لاتحزن يا أبي وإن لامك أحفادك إن سكت علي فساد، وإن خطأك أولادك إن صمت علي طغيان، وإن تكالبوا علي سيرتك العطرة بهوان، رهين المحبسين كنت حتي سكنت القبر ، لقمة العيش، والعيال، كانت دعواك أن الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، كانت اللقمة مغموسة بمر الأيام ، وشربة الماء ملح أجاج ، وتتمتم الشفاه بقناعة المؤمن ، فضل ونعمة ، وتقبيل اليد اليمني قبل الأكل وبعده،رب أدمها نعمة وأحفظها من الزوال . لاتحزن يا أبي وإن لامك أحفادك الثائرون علي الظلم في التحرير, ماهنت، مابعت، مافرطت في الكتاب من شيء، افرح في قبرك، قر عينا، أتي الأحفاد بما لم يأت به الأولون، ثار الأولاد علي مالم تطق عليه صبرًا، أحفادك طهروا بر مصر ممن تنادوا بليل ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون، ولم يستثنوك، ولم يرحموك في شيخوختك، لست استثناء من مقصلة الفساد التي طاحت، وطوحت بالبشر والحجر وسرطنت النبات. لاتخش علي أولادك الذين انفجروا أشلاء في ميدان التحرير، يريدون الخلاص مما كنت أنت فيه، مما كنا نحن فيه، مما هم فيه، أنت أيضًا كنت تريد الخلاص من ربقة ظالمة طوقتك، أطبقت علي أنفاسك، وأنفاسهم، وأنفاسنا، أزهقت من هولها النفوس، وتاهت من هولها العقول، كفر من كفر بالمصرية التي كنتم بها تتغنون وتغني بها المنشدون في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي، أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي، أنا إن قدر الإله مماتي لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي، رفعت مصر رأسها أخيرا ، خرجت من الكهف ، يادوب بتغير الريق ، ويتشرب الشاي بالحليب ، شاي الصباح مر مسكر ، صباحك سكر . لاتحزن يا أبي من شباب غض لم يروا سواك في برواز الصورة، في تلك اللحظة الملهمة، تخفت الخفافيش في ظلامها اليائس خلف البرواز الصدئ ، خلف الجدار ، فئران مذعورة ، وتركتك وحيدًا ، وحيدًا، وحيدًا، وحيدًا مشيعا باللعنات في ميدان التحرير، هدفا سهلا، صيدا ثمينا، لنفوس غاضبة، كسرت القيود، فككت العقال، انطلقت لاتلوي علي شيء سوي الانتقام ممن أذلوا أعناق الرجال، ذلة النفس أليمة لو تعلمون. لاتحزن، أولادك في ميدان التحرير شبوا عن الطوق، افرح بهم، قر عينا، صدقني أنهم يحفظون لمصر الجميل، حسنو الرباية، وطنيون، لا باعوا ولا اشتروا بمصر ثمن بخس، مصر عندهم أغلي ما في الوجود،لا تحزن منهم إن حملوك إثم الطغاة ، إن حاسبوك حساب الملكين ، إنما أنت مثلهم ضحية الإفساد والفساد الذي مارسته طغمة حاكمة بليل، طوقتك بذيولها، ومنعتك من رؤية الحقيقة العارية ، ما كنت تدري ما الكتاب، كتاب الثورة. لا تحزن، كتابك بيمينك، عمرك، شبابك، كهولتك، شيخوختك، سنوات طوال ، طولها أشغال شاقة في حب الوطن، خدمة إجبارية في أرض الوطن، كنت تتوق للراحة بعد عناء ، إذن استرح من وعثاء الطريق، امسح عنك غبارعصر مغبر القسمات ، لا تحمل نفسك مالا طاقة لك به، حان وقت الراحة، قر عينا ، كنت تتمني وقتا مستقطعًا للعلاج مما ألم بك وأثقل حركتك، وأرهق صحتك، استرح في دار القرار، هناك جنود مجندة ترعي ثورة أولادك، تحميها من الاختطاف الذي يناوشها، الغربان تحوم حول الحمي توشك أن تواقعه، ألا لكل وطن حمي، ألا إن حمي الوطن محارمه، ومحارم وطننا الخيانة والتخوين والقتل علي الهوية ، والتنكيل بالاثنية والعرقية والطائفية ، وماكنا معذبين في الأرض . لا تحزن، وارفع الرأس هل تري من فتور؟ ثم أمعن البصر مرتين، ستجد أولادك في ميدان التحرير ينشدون الحرية، لا يتعطشون للدماء، الثورة المصرية برائحة الياسمين، ورد معطر، وبلون اللوتس القوي الفخيم من زمن الفراعين، شبابها منور بين الأمم، عظيمة يامصر يا أرض النعم، يامهد الحضارة يابحر الكرم ، نيلك داسكر جوك معطر . لاتحزن يا أبتي ، إنهم يحبونك، لكنهم يكرهون عيشتهم التي تركتهم عليها ، وثاروا عليها، دنيتهم التي اسودت في أعينهم، ينعون مستقبلهم الذي صار شائهًا مشوها بفعل عمليات التجريف التي مارستها عصابات النهب المنظم لثروات البلاد، خربوا النفوس ودقوا الرءوس، ونهبوا الفلوس، حقاً الفلوس بتغير النفوس! . لاتحزن ، مابدر من نفر من أولادك عفويا لا ينقص من قدرك، من قدر جيلك ، ولادك أصلهم طيب، من شجرة طيبة أصلها المصري ثابت وفرعها صاعد في السماء ، رهانك الذي كنت تراهن كسب الرهان، شبابك الذين أحببت، مصريين بحق وحقيق، نفر منهم ضل بهم السبيل، أضلتهم عصابات معلومة الأهداف، لكنهم المصريون الحقيقيون لايضلون، سرعان ما يفيقون إلي الواقع، وينحازون لدموع الأمهات، يكففون الدمع، ولصرخات البنات، يطمئنهم، وتأوهات الجدات في قعور البيوت ، يبلسمون الجراح بقبلات حانيات علي الرءوس التي اصطبغت بالأبيض الثلجي. أحبك حبين، حب هو دين لك في رقبتي فأنت أبي وإن أنكرك المرجفون ، وحب لأنك أهل لذاك، أما الذي هو دين، فأنت من أودعني سر الحياة، دائم السؤال كنت، وأني لأسأل عنك وأسأل الله أن يرحمك ربك، أما الذي أنت أهل له، لم تفرط في حق اعتقدته ، حقك عليّ يامن صرت في القبر وحيدا .. يرحمك الله .