"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهل صحابة رسول الله العلم ونور الهداية من منبعه، فتشبعت قلوبهم بالنور، واستحقوا وصف رسولنا الكريم لهم ب"النجوم الهادية" وسط ظلام الباطل والتخبط بين شهوات الحياة، ونعرض فيما يلي جانبًا نورانيًّا لأحد أعظم صحابة رسول الله وهو مؤذن الرسول بلال بن رباح رضي الله عنه. ولد بلال بن رباح لأم جارية لدى بني جمح بمكةالمكرمة، ويعتبر أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، ويروى عن قصة إسلامه أنه كان يرى الغنم فمر أمام غار اعتزل به رسول الله وأبو بكر الصديق فلما رآه الرسول طلب منه بعض اللبن، فأخبرهما أن ليس له إلا شاة واحدة يقتات منها، فطلب منه الرسول أن يأتي بها حتى حلبها ثلاث مرات شرب خلالها بلال وأبو بكر والرسول حتى ارتوى الثلاثة، ثم دعا الرسول بلال إلى الإسلام فأسلم. انصرف بلال وبالشاة ضعف ما كان بها من اللبن حتى لاحظ سيده أن الغنم ازداد لبنها، فقال له لقد أتيت مرعى طيبًا فعليك به، فكان بلال يذهب إلى حيث لقي الرسول أول مرة على مدار ثلاثة أيام جالس فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلم عنه الدين، حتى إذا جاء اليوم الرابع كشف أبو جهل أمر مجالسة بلال لرسول الله وطلب من بني جمح منع بلال من الخروج للرعي ففعلوا. تولى أمية بن خلف الجمحي القرشي تعذيب بلال بن رباح بعد أن انكشف أمر إسلامه، فكان يخرج به عند الظهيرة في صحراء مكة فيطرحه على رمالها وحصاها بلا ملابس ويضعوا فوق جسده حجرًا لا يقوى على حمله إلا مجموعة رجال، ويقولون له "اذكر اللات والعزى"، فيقول "أحد أحد"، ثم يطوقون عنقه بحبل ويأمرون الصبية بسحبه من رقبته ويطوفوا به طرقات مكة، وهو لا ينطق إلا ب"أحد أحد"، حتى قال فيه عمار بن ياسر إن كل المستضعفين المعذبين قالوا ما أراده المشركون منهم سوى بلال، ومر به ورقة بن نوفل وهو يعذب فقال له "يا بلال أحد أحد، والله لئن متَّ على هذا لأتخذنّ قبرك حَنَاناً"، أي بركة. حضر بلال بن رباح مع رسول الله جميع الغزوات حتى جاء يوم فتح مكة فدخل مع الرسول إلى الكعبة فأمر بلال أن يؤذن ففعل، وكان آخر أذان رفعه بلال يوم وفاة الرسول، إلا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب طلب منه أن يؤذن يوم فتح بيت المقدس فأطاع الخليفة فبكى كل الصحابة بكاء شديدًا ومنهم عمر بن الخطاب. ناحت زوجة بلال عندما حضرته الوفاة وقالت "واحزناه"، فقال وهو ينازع سكرات الموت " لا تقولي واحزناه بل قولي وافرحاه، غدًا نلقى الأحبة محمدًا وصحبه"، وتوفي بلال في الشام كما أراد ودفن في دمشق عام 20 ه.