قال الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن ما تمرّ به الأمة الإسلامية اليوم من فتن وبلاء ومحن وتسلط الأعداء؛ إنما هو امتحان وتمحيص ومقدمة لنصر مبين وعز وتمكين بإذن الله. واستشهد « البعيجان» خلال إلقائه خطبة الجمعة اليوم بالمسجد النبوي، بقوله تعالى: «مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» الآية 179 من سورة آل عمران. ونبه إلى أن أول من أظهر إسلامه سبعة، وهم : (رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد)؛ فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فساوموهم بسوء العذاب. وتابع: فما منهم أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلال؛ فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه؛ فقام المشركون بإيذائه وتعذيبه لعله يرجع عن دينه؛ فقابلهم بالصلابة والثبات؛ فزادوا في تعذيبه وبلائه؛ فكان سيده أمية بن خلف يُخرجه إذا حَمِيت الظهيرة؛ فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول: لا تزال على ذلك حتى تموت أو تكفر بمحمد، ويقول: أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء، لئن لم تذكر آلهتنا بخير لأجعلنك للعبيد نكالًا؛ فيرد بلال رضي الله تعالى عنه وهو ثابت لا يتزعزع: ربي الله أحد أحد، ولو أعلم كلمة أغيظ لكم منها لقلتها. وأضاف: فلما وَصَلَ الكتاب أجله في تعذيبه، أتى الفرج فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقه لوجه الله عز وجل؛ وفي ذلك نزل قوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى}، وتمضي الأيام ويهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويهاجر بلال رضي الله عنه ويصبح مؤذن الإسلام. وأردف: يخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معركة بدر، وقد أقبل المشركون من قِبَل مكة بأسيادهم، ومنهم أمية بن خلف وأبو جهل، يتقدمون في خيلاء الكبر والغرور جيشهم نحو الألف، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويتغنون بهجاء المسلمين ويقولون: "والله لا نرجع حتى نرد بدرًا فنقيم بها ثلاثًا، فنحرر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف لنا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا؛ فلا يزالون يهابوننا أبدًا". واستطرد: يرى بلال رضي الله عنه سيده أمية بن خلف الذي طالما آذاه بمكة؛ فيشق الصفوف ويزأر ويقول: "رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوتُ إن نجا"؛ فمكنه الله منه، فحمل عليه فكان كأمس الدابر واليوم الغابر؛ فقال فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "هنيئًا زادك الرحمن عزًا.. فقد أدركت ثأرك يا بلال"، أما عدو الله أبو جهل فقد أقبل في كبر وغرور يرتجز ويقول: "ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني لمثل هذا ولدتن أمي". وأوضح أنه لما فُتحت مكة صعد بلال رضي الله عنه على ظهر الكعبة ليجهر بكلمة التوحيد على بُعد خطوات من المكان الذي كان يعذب فيه، وفي وقت الظهيرة وعلى رءوس الأشهاد يؤذن: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله؛ فهيّج ذلك الموقف غيظ أعدائه حتى ذكر بعضهم: "لقد أكرم الله أبي إذ مات ولم يسمع هذا فيغيظه"، وذكر الآخر: "ليتني مت قبل هذا". وأكد أنه لم يتبوأ بلال رضي الله عنه هذه المنزلة السامية في الإسلام إلا بعد امتحان وابتلاء وصبر ومجاهدة، مدللًا بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» الآية 200 من سورة آل عمران.