قال الدكتور أحمد الشوكى رئيس دار الكتب والوثائق ان قصة مصحف عثمان بن عفان تعود إلى أكثر من ألف وأربعمائة عام, وتحديدا في عهد ثالث الخلفاء الراشدين ذي النورين عثمان بن عفان, حيث اتسعت في عهده رقعة العالم الإسلامي وتفرق العرب في الأمصار المختلفة, ومعهم الصحابة يفقهونهم في أمور دينهم ودنياهم . تابع الشوكى أن من الطبيعى أن يأخذ كل إقليم بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة فأهل الكوفة كانوا يقرأون القرآن بقراءة عبد الله بن مسعود، وأهل الشام كانوا يقرأون بقراءة أبي بن كعب، وكان بين القراءتين اختلاف في الأداء وفي وجوه القراءة, ناشئ عن أن كل منهما قد تلقى القرآن عن النبي باللهجة التي ينطق بها لسانه. وقد استفحل أمر هذا الخلاف حتى تداركه عثمان بن عفان، فجمع أعلام الصحابة وتدارس معهم هذه الفتنة وأسبابها ووسائل علاجها وأجمعوا أمرهم على ضرورة عمل نسخ من القرآن, ترسل إلى الأمصار وتكون أصلا للقراءة والكتابة, يرجع إليها كلما دعت الحاجة، ويأخذ عنها العرب جميعا على اختلاف لهجاتهم, كما يأخذ عنها كذلك غير العرب من المسلمين. واضاف خلال احتفالية ترميم مصحف عثمان بن عفان الذى تولت ترميمة دار الكتب والوثائق انه من أجل هذا الغرض تشكلت ما يشبه اللجنة لهذا الغرض كان من بين أعضائها زيد بن ثابت الذي نسخ القرآن قبل ذلك لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد حددت مهمة هذه اللجنة في أن تعمل على إخراج نص مكتوب للقرآن الكريم من الأصل المحفوظ عند السيدة حفصة أم المؤمنين . ووأشار إلى انه قد كتبت هذه المصاحف جميعا بالخط المكي الجاف ذي الزوايا بدون تنقيط أو تشكيل أو أسماء للسور, وقد عرف فيما بعد بالخط الكوفي, بينما كانت المادة التي نسخت عليها المصاحف هي الرقوق المصنوعة من الجلد، وفي ذلك يقول القلقشندي في كتابه صبح الأعشى: "وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على كتابة القرآن في الرق لطول بقائه. ولأنه الموجود عندهم حينئذ. وما كاد مصحف عثمان يصل إلى الآفاق الإسلامية حتى سارع الناس إلى نسخه وأقبلوا على ذلك إقبالًا عظيمًا. وولفت إلى أنه من حسن الطالع أنه يمكننا أن نتتبع رحلة مصحف عثمان المحفوظ بدار الكتب الآن منذ وصوله إلى مصر وحتى هذه اللحظة من خلال المصادر التاريخية ، ولكن بعد مئات السنين أصبح المصحف بحالة سيئة من الحفظ نظرا لطبيعة استخدامه طوال تلك القرون كما كان غير مكتمل, وهو ما حدا بمحمد على باشا أن يأمر بترميمه, وهو ما يعكس استمرار المكانة الكبيرة لهذا المصحف لدى المصريين في تلك الفترة, وقد كلف الناسخ محمد بن عمر الطنبولى بنسخ النص القرآني المفقود منه على الورق, وكان ذلك في عام 1246ه/1830م كما هو مسجل على المصحف. اوضح انه بعد إنشاء دار الكتب المصرية بأربعة عشر عاما تم نقل هذا المصحف في يوم مهيب إلى المقر القديم لدار الكتب المصرية بقصر مصطفى فاضل باشا وذلك في عام 1884م, وحفظ تحت رقم 139 مصاحف, ثم في عام 1904م انتقل هذا المصحف مرة ثانية إلى مقر دار الكتب الجديد الذي انشأ بعد ذلك بأمر من الخديوي عباس حلمي الثاني بباب الخلق. وولفت الى انه للمرة الثالثة ينتقل مصحفنا ليستقر أخيرًا, وهذه المرة في المبنى الذي شيد لدار الكتب المصرية بكورنيش النيل وكان هذا في عام 1971م ، وخلال هذه المراحل المختلفة كان هناك العديد من المحاولات لترميمه إلى أن تم اتخاذ القرار للتدخل العاجل في شهر مارس من عام 2011م, وذلك من خلال خبراء الترميم بدار الكتب المصرية بالتعاون مع جمعية المكنز الإسلامي لترميمه و رقمنته وتصويره تصويرًا عالي الجودة وهو الأمر الذي سأترك تفاصيله لزملائي الذين قاموا بهذا العمل الشاق. وبعد العمل المتواصل خلال هذه الفترة ها نحن الآن نحتفل معكم بإتمامه وهو ما يعكس مدى حرص وزارة الثقافة المصرية ودار الكتب على حفظ وصيانة تراثنا المادي والديني باعتباره جزء لا يتجزأ من هوية هذا الوطن. وكشف عن انا العمل لم ينتهي بهذا الاحتفال, ولكن هناك العديد من الإجراءات التي سوف تتم في الأيام القادمة مثل مخاطبة المكتبات العالمية التي يعتقد أن بها الصحائف المكملة لهذا المصحف لعمل معرض في مصر بالنسخ الأصلية مجتمعة لأول مرة, مع الحصول على نسخ إليكترونية منها, لجمعه الكترونيا وحفظ هذه النسخة بدار الكتب المصرية, وبانتهاء ترميم هذا المصحف, فإننا نفتح الباب واسعا للمتخصصين للمزيد من الدراسات حوله للخروج بالعديد من النتائج التي نعتقد أنها ستكون شديدة الأهمية للعالمين العربي والإسلامي.