلب: وتشير هند الى ان احسان دوما كان يقف الى جوارها في الازمات وتقول: احسان كان بالنسبة الي العقل والاخ الاكبر وكان بسيطاً جدا يحب مساعدة المحتاج، ويتألم جدا إذا اصاب احدا مكروه، وانا كنت اقرأ اعماله اولا بأول واناقشه فيها، ودوما كان يدفعني الى القراءة خصوصا في الادب ويهديني كتباً لأقرأها، وكان من أهم نقاد افلامي، يحدثني عن مواطن الضعف في العمل وعيوب شخصيتي، والاشياء الصحيحة التي قدمتها وهكذا استفدت جدا من هذه العلاقة على المستوى الانساني والفني. محظوظون من عاشوا في هذه الفترة واستمتعوا بتلك هذه الحوارات التي لم يعرف عنها الجيل الحالي أي شيئا ولكن نحمد الله تلك الحوارات التي عاشت وصلت إلينا في العصر الحديث، ربما تطور الصحافة وعدم البحث في أرشيف الصحف القديمة هو السبب في عدم ظهور مثل هذه الحوارات النادرة، يا ساده يا كرام لعلَّ القاعدة المشهورة التي تقول: إنَّ العقول إمَّا أن تتلقَّى العلمَ النَّافع المفيد؛ فترتقي وتسمو، أو أن تتلقَّى الضارَّ من العلوم؛ فتنتكس وتصبح أداة هدم في المجتمع بفضل العلم وصل بنو الإنسان الى ما وصلوا إليه، ولكن هنالك طرف آخر غير العلم له فضل يكاد يكون مساويا لما قدمه العلم للإنسان، ذلك هو (السؤال)، نعم فالسؤال هو الذي يحوّل العلم من (قفص العقل الفردي)، الى (فضاء العقل الجمعي)، ويمكننا أن نتصور عدم فائدة العلم إذا بقيَ حبيس الرأس، فمن يا تُرى يحث العلم على الإنعتاق نحو حرية المعرفة؟، ومن يحفّز العلم على كسر قضبان الحبس ومن ثم الخروج ملايين العقول التي تحوّله من المعنى الفكري المجرد، الى ناتج مجسد مادي وملموس.