لا تحزن يا خالد الذكر وإن تكالبوا على سيرتك العطرة بهوان، تكالب الأكلة على قصعتها، أنتم الأعلون، لا تحزن وإن لامك نفر من المحدثين المرائين المشائين بين الناس بنميم، سنسمهم على الخرطوم. أبوخالد لا تحزن فى الميدان شباب غض لم يروا سواك فى برواز الصورة، رفعوها فوق الرؤوس فى تلك اللحظة المهيبة، تخفت الخفافيش فى ظلامها اليائس خلف البرواز الصدئ، خلف الجدار، فئران مذعورة من التجلى الأخير فى التحرير. لا تحزن يا حبيب الملايين، أولادك فى ميدان التحرير شبوا عن الطوق، افرح بهم، قرّ عينا، صدقنى أنهم يحفظون لمصر الجميل، حسنو الرباية، وطنيون، لا باعوا ولا اشتروا مصر بثمن بخس دراهم قطرية معدودة، مصر عندهم أغلى ما فى الوجود. لا تحزن من شبيبة السمع والطاعة إن حملوك إرث طغاتهم، لا تحزن إن حاسبوك حساب الملكين فى زمن الإخوان، كتابك بيمينك، عمرك، شبابك، كهولتك، شيخوختك، سنوات طوال، طولها أشغال شاقة فى حب الوطن، خدمة إجبارية فى أرض الوطن الذى ينكرون. كنت تتوق للراحة بعد عناء، إذن استرح من وعثاء الطريق، امسح عنك غبار عصر مغبر القسمات، لا تحمل نفسك ما لا طاقة لك به، حان وقت الراحة، قرّ عينا، كنت تتمنى وقتا مستقطعًا للعلاج مما ألم بك وأثقل حركتك، وأرهق صحتك، استرح فى دار القرار، هناك جنود مجندة ترعى ثورة أولادك، تحميها من الاختطاف الذى يناوشها، الغربان الشوم تحوم حول الحمى توشك أن تواقعه، ألا لكل وطن حمى، ألا إن حمى الوطن محارمه، ومحارم وطننا الخيانة، خيانة العهد، وإذ أخذنا من الثائرين ميثاقا غليظا. لا تحزن، وارفع الرأس أنت مصرى، هل ترى من فتور؟ ثم أمعن البصر مرتين، ستجد أولادك فى ميدان التحرير ينشدون الحرية، إنهم يحبونك، لكنهم يكرهون عيشتهم التى تركتهم عليها، وثاروا عليها، «دنياهم» التى اسودت فى أعينهم، ينعون مستقبلهم الذى صار شائهًا مشوهاً بفعل عمليات التجريف التى مارستها عصابات النهب المنظم لثروات البلاد، خربوا النفوس ودقوا الرؤوس، ونهبوا الفلوس، حقاً الفلوس بتغير النفوس! . لا تحزن، ما بدر من نفر من المرجفين لا ينقص من قدرك، من قدر جيلك، أولادك يعرفونك، يعرفون العنوان، أصلهم طيب، من شجرة طيبة أصلها المصرى ثابت وفرعها صاعد فى السماء، رهانك الذى كنت تراهن، كسبت الرهان، شبابك الذين أحببت، مصريون بحق وحقيق، نفر منهم ضل بهم السبيل، أضلتهم عصابات معلومة الأهداف، تبغى التمكين، لكنهم المصريون الحقيقيون لا يضلون، سرعان ما يفيقون إلى واقعهم الأليم، وينحازون لمشروع العمر، يا من ضيعت فى المشروع عمرك، فداء لوطن أحببت وافتديت وكنت من المخلصين.. يرحمك الله يا «أبوخالد». نقلا عن المصري اليوم