يمثل تراث العمارة الإسلامية في مصر خلال العصرين الفاطمي والأيوبي نتاجا لحقبة زمنية مكتظة بالتحولات السياسية والعقائدية الدينية،والتي كنت لاعبا أساسيا في توجيه العمران بمصر خاصة بالعاصمة المصرية، التي ضمت بين جنباتها عواصم ما قبل العصر الفاطمي الفسطاط والعسكر والقطائع،والتي انضمت لتكون أحياءا من العاصمة الجديدة القاهرة،وظلت على هذا الحال خلال العصر الأيوبي. عالم الأثار أ. د. محمود أحمد درويش أستاذ الآثار الإسلامية بقسم الآثار بكلية الآداب جامعة المنيا،كشف معالم وتاريخ التراث المعماري الفاطمي والأيوبي في مصر في كتابه الصادر عن مؤسسة الأمة العربية للنشر والتوزيع،ومن المقرر طرحه بمعرض القاهرة الدولي للكتاب لدورته 50 في 22 يناير الحالي. ويتناول الكتاب دراسة للتراث المعماري الفاطمي الذي يشتمل على التراث المعماري الحربي المكون من الأسوار،والبوابات الباقية بمدينة القاهرة وهي النصر والفتوح وزويلة، إلى جانب التراث المعماري للقصور والدور بمدينتي القاهرة والفسطاط، والتراث المعماري الديني ويشمل المساجد الجامعة كالجامع الأزهر وجامع الحاكم بأمر الله، والمساجد التي تشمل مسجد ومرقب الجيوشي والجامع الأقمر ومسجد الصالح طلائع والمسجد الفاطمي بدير سانت كاترين. كما يشمل المشاهد والقباب الفاطمية بالقاهرة كمشهد السيدة رقية ومشهدا عاتكة والجعفري ومشهد يحيى الشبيه ومشهد السيدة كلثم ومشهد أبو القاسم الطيب ومشهد السيدة نفيسة وضريح القباب السبع أو قباب السبع بنات وقبة أبو الغضنفر ومشهد أخوة يوسف وقبة الشيخ يونس وباب المشهد الحسيني وقبة الحصواتي. أما التراث المعماري الأيوبي يشمل التراث المعماري الحربي،والذي يشمل دراسة معمارية لقلعة صلاح الدين بالقاهرة في العصر الأيوبي وتخطيطها المعماري، وكذلك أسوار صلاح الدين الأيوبي لمدينتي القاهرة والإسكندرية وقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بسيناء وقلعة الجندي شرق السويس،والتراث المعماري الديني يشمل المدارس الأيوبية،والتي تمثلها مدرسة السادات الثعالبة والمدرستين الكاملية والصالحية،والقباب وتشمل قبة الإمام الشافعي وتربة الخلفاء العباسيين وتربة شجر الدر وقبة الصالح نجم الدين أيوب، إلى جانب الخانقاوات ومنها خانقاه سعيد السعداء. وفي كتابه،عرف درويش التراث بأنه صورة الماضي وتاريخه،والتراث العمراني وثيقة تاريخية وفنية،ويشمل الأصول ذات الأهمية الثقافية أو البيئية أو التاريخية وتشمل المباني والأعمال الفنية، وأيضًا هو كل ما شيده الإنسان من مدن، وقرى، وأحياء، ومبانٍ، وحدائق، ذات قيمة تاريخية أثرية، أو معمارية، أو عمرانية، أو اقتصادية، أو تاريخية، أو علمية، أو ثقافية، أو وظيفية. وكشف أن المباني التراثية تشمل المباني ذات الأهمية التاريخية والأثرية والفنية والعلمية والاجتماعية،بما فيها الزخارف والأثاث الثابت المرتبط بها والبيئة المرتبطة بها،وتنقسم إلي مباني ذات حربية أو دينية أو مدنية،والمباني التراثية تلك التي تعطينا الشعور بالإعجاب، وتجعلنا بحاجة إلى معرفة المزيد عن الناس الذين سكنوها وعن ثقافتهم،وفيها قيم جمالية ومعمارية وتاريخية وأثرية واقتصادية واجتماعية وسياسية. وطبقا للكتاب،تشمل المناطق التراثية المدن والأحياء ذات الأهمية التاريخية والأثرية والفنية والعلمية والاجتماعية بكل مكوناتها من نسيج عمراني وساحات عامة وطرق وأزقة وخدمات تحتية وغيرها، وتتمثل في المدن التي شهدت تطورا عمرانيا اكتظ بالمباني التراثية كمدينة القاهرة على سبيل المثال،ومواقع التراث العمراني تشمل المباني المرتبطة ببيئة طبيعية متميزة على طبيعتها أو من صنع الإنسان،ويتم استخدام مصطلح مواقع التراث العمراني ليشمل كافة المواقع الأثرية وبغض النظر عن حالتها الخدمية. وقال درويش في كتابه أن مفهوم التراث العمراني حديث نسبيا بالمقارنة مع أنواع أخرى من التراث،ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبعد الاقتصادي والاجتماعي داخل المجتمع،وهناك فهم خاطئ لمفهوم التراث العمراني،ويتمثل في قصر المفهوم على المباني الدينية والتاريخية والقصور والقلاع والحصون والأسوار التاريخية والبوابات والأنواع الأخرى للمباني التاريخية دون غيرها، وهذا الفهم في كثير من الأحيان لا يشمل المناطق السكنية التاريخية ومراكز المدن التاريخية التي تمثل تراثًا عمرانيًا،وهناك عناصر غير ملموسة من التراث العمراني مثل العادات والمعتقدات والتي تؤدي دورًا أساسيًا لتوضيح استخدام الفضاء والبيئة العمرانية. ويعد التراث العمراني أحد الرموز الأساسية لتطور الإنسان عبر التاريخ،ومن هذا المنطلق،والتراث العمراني القائم حاليا في مصر خلال العصرين الفاطمي والأيوبي بما تشمله من عمارة حربية ومدنية ودينية،إنما يبرز لنا صورة متكاملة عن العمارة الإسلامية، بكل ما تحوية من حلول تصميمية منسجمة مع احتياج الفرد والمجتمع من حيث العادات والتقاليد الضاربة في أعماق هذا الوطن. ولأهمية التراث العمراني وتنوعه في مصر خلال العصرين الفاطمي والأيوبي، باعتبار أن العمارة هي جزء رئيس في التراث المادي للأمم، وهي أهم محاور العمران عبر العصور ولأهمية تراث العمارة الإسلامية في عصورها التاريخية،فقد جاء هذا الكتاب بعنوان"التراث المعماري الفاطمي والأيوبي في مصر"ليكشف لنا جانبا مهما من تراث وتاريخ مصر.